تحقيقات وتقارير

الموقع الإلكتروني السوداني.. وجه القراءة الجديد


مثّل غياب المجلات الأدبية المتخصصة في السودان واقعاً بات من مسلّمات المشهد الثقافي. إذ لم يُكتب لأيٍّ من هذه المجلات العمر الطويل والاستقرار اللازم لتصبح مركزاً ثقافياً تلتقي عنده التيارات الأدبية السودانية، مثلما حدث في دول أخرى، ما جعل الملفات الثقافية في الصحف اليومية تحمل عبء هذا الغياب منذ السبعينيات، قبل أن يبدأ ضمورها ضمن تغيرات الواقع السوداني بعد التاسع من تموز/ يوليو 2011، فاختفت من صحف كثيرة، وأضحى أثر ما تبقى منها باهتاً في ظل تغيّر معادلات العمل الصحفي التي غيبت الثقافي لصالح أسواق أخرى.

وفي ما يشبه نقلةً للفعل الثقافي إلى مرحلة جديدة، في ظل هذا الواقع؛ بدأت المجلات والمواقع والصفحات المختصة بالنشر الأدبي على الإنترنت تجذب المزيد من المتابعين كل يوم، ليدخل عنصر جديد على المعادلة، مؤمِّناً حراكاً يستحق التأمل.

ثمة مشاكل مثلما هناك ميزات للمجلة الإلكترونية الثقافية المتخصصة. وحول هذه المسألة، يقول الشاعر الصادق الرضي، صاحب أول مجلة إلكترونية متخصصة في الأدب تصدر من الخرطوم (Sudanese ink)، في حديث مع “العربي الجديد”: “صحيح أن للمجلة الإلكترونية مآثر مثل اختراق الحدود، والقفز فوق تكاليف الشحن و”مكايدات” الرقابة في الحكومات المختلفة والمتعاقبة، إلا أن إحدى “مكائد” المجلات الإلكترونية المختلفة ـ على إشراقاتها ـ أنَّها تتوقف”.

رغم حرية المجلة الإلكترونية إلا أن قارئها لا بد أن يكون مرتبطاً بالتكنولوجيا وهو ما لا يتاح لكثيرين في بلد كالسودان

لكن الأمين العام لـ”اتحاد الكتاب السودانيين”، القاص والروائي عثمان شنقر، يركّز على جانب آخر فيشير إلى “محاذير يجب الانتباه إليها” في النشر الإلكتروني: “استقصاء طبيعة ومزاج القارئ الجديد كونه قارئاً عجولاً يحتاج إلى جواذب عدّة حتى يكمل قراءة النص المنشور. كما أن الكثير من محرّري ومشرفي المجلات الإلكترونية لا يفرّقون كثيراً بين طبيعتَي النشر الإلكتروني والورقي فينشرون النص بذات مواصفات النشر الورقي”.

ويلاحظ شنقر أن رغم زيادة عدد قرّاء المجلات الإلكترونية على المستوى الإقليمي، إلا أن هذا العدد ما يزال محدوداً في السودان. ويضيف: “قرّاء النصوص هم جمهور الكتّاب أنفسهم هنا، لذا لا بد من إيجاد صيغة لاستقطاب مزيد من القراء لهذه المواقع والمجلات الإلكترونية”.

محرّر مجلة البعيد الإلكترونية المتخصصة في الأدب، الشاعر حاتم الكناني، لا يبتعد كثيراً عما يقوله شنقر، ويلخص رؤيته لمشاكل وميزات المجلة الإلكترونية بقوله: “رغم تميّز المجلة الإلكترونية بحرية أكبر من الورقية، إلا أن قارئها لا بد أن يكون مرتبطاً بالتكنولوجيا والوسائط الحديثة، وهو ما لا يتاح لكثيرين في بلد فقير يعاني من الأمية على عدة مستويات، كالسودان”.

ويتفق الكناني أيضاً مع شنقر في أن قارئ المجلة الإلكترونية بحاجة إلى اكتشاف جديد كل يوم، الأمر الذي “يضع هيئة التحرير تحت الضغط لتلبية رغبة القارئ في فضاء مفتوح ذي خيارات متعددة”.

ويلفت الكناني إلى مشكلة أخرى تواجه النشر الإلكتروني، يلخّصها في “صعوبة نشر مواد ذات حجم كبير (5 آلاف كلمة أو أكثر) نظراً إلى طبيعة التلقي الذي يتم عن طريق الأجهزة المحمولة أو جهاز الكمبيوتر الشخصي”.

ورغم العثرات التي تواجه المجلة الإلكترونية الثقافية، يبدو شنقر منحازاً إليها مناصفةً مع النشر الورقي: “النشر الإلكتروني مهم وضروري، ويعبّر عن حاجة واقعية. لكن أعتقد أن الصيغة المناسبة للمجلة الإلكترونية هي أن تكون هناك مجلة ورقية ثقافية متميزة يصاحبها موقع إلكتروني يسهم في تفاعل الجمهور مع هذه النصوص”.

وفي نظرنا، يبدو أن ثمة مرحلة جديدة اليوم يرتقي إليها النشر الأدبي المتخصص في السودان، بعد الضيق الذي لازمه مؤخراً باختفاء معظم المنابر المتخصصة لأسباب عديدة. وهي مرحلة تتسم بقدرة حرّة على الانتشار والديمومة في الظروف المواتية، لتعبّر عن أجيال بات ارتباطها بجهاز الهاتف المحمول أكبر من تحسُّس الورق.

الخرطوم – محفوظ بشرى-العربي الجديد