جعفر عباس

ماما .. أنت أهم عندي من النقود


[ALIGN=CENTER]ماما .. أنت أهم عندي من النقود [/ALIGN] عادت الأم من عملها منهكة، ودخلت البيت والدخان يتقاذف من فتحتي أنفها – كما الثيران الهائجة في أفلام الكرتون – وكانت قرفانة بسبب الضغوط التي تعرضت لها في مكان العمل، ثم المعاناة من بطء حركة المرور.. ولأنها كانت تدرك ان عليها فور عودتها الى البيت التوجه الى المطبخ لإعداد وجبة طعام لأفراد عائلتها، وجمع الملابس المتسخة ووضعها في الغسالة.. كانت مدركة ان تلك المهام ستستغرق منها نحو اربع ساعات إضافية تكون بعدها في حالة من الإرهاق لا تسمح لها بأكثر من دوش دافئ، والانحشار تحت الأغطية (هذا ما لم تأت مكالمة تفيد بأن خالتي قماشة نقلت مجددا الى المستشفى، أو أن حمودي ابن أخيها عبودي كسرت يده وهو يلعب الكرة فتضطر الى الخروج مجددا)
فور دخولها البيت وجدت ابنها ذي الست سنوات يبتسم في وجهها ويقول: ماما ممكن اسألك سؤال؟ قالت له بكل ضيق: تفضل.. فجاءها السؤال: كم يساوي راتبك في اليوم الواحد؟ هنا اندفع الدخان من فمها وخياشيمها وأذنيها وانتفخت أوداجها: مالك انت وراتبي يا حشري يا طفيلي يا قليل الحياء يا عديم الأدب.. ناقصك شيء؟ تريد علاوة؟ أم أنك ستصدر قرارا بزيادة راتبي.. غور وفز من قدام وجهي قبل أن أوجه إليك حذاء ماركة جورج بوش.. فهرول الصبي مذعورا الى غرفته، وألقت الأم بثقلها على كرسي وهي تغلي وتمور من الغضب والغيظ، وتهمهم بكلمات هادرة… وبعد قليل عاتبت نفسها: ما ذنب ولدي هذا حتى انفجر في وجهه غاضبة؟ ماذا يعرف هو عن الرواتب وكلفة المعيشة؟ لماذا لم أجب عن سؤاله بشكل او بآخر وهو على كل حال لا يعرف مغزى أو معنى ان يكون راتبي في اليوم الواحد خمسون ريالا أو خمسمائة دولار؟ أنبها ضميرها فتوجهت الى غرفته وجلست جواره واضعة يدا حانية على رأسه (يستخدم عيالي سلاح المسح على شعر رأسي بأكفهم عندما يريدون طلب شيء احتمال رفضي له كبير، لأنهم يعرفون أنني “أموت” في مسح الشعر، وكثيرا ما أستأجر أحد عيالي ليفرك شعري وفروة رأسي كي أنام).. اعتذرت الأم لولدها عن نوبة الغضب والهيجان التي انتابتها بسبب سؤاله عن راتبها ثم أضافت: راتبي اليومي يعادل 300 ريال.. هه ارتحت؟.. مبسوط؟ وفاجأها قول الصبي: ممكن تعطيني نصف ذلك المبلغ؟ ولأنها كانت تحس بالذنب فقد فتحت حقيبة يدها ومدت اليه 150 ريالا.. هنا أخرج الصبي من كيس المخدة أوراقا مالية مكرمشة، وبنظرة سريعة اكتشفت الأم ان لديه أكثر من 150 ريالا فسألته: لماذا طلبت مني نصف راتبي اليومي وأنت تملك ما هو أكثر منه.. تجاهل الولد كلامها وطفق يعد النقود ثم مد يده الى أمه قائلا: هذه 300 ريال أي راتب يوم كامل.. خذيها وتغيبي عن العمل غدا لتقضيه معي.
في معظم بيوتنا عيال على استعداد لبيع ملابسهم ولعبهم البلاستيكية والالكترونية الأثيرة لضمان ان نخصص لهم نحن الأمهات والآباء جانبا من وقتنا نلاعبهم ونتآنس معهم، بينما نحسب أنفسنا أمهات وآباء نموذجيين لأننا نعمل كما الثيران لتوفير اللعب والملابس لهم… ونعود الى بيوتنا منهكين ونفاجأ بأن عيالنا يطلبون منا الجلوس أو الخروج معهم!! عيال ما عندهم “إحساس”!

زاوية غائمة
jafabbas19@gmail.com


تعليق واحد

  1. الخميرة في هذه القصة أكثر بكثير من كمية الدقيق الذي صنعت منه

    ((( يجب لا نترك العيال لوحدهم دون ان نلتفت لحاجتهم بشكل مستمر للتواصل معهم )))

    :crazy: 😡 😡 :crazy:

  2. فعلاً يا استاذ/ جعفر ابو الجعافر كما يحلو لناأطفال ماعندهم احساس والصورة مقلوبة ومبرئة كبراءة الذئب من دم يوسف – تعرف في اطفال بنتظروا الجمعة عشان اقعدوا مع ابوهم او امهم ويتفاجاوا حتى في الجمعة المنتظرنها الاب او الام مشغولين عنهم بي امور اخرى – يا أريت لو نخصص ليهم وقت ونلاعبهم كل يوم ياحزني على الاطفال في زمن الجري واللهث – واقولوا ليك الجري ده ما حقي – هو الجرى ده قايلنوا ماريثون ده زاتوا ما جري ;(

  3. سلام بقيمة راتب يومين لأبو الجعافر الموقر

    نبشت جرح يا ابوالجعافر كل الاباء والامهات عارفين كده بس دافنين دقن ومره انا في شوارع الرياض (السعودية) صبي سب زميلي بألفاظ نابية وقبيحة فما كان زميلي ان قال له امشي ما تربية خدامات. والموضوع يحتاج لدراسة عميقة لانه تربوي في المقام الاول
    . لك خالص ودي

  4. باشمهندس أشرف عثمان . مدينة الابيض . حي الرديف واللة ده الحاصل بالضبط فى السنين الاخيره دى . أزكر قبل خمسة سنة كنت فى زياره لاحدى قريباتى فى الخرطوم وهى يعنى حديثة الولادة زى ستة شهور كدة وانا طالع من المنزل بعد الساعة اثنين قابلتها راجعهابدون ابنها قلت ليها الولد وين قالت لى أنا اصلو بملا ليه البزازه لبن وبخليه مع الشغالة .عليك اللة دى ما تربية الشغالة زاتها . سبحان اللة ( وفصاله في عامين ) .

  5. لك التحيه والتجل الاستاذ جعفر عباس وانت دوما تناقش مواضيع في قمه الموضوعيه
    و التحيه ايضا لامهاتنا واخواتنا العاملات ايضا التحية لبائعات الشاي والكسرة ال
    شريفات ولا توجد تحية لبائعات المريسة والخمور وغير الشريفات
    ود بت شومين

  6. سلام خاص للرائع ابو الجعافر او جعفرونا كما يحلو للبعض دائما نترقب كتاباتكم الرائعة والتى تمس حياتنا تماما واحيك قصة صديق كنت فى زيارته يوما ما فى المساء انا وهو فى الصالون وذكر لى بحضوره للمنزل الان ويفاجأنا طفله بالحضور يحمل نتيجة الامتحان بالمدرسة وكنت النتيجة متفوق اذا انه كان ثالث فصله فى الترتيب فهنأناه وطلب من والده هديته ووعده فى اليوم الثانى لكن ما تفاجأت به سؤال الاب لأبنه قلت لى حا ينقلوك من سنة كم لى سنة كم سرى فى جسدى ماس كهربائى قوى معقول الاب ما عارف ولدوا فى اى مرحلة سبحان الله يعنى ما الام بس كمان الاب لازم يخصص وقت لأبنائه ليوثق علاقته بهم ويعرف منهم ويعرفوا منه ولا ايه

  7. السلام عليكم يااستاذ جعفر
    انا بس عايز اقول حاجة
    اولا ياستاذ كتاباتك كلها جميلة
    تاني حاجة في واحد اسمو ابو عبدالله ماعندو شغلة غير النقد وما عجباو
    اي مقالة حتي المقال البيمس حياة الناس يكتب فوقو خميرتوكتيرة ودقيقو
    بسيط ليه هو كاتب ولابتاع فرن ولانت انت مطبق المثل الي بقول خالف تذكر
    غايتو غير الفلسفة ماعندكم لبعض الناس منتظرين كتاباتك الحلوة يا ابوعبدالله
    علشان نعلقا في جريدة الحيطة بتاعتنا