منى سلمان

أباء مودرن .. نانسي عجاج يا بابا !!


[JUSTIFY]
أباء مودرن
نانسي عجاج يا بابا !!

قبل حوالي العامين .. كنت واسرتي الصغيرة حضورا لفعالية ثقافية في قاعة الشارقة، زينتها الراقية الرايقة نانسي عجاج بصوتها الدافئ، عندما قاطع أحد العيال استمخاخي بطلب البحث عن حمام .. خرجت معه من القاعة وجلست على مقاعد الاستقبال انتظره، عندما غادرت القاعة خلفنا احدى طالبات الجامعة ممن جاء بهن زمان محاضراتهن عابرات طريق، فطاب لهن المقام وشجو الالحان .. كانت الشابة قد خرجت هربا من ضجيج القاعة لتستقبل محادثة هاتفية .. لم اهتم بها وتشاغلت بمطبوعات وجدتها على الطاولة لتجنب الاستماع لحديثها، ولكنها يبدو ان الانفعال منعها من الالتفات لخصوصيتها فقد كانت تتحدث بصوت عالي قائلة:
بابا !! أصلو ما حا تصدق أنا وين .. قلتا لازم ارن ليك عشان اغيظك !!
واصلت الشابة في اندياحها وهي تضحك وتغيظ والدها وتطلب منه أن (ينقر) اين هي وماذا تفعل، ثم بعد الكثير من الشلهتة والتشويق صرخت عليه بطريقة مصطفى الآغا مع رابح المليون:
نانسي عجاااااج يا بابا .. صدّق حفلة بي نانسي عجاج .. جينا بي قاعة الشارقة لقيناها بتغني دخلنا طوالي ..
ظلت الصبية على مكاواتها لأبيها التي فهمت من خلالها ان الرجل قد شغفته بنت عجاج حبا، يبدو انه لم يبزل جهدا في اخفائه على اهل بيته، مما دفع بابنته للاتصال به لمكاواته بتمكنها دونا عنه من حضور حفل لمعشوقته ..
غادرت القاعة بعد عودة صغيري وتركت خلفي الشابة تواصل محادثة عفوية تلقائية مرفوعة الكلفة مع والد (اسبور)، يبدو انه لا يضع حدودا ولا مساحات لمهابة او خوف أو كلفة بروتكولية لتعامله مع ابنته ..
(قديما) كانت كل فتاة بأبيها معجبة لأنه فارسها المغوار الذي لا ترى له ندا بين الرجال .. لم يكن الأمر يتوقف عند الإعجاب فقط بل في اتخاذها له قدوة ومنارة تستهدى بها في ظلمات الطريق ، و(ما زال) رغم التغيرات الدرامية في شكل ونمط معيشة الاسرة السودانية، ما يدل على إن وراء كل فتاة ناجحة صحيحة ومعافاة من العقد، أب واعي ومدرك للطريقة المثلى لتربية والبنات، فقد أثبتت التجارب الحياتية أن علاقة الأب بابنته هي مؤشر على مستقبل تلك البنت و نجاحها في حياتها وعملها، فالعلاقة الجيدة المشمولة بحسن التواصل والتفاهم تعني النجاح، أما العلاقة السطحية المبنية على الأوامر والنواهي فإنها تعني الفشل.
حسنا يا جماعة، مع اعترافنا بأن والد صبية قاعة الشارقة قد (كتر المحلبية) ولكن فالنقر برأي علماء التربية الحديثة الذين ينادون بضرورة رفع الحواجز بين الاب وبناته، ومحاولة فتح قنوات للتواصل والحوار بشفافية وصراحة، تمكن الاب من التدخل في الوقت المناسب اذا رأى منهن اعوجاجا يحتاج للاصلاح، وذلك لأن تأثير الأب على ابنته يعد أمراً طبيعياً، ويظهر حسب طبيعة معاملة الأب لابنته منذ صغرها، فان حرص على رعايتها وتدليلها دون اسراف واظاهر محبته وخوفه الشديد عليها وهي طفلة، كانت نتيجة ذلك ان تتخذه صديقا وداعما لها في فترة المراهقة الحرجة، وهو ما يجعلها تلجأ له دائما لما يمثله الاب من رمز للرجولة والحماية، ليس هذا فحسب بل ستسعى إلى إرضائه ورد الجميل له عن طريق انضباطها ومحاولتها النجاح في كل أمور حياتها.
بالمقابل، غياب الأب عن الأسرة وعدم وجوده الدائم بجانب ابنته منذ مرحلة الطفولة، له آثاره السلبية التي تظهر على شخصية الطفلة في سنواتها الدراسية وعلى حياتها الاجتماعية في ما بعد، فغياب الأب من حياة الفتاة ينعكس أيضا سلبا على تعاملها عاطفيا مع الجنس الآخر، لانها تبحث لا شعوريا عن بديل يشعرها بالأمان معه، وقد تتعلق به بصورة غير طبيعية، محاولة بذلك التعويض عن صورة الأب المفقودة، والاخطر من ذلك أنها قد تقبل بالدخول في علاقة زوجية غير متكافئة عمريا تسيء إليها وإلى شخصيتها في المستقبل.
عموما، ضعف شخصية الفتاة وفشلها في التعامل مع الرجال في محيطها، غالبا ما يكون نتيجة معاناتها غياب الأب فعليا (جسديا)، أو غيابه (نفسيا) بغياب دوره الفاعل في حياتها منذ صغرها، لأن الأم مهما بذلت من جهد لن تعوض مكانة الأب ودوره الطبيعي.
مخرج:
ربما من اجل ان ذلك كذلك يحتاج الاباء في الزمن العلينا لـ (خارطة طريق) تقيهم الوقوع في شر رفع الكلفة المخل مع الابناء، بما يذهب هيبتهم ويمنعهم من اداء دور الوصي، كما تمنعهم من الانجرار وراء الجفوة والتباعد والانشغال عن متابعة الابناء بصورة تنتج لنا أجيال تحير الما بتحير ..
[/JUSTIFY]

منى سلمان
[email]munasalman2@yahoo.com[/email]


تعليق واحد