عالمية

الصفقة الروسية للتنقيب عن النفط السوري.. بين التفاؤل الحذر والاستثمار السياسي


[JUSTIFY]بعد أكثر من ستة اشهر على توقيع العقد الاصلي، صادقت الحكومة السورية على عقد التنقيب مع شركة “سيوز نفط غاز” الروسية، لتصبح أول شركة أجنبية تحصل على حقل التنقيب والانتاج في الجرف القاري التابع لسورية، مع العلم أن 11 شركة أجنبية انسحبت من العمل في قطاع النفط في منطقة الشمال بعد أن تكبدت خسائر قدرت بنحو 6.4 مليارات دولار.

ولكن يبدو أن الشركة الروسية تحرص على تجنب الخسائر وتحقيق الأرباح المشجعة لها، ويقول رئيس مجلس ادارتها يوري شافرانيك ” أن الشركة ترغب بعقد اتفاقات لاستثمار النفط والغاز في المناطق الهادئة من سوريا”، وبما أنه يتوقع الاستفادة من استثمارات واعدة في المستقبل، فقد أشار إلى “رغبة شركات روسية وايطالية عدة بمد خط انابيب لنقل النفط من العراق إلى سوريا”.

لقد كانت سوريا قبل الحرب، تنتج 385 ألف برميل نفط يومياً، ولكنه تراجع خلال ثلاث سنوات إلى 13 ألف برميل يومياً فقط، أي إلى نحو 3.5%، ووفق تقدير مؤسسة النفط السورية، بلغت الخسائر نحو 17.7 مليار دولار، منها خسائر الانتاج المباشرة بنحو 2.4 مليار دولار، وخسائر الانتاج غير المباشرة بنحو 15.3 مليار دولار، وعزت السلطات ذلك نتيجة سوء الأوضاع الأمنية في مناطق تواجد الحقول والاعتداءات التي تعرضت لها من حرق وتخريب، بالاضافة إلى العقوبات الاقتصادية التي تفرضها الدول الأوروبية والولايات المتحدة على استيراد وتصدير النفط من سوريا وإليها، لا سيما وأن معظم الحقول النفطية تقع في شمال البلاد وعرضها، وهي تحت سيطرة مقاتلي المعارضة أو المقاتلين الأكراد.

وساهمت هذه الخسائر، بالإضافة إلى خسائر موارد السياحة وصادرات الانتاج الصناعي، في تدهور احتياطي النقد الاجنبي لدى البنك المركزي، والذي تراجع من 18 مليار دولار، إلى أقل من خمسة مليارات حسب تقدير بعض الخبراء الذي أعلن صراحة أن الرقم الصحيح غير معروف لأن البنك المركزي يحرص على ابقائه سراً من أسراره.

هروب الشركات الأجنبية

إضافة إلى شركة “سيوز نفط غاز” الروسية، هناك عدة شركات روسية أبدت مؤخراً اهتمامها بالتنقيب والاستكشاف البحري عن النفط والغاز في المياه الإقليمية السورية، ويؤكد ذلك وزير النفط والثروة المعدنية في دمشق سليمان العباس، والذي أشار إلى أن لديه طلبات من شركات عدة، يتم دراستها حالياً والنظر في مؤهلاتها.

ولكن اللافت لبعض المراقبين، أنه سبق دخول الشركات الروسية للعمل في قطاع النفط السوري، إقدام 11 شركة أجنبية على الانسحاب من العمل في هذا القطاع، وهي موزعة على الشكل الآتي:

أولاً: ثلاث شركات في الاستكشاف والانتاج، وهي “شل” البريطانية، و”بتروكندا” الكندية، و”اينا” الايطالية.

ثانياً: ست شركات في مجال الانتاج وهي: “توتال” الفرنسية، والشركة الوطنية الصينية، وشركة “ساينوبك لوم” وهي صينية ايضاً، بالاضافة الى “غالف ساندز”، و “اي بي آر”، و “تاتنفت”.

ثالثاً: شركتان في مجال الاستكشاف فقط وهما: “موريل بروم”، و “لون انيرجي”.

وكشفت بيانات صادرة عن “وزارة النفط والثروة المعدنية” أن إجمالي خسائر الشركات الأجنبية العاملة في قطاع النفط السوري منذ بداية الأزمة وحتى نهاية العام 2013، بلغت حوالي 6.4 مليار دولار أميركي.

وجاء في البيانات أن التقديرات الأولية لحجم الخسائر المادية المباشرة، بلغت نحو 2.8 مليار دولار، 31% منها خسائر الشركات العاملة المنتجة في سورية، التي علّق فيها الشريك الأجنبي أعماله، أي ما قيمته 880 مليون دولار تقريبا. وتوزعت هذه الخسائر على 135 مليون دولار قيمة معدات وتجهيزات جرت سرقتها أو تخريبها، ونحو 745 مليون دولار قيمة كميات النفط الخام والغاز المنزلي المسروقة على نحو مباشر من الآبار الإنتاجية وخزانات التجميع التابعة لهذه الشركات، وقدرت قيمة الإيرادات الفائتة نتيجة توقف العمليات الإنتاجية لكامل القطاع النفطي بنحو 16.6 مليار دولار، منها ما نسبته 33% تقريباً قيمة الإيرادات الفائتة للشركات العاملة، التي علّق فيها الشريك الأجنبي أعماله، أي ما يعادل 5.5 مليارات دولار أميركي.

وتبعاً للبيانات، فإن حجم الإنتاج للشركات الأجنبية قبل الأزمة وصل إلى 100 ألف برميل يوميا، وما يعادل 7 ملايين متر مكعب غاز للشبكة، وكان هناك فرص واعدة مع تلك الشركات لتوسيع نشاطها في مناطق أخرى، حسب تأكيدات “وزارة النفط والثروة المعدنية”.

تفاؤل حذر

وانطلاقا من نظرة تفاؤلية لمرحلة اعمارية مرتقبة، خصصت وزارة النفط السورية في اطار “خطة اسعافية” للعام 2014 نحو 3.4 مليارات ليرة (21.3 مليون دولار) موزعة على مجموعة مشاريع، خصص منها للنفط نحو 12.5 مليون دولار، وذلك لتنفيذ مشاريع تتعلق باعادة تأهيل البنى التحتية لمنظومة انتاج النفط والغاز التي تعرضت للتخريب على ايدي المجموعات الارهابية المسلحة (وفق تقرير الوزارة) خاصة خطوط نقل المشتقات النفطية وخزانات الوقود وخطوط شبكة الغاز المنتشرة في جميع المحافظات ، تمهيدا لمعاودة الإنتاج إلى مستويات ما قبل الأزمة، أي إلى العام 2010.

وأكدت الوزارة إعطاء الأولوية لاتخاذ التحضيرات اللازمة لاستقدام المعدات والتجهيزات، وتحضيرها بما يتيح لمؤسساتها العمل على ترميم وتطوير مناطق وتوزيع النفط والغاز فور توفر الشروط الامنية لذلك.

ولكن يلاحظ المراقبون من خبراء النفط والاقتصاد أن هذه المبالغ المخصصة لإعادة التأهيل، ضئيلة جداً، وتكاد لا تذكر مع حجم الاضرار المباشرة وغير المباشرة التي أصابت قطاع النفط في سوريا خلال ثلاث سنوات من الحرب المستمرة بين الشعب والنظام.

وعلى الرغم من التراجع الملحوظ في استهلاك المشتقات النفطية نتيجة هجرة السوريين داخل سوريا وخارجها، فان فاتورة الدعم لهذه المشتقات قد تجاوزت 40 مليار ليرة (نحو 250 مليون دولار) خلال الفصل الأول من العام الحالي (وفق معلومات الوزير عباس)، الذي أكد أن قيمة الدعم بلغ أكثر من 226 مليار ليرة سورية (1.4 مليار دولار) في العام 2013، مع العلم أن سوريا تستفيد من خط ائتماني مفتوح منذ السنة الاولى للحرب من قبل طهران، وقد بدأ بـ 3.5 مليار دولار، لسد احتياجات النظام من مستورداته من النفط ومشتقاته، وهي تستورد عبر هذا الخط ما قيمته 400 مليون دولار شهريا، وتشير بعض التقارير إلى أن مجموع المبلغ تجاوز الـ 15 مليار دولار.

الصفقة الروسية

وفي ظل كل هذه التطورات، ومع التفاؤل السوري، وانسجاما مع سياسة حكومة روسيا الاتحادية الداعمة لبقاء الرئيس بشار الاسد، ولو مع استمرار الحرب، جاء تنفيذ صفقة النفط والغاز الروسية، التي ستبدأ بموجبها شركة “سيوز نفط غاز” بالتنقيب والانتاج في الجرف القاري التابع لسوريا، ويشمل المنطقة الممتدة من جنوب شاطئ مدينة طرطوس إلى محاذاة مدينة بانياس، وبعمق عن الشاطئ يقدر بنحو 70 كيلو متراً، وبمساحة اجمالية تصل لنحو 2190 كيلو متراً مربعاً.

وتبلغ كلفة الصفقة 100 مليون دولار، وهي تقديرات الحد الأدنى، إذ أن تكلفة يوم الحفر الواحد تقارب 80 ألف دولار، وستنفق الشركة الروسية في المرحلة الأولى نحو 15 مليون دولار، لتحديد فرص الحفر الممكنة، تمهيداً لحفر بئر استكشافية واحدة كحد ادنى، يليها زيادة للانفاق المتبقي بما يزيد عن 75 مليون دولار في المرحلة الثانية، وفي حال نجاح عمليات التنقيب والحصول على كميات تجارية من الغاز والنفط، ستقوم الشركة لاحقاً باعمال التطوير.
[/JUSTIFY] [FONT=Tahoma] الأناضول
م.ت
[/FONT]