آمال عباس

معزوفة ثابتة


[JUSTIFY]
معزوفة ثابتة

٭ قد يلاحظ القارئ التكرار في الموضوعات التي أطرحها في هذه المساحة، وأنا أقول لصاحب أو اصحاب الملاحظة إنها واردة وذلك لسبب واحد هو أن هذا اللقاء يشكل جزءاً شفافاً بيني وبينكم.. وهو ينقل كل ما أحسه وألاحظه في الحياة من حولي وحسب رؤيتي لكل هذه الجوانب.. جوانب الحياة المبهج منها والقاتم.
٭ واليوم أيضاً أطرق موضوعاً طرقته مراراً، وسأظل أطرقه طالما ظل يسد الأفق في وجه الإنسان السوداني المغلوب على أمره.
٭ كلكم تلاحظون وتعيشون أن الشكوى ما عادت ذات جدوى.. الانكفاءة على الذات والأنين الخافت يمزق أحشاء الكيان الاجتماعي قبل أن يمزق أعماق الجائع والمريض أو البائس.
٭ الحقيقة الماثلة أمامنا هي يجب أن نجد إجابة واضحة ومقنعة عن السؤال الأساسي الذي يطرح نفسه بإلحاح، وهو هل دخل العامل أو الموظف أو الحرفي الصغير أو الجندي أو المزارع يتكافأ مع أعباء الحياة؟
٭ قد يقول قائل إن حال الحياة هكذا.. حياة البشر تتفاوت دخولهم ومستويات حياتهم وهذا شأن الحياة.. وهذه حقيقة.. ولكن هناك حقيقة أكبر وهي مسؤولية ولاة الأمر الذين يديرون دولاب الحكم.. الأحزاب والجماعات كلها تضع البرامج والأسس التي تدير بها أمور الاقتصاد وهو عصب الحياة، ولذا ولاة الأمر مسؤولون مسؤولية تامة عن إيجاد حد من التكافل يحفظ الحد الأدنى من السلام الاجتماعي والكرامة الإنسانية.. وهذه المعادلة ناقشتها الأديان السماوية عن آخرها والنظريات الوضعية، للحد الذي يفرض على الحكومة دعم الأساسيات للفقراء والمساكين وأصحاب الدخول المحدودة والمتوسطة، وأن تجعل الخدمات الضرورية على الأقل مجاناً كالعلاج والتعليم.
٭ ومن خلال الواقع الذي يعيشه المجتمع السوداني وبالذات قطاع العمال والموظفين، نلمس عمق الانقلاب الذي حدث في حياتهم جراء الموجة المستمرة والمتصاعدة لارتفاع الأسعار الذي بدأ مع إعلان سياسات التحرير منذ مطلع تسعينيات القرن الماضي.
٭ على الرغم من التزامات الحكومة برفع الأجور وصرف المنح، إلا أن ذلك لم يمنع انهيار وذهاب طبقة كاملة هي الطبقة الوسطى صمام أمان المجتمع، وتحويلها إلى حياة تحت حزام الفقر.
٭ من الناحية الثانية سوء إدارة أمر الاقتصاد أدى إلى التضخم الذي ذهب بالجنيه وجعله قزماً معاقاً أمام الدولار.. وأدى بشكل واضح ومخيف إلى ظهور أعداد كبيرة من المليارديرات الذين تمكنوا من استغلال جو التحرير وزحف غول الفساد في تكوين ثروات طائلة لا يمكن بحكم العقل والمنطق فهمها أو تبريرها.
٭ والسؤال الذي يتردد بصورة دائمة وملحة أيضاً هو: لماذا لا تفكر الحكومة في وضع برنامج لإيجاد التوازن بين الدخول والأسعار.. بل لماذا لا تقف على نتائج إدارة سياسة التحرير الاقتصادي هذه، فالمواطن لا يريد أن يعرف تفاصيل المدارس الاقتصادية ونتائجها على المدى القريب أو البعيد، ولكنه يريد أن تبحث له الحكومة عن علاج يخرجه من مسلسل الشقاء الذي أدخلته فيه هذه السياسة التي زحفت على الدعم الضئيل الذي تبقى للوقود وللقمح.. لاسيما العلاج.. فمن الممكن أن يحتمل الأب والأم جوع أطفالهما، ولكن من المستحيل أن يحتملا أنات المرض التي تنبعث من أعماق أطفالهما التي مزقها الجوع والحرمان قبل المرض ويستحيل عليهم الدواء.
٭ ولكن يبدو أن الحكومة وحزبها والأحزاب التي والتها أصبحوا يتبنون سياسة التعايش مع التضخم وسياسة التحرير ورفع الدعم التي قادت إلى الخلخلة الاجتماعية الراهنة.
٭ فإلى متى يظل الحديث حول رفع الدعم كلياً أو تدريجياً؟ وإلى متى نقف في صفوف الشكوى المتكررة ولا ندعو للبحث عن طريق آمن لإدارة الاقتصاد وإدارة حياة الناس؟ فالسياسة الراشدة هي فن إدارة حياة الناس بما يكفل لهم المعرفة والأمان والعافية.

[LEFT]هذا مع تحياتي وشكري [/LEFT] [/JUSTIFY]

صدي – صحيفة الصحافة
أمال عباس