ضياء الدين بلال

نصف الكوب!


[JUSTIFY]
نصف الكوب!

قبل 24 ساعة من اشتعال الأوضاع في الخرطوم، ومنع الصحيفة من الصدور، كنتُ قد كتبتُ في هذه المساحة الآتي:
نعم، من واجب السلطات في السودان وأيِّ مكان آخر، أن توفر الحماية اللازمة للمُمتلكات والأرواح، وألا تسمح للمخرِّبين والنهّابين بأن يستغلوا أجواء الاحتجاجات، لتنفيذ أجندتهم الإجرامية، التي خبرها الجميع في أحداث الاثنين الأسود، حينما قتل الدكتور جون قرنق.
العاصمة الخرطوم، ليست هي خرطوم ثورتيْ أكتوبر وأبريل، خرطوم النخب والطبقة الوسطى وصغار الموظفين والعمال؛ الخرطوم الآن هي خرطوم التمايز الطبقي والاستقطاب الإثني الحاد، كل شيء فيها إن لم يكن قابلاً للاشتعال فهو قابل للكسر!
إذا انفرط أمنها يصعب أن يُستعاد في زمن محدد ومعلوم.
الأمن في العاصمة الخرطوم، لا يحفظ فقط بالتدابير الأمنية والعربات المدرعة وقاذفات البنبان، ولكن بحسن السياسة والدبارة، وسلامة التقدير، ونجاعة القرارات، والمعرفة بالأشياء التي تثير الحساسية وتطلق (الكاروشا) في الجسم!
يجب أن تكون المواقف واضحة وعلى استقامة أخلاقية في رفض العنف مطلقاً – دون تبريرات ولكننة – رفض عنف التخريب والنهب ورفض عنف السلطات في ردع المتظاهرين.
دعونا من إجابات نصف الكوب؛ العنف لا يولد إلا العنف، هناك من يبرر عنف التخريب بحجج تفتقد للسند الأخلاقي، مثل أن يقول أحدهم، إن كل الثورات تأتي مصحوبة بعنف، كمترتب واقعي على سياسة الكبت والتضييق، والحرمان من التنمية والخدمات!
وأسوأ تبرير ذرائعي، ما نقل عن الشيخ حسن الترابي، وهو أن التخريب الغرض منه لفت انتباه الإعلام للثورة والاحتجاجات!
ولو أن أحد المبررين للتخريب أوالمتسامحين معه، تعرضت أسرته للاعتداء، أو متجره للنهب، أو أحرقت سيارته، لما أبدى هذا التفهم النزق!
ولكنّه مرض السياسة السودانية اللعين؛ ضعف الإحساس بمعاناة الآخرين، وجر الشوك على أجسادهم طمعاً في توفير لحظات دامية، تشتعل منها نار الثورة التي لا تحرق أصابعهم ولا توسخ ثيابهم، بل يجنون ثمارها ويأكلون طعامها على طاولات الحكم!
المواطن ليس هو هدف الثورة وغايتها، بل وسيلتها لتحقيق التغيير ونقل السلطة من مجموعة إلى أخرى.
وقبل ظهور نتائج لجان التحقيق، نقول للذين يبررون لعنف السلطات باعتباره عنفاً دفاعياً ، لن يجدوا في قوائم القتلى ما يدعم حججهم، بل سيجدون ما ينفيها، فليس من المنطق أن يعتبر طلاب الثانويات والأطباء والصيادلة من المخرّبين والنهّابين!
حتى إذا صحت رواية المندسين، أليس من واجب السلطات في لحظات استعدادها المئوي أن تحمي نفسها أولاً، ثم المتظاهرين من ذخائر الطرف الثالث؟!
قد تنجح الحكومة في احتواء الاحتجاجات أمنياً، ولكن عليها الاستعداد لدفع فاتورة سياسية باهظة الثمن، لن تجد لها مقابلاً في خزائن علي محمود أو من يأتي بعده!
نعم يا أستاذ ياسر يوسف، فلتكن دعوة للجميع لنبذ العنف، فالحكومة لن تستمر في الحكم بأدوات الردع الأمني، قد ينجح الأمر اليوم ولكن حتماً سيفشل غداً.
والمعارضة لن تصل إلى الحكم عبر البنادق والحرائق، وإذا وصلت عبر وسائل العنف ستُزال بها!
في حال استمرار التجاذب على هذا النحو، كل ما سيحدث أن السودان سيتمزق بين الاثنين، وأن الطفل المختلف على أمومته سيقسم بين الامرأتيْن دون أن تبكي عليه إحداهما!

اللهم لا نسألك رد القضاء ولكن نسألك اللطف فيه.
[/JUSTIFY]

العين الثالثة – ضياء الدين بلال
صحيفة السوداني