عادل الباز

ألغام لا تزال على الطريق


ألغام لا تزال على الطريق
بالأمس استطاع الرئيسان المشير عمر البشير والفريق سلفا كير ميارديت أن يهبا العلاقات بين السودانيْن دفعة قوية باتجاه المستقبل. الأجواء التي جرت فيها المُحادثات كانت في غاية الصفاء، التصريحات كانت إيجابية ومُبشرة لدرجة كبيرة. استطاع الرئيسان أن يبعثا برسائل اطمئنان لشعبي البلدين اللذين طالما انهكتهما دومة الصراعات التي لا تكاد تنتهي إلا لتبدأ من جديد. إعلان الرئيس البشير استمرار تدفق النفط بلا انقطاع وفتح الحدود للتجارة إضافةً لرغبة الجنوب في إغلاق فصل الخلافات بين البلدين كلها مؤشرات إيجابية في توقيت سليم، ولعل التغييرات السياسية التي جرت بالساحة الجنوبية كان لها بالغ الأثر في مجريات هذه الزيارة. لعل اللفتة البارعة التي أقدم عليها الرئيس سلفا كير بتحيته للعَلَم السوداني فيها من الإشارات الدالة ما أغنى عن كثير من التصريحات، فهي وحدها تكفي للإشارة لمدى رسوخ علاقات السودانيْن، ذات الأمر عبر عنه الرئيس البشير بأننا شعب واحد في دولتين.
رغبتنا في بناء علاقات راسخة بين شعبي البلدين يجب أن تدفعنا للمسارعة في نزع ما تبقى من ألغام مدفونة في ثنايا تفاصيل مملة لقضايا لطالما قتلت بحثاً ولكن ما زالت محلك سر. هنالك ثلاث قضايا عالقة بين الدولتين «الديون والحدود وأبيي». لو استطاع المفاوضون أن يتجاوزوا بنا هذه الألغام الثلاثة بإمكاننا التفاؤل بمستقبل زاهر لعلاقات البلدين.
قضية الديون ليست معقدة والحلول مطروحة أمام الدولتين وبالإمكان إيجاد مُعادلة اقتصادية إذا ما فشل جهد الدولتين في إقناع العالم بإلغائها. هنالك مقترح (الديون مقابل الأصول) وهي معادلة معقولة بإمكانها أن تمثل مخرجاً. فقسمة الأصول بين البلدين ستدخلهما في متاهات لا قبل للدولتين بها وستعيد الأزمة للمربع الأول. لا أعتقد أنّ هناك أملاً في استجابة العالم لإعفاء ديون السودان لأنها ببساطة تسيّست أكثر من اللازم، فعلى الرغم من أن السودان استحق إعفاء تلك الديون باستيفائه شروط «الهيبك» إلا أن الدائنين لا يزالون يرفضون إلغاء أية نسبة منها إلاّ بعد أن يُخضع السودان لشروطهم السياسية.
قضية الحدود هي الآن أسهل القضايا العالقة وتنحصر في مناطق معينة، والنزاع الحقيقي الآن في منطقتي «كفيا كنجي وسماحة»، أما بقية المناطق الخمس فالخرائط تكاد تحسمها لو لا لجاجة السياسيين وتغيّب الإخوة الجنوبيين عن اجتماعات لجان الحدود أملاً في المساومة بها في مناطق أخـرى.
أخطر لغم يُواجه البلدين هو لغم أبيي الذي يكاد ينفجر بعد نحو شهر في وجهنا جميعاً. إذا أصر الجنوبيون على الاستفتاء بالصيغة المطروحة الآن والتي جاءت ضمن مقترحات الإتحاد الأفريقي، فإنهم يجازفون بما أنجز في هذه الزيارة الأخيرة للرئيس سلفا كير. لن تستقيم علاقات البلدين إذا ما حاول طرف لي ذراع الآخر وإحراجه أمام شعبه أو جره لنزاع مسلح. بدا واضحاً من تصريحات الرئيس سلفا كير أمس الأول أنهم لا يزالون مُتمسكين بما جاء في محكمة لاهاي بحسب تفسيرهم ومُصرين على إنفاذ توصيات لجنة السلم والأمن التابعة للإتحاد الأفريقي التي حصرت التصويت في دينكا نقوك والمسيرية المقيمين في المنطقة أغلب أيام العام مما يعني عملياً أن أبيي ستذهب جنوباً.
دولة الجنوب تصر على قيام الاستفتاء، وقيامه يعني أنّ حرباً حدودية ستشتعل فوراً على طول الحدود والله وحده يعلم متى وكيف ستنتهي. نزع هذا اللغم باكراً أفضل من الانتظار حتى تقع الكارثة. مطلوب جهود متسارعة من قبل الشركاء الإقليميين في الإتحاد الأفريقي وغيره. مطلوبٌ من دولتي السودان أن تكونا أكثر حكمةً ومقدرةً على طيْ ملف هذا الخلاف بالصبر وإن طال الأمد، فذلك أفضل من حرب لن يكسبها أحدٌ ولو امتد لنصف قرن وستأكل ما تبقى من مواردهما الناضبة أصلاً.

الكاتب : عادل الباز
صحيفة الرأي العام
[EMAIL]elbaaz40@gmail.com[/EMAIL]