عبد اللطيف البوني

قراءة شيشنة (3 – 3 )


[JUSTIFY]
قراءة شيشنة (3 – 3 )

توقفنا في الحلقتين السابقتين عند موقف زعماء الأحزاب الترابي والصادق والميرغني من هبة سبتمبر وقلنا إنها كلها صبت في تهدئة الأوضاع وعدم تطوير الهبة إلى انتفاضة أو ثورة، ثم تناولنا الموقف الخارجي.. دول الجوار والإقليم و(الجماعة ) الدولية وهي الأخرى كانت محايدة وصبت في عدم التصعيد فالوقت القصير الذي أخذته الهبة لم يكن يسمح لها أن تبلور موقفاً مع أو ضد.
في هذه الحلقة الثالثة نحاول الدخول في الغريق وهو موقف الشعب السوداني الفضل أي ذلك الذي لم يتظاهر ولم يقبل بالقرارات الأخيرة.. فما هو معلوم بالضرورة أن أي شعب في الدنيا لايقبل زيادة الأسعار وزيادة الضرائب والذي منه، والشعب السوداني بالتحديد كان قد خرج للشارع وبأعداد مهولة رافضاً لزيادات أقل من تلك التي أعلنت في سبتمبر الأخير بكثير هذا إضافة لأن الزيادات الأخيرة جاءت في غمرة أزمة اقتصادية خانقة أسهمت فيها الحكومة القائمة إسهاماً كبيراً وبالطبع لايمكن أن نتجاهل البعد الخارجي للازمة.
المظاهرات العفوية الفورية التي أعقبت تطبيق الأسعار الجديدة كانت أمراً مفروغاً منه ولكن الجديد هو القتل والتخريب والحرق والاعتداء على الممتلكات الخاصة والعامة. فحرائق محطات البنزين وحرق بصات الوالي والصرافات الآلية ومكاتب الشرطة جعل هذه الهبة السبتمبرية لا سابقة لها في السودان من حيث الموت والحريق. لقد بدات هذه الهبة كما نقول بالقلبة أي معكوسة فالموت والحرق كان ينبغي إذا حدث أن يكون في الآخر وليس في البداية. وفي تقديري أن هذا أثر تأثيراً مباشراً على تطور العملية التظاهرية، أما كيف ولماذا حدث ماحدث من موت وحريق فهو قضية أخرى ولكنها مهمة جداً.
ماذكرناه أعلاه سبب خاص متعلق بظرف أحداث سبتمبر ولكن هناك من يقول إن انعدام البديل والخوف من الفوضى الشاملة لانتشار السلاح في وسط البلاد وفي أطرافها خاصة جنوبها الجديد واليأس والإحباط والركون للمعارضة البديلة من أسافير وقنوات فضائية زهد الناس في التظاهر وتطوراته غير المحسوبة ومن المؤكد أن في هذا شيء من الحقيقة ولكنه بأي حال من الأحوال ليس كل الحقيقة ولكن الأمر المؤكد في تقديرنا أن الشعب رافض للزيادات الأخيرة ولكل السياسات الاقتصادية التي اتبعتها وتتبعها الحكومة ولايرى أملاً في الإصلاح مالم تبدأ الحكومة بإصلاح سياسي ثم إصلاح اقتصادي شامل وليس زيادة الأسعار وحدها.
فشل التظاهر، وقد يفشل العصيان المدني أو حتى الاعتصامات، ولكن هذا لايعني أنه ليست هناك وسائل أخرى لمقاومة الحكومة، فالسياسة مثل الطبيعة لا تعرف الفراغ فهناك خيارت أخرى سوف تزحف وقد تؤدي إلى نتائج أكثر من كارثية فعلى الحكومة أن تقرأ ما حدث قراءة واعية عليها أن تدرك تهتك النسيج الاجتماعي في تصاعد مستمر ويكفي أن نقول هنا إن هذه الهبة السبتمبرية رغم أن سببها اقتصادي بحت فطبيعي أن تأخذ بعداً سياسياً إلا أنها ألحقت بأحداث مقتل في أغسطس 2005 وأحداث غزوة خليل في أكتوبر 2008 وهذا الإلحاق إذا ما تطور فعلى السودان السلام.

[/JUSTIFY]

حاطب ليل – أ.د.عبد اللطيف البوني
صحيفة السوداني
[email]aalbony@yahoo.com[/email]