منى سلمان

لسه ما وصلنا ؟


[ALIGN=CENTER]لسه ما وصلنا ؟ !![/ALIGN] وردتني رسالة مؤثرة من الأخ (سامي الفكي) عن موقف مؤلم كان قد عايشه عن قرب، تأثرت بشدة لما أثارته الرسالة فيّ من جملة خواطر وذكريات .. يحكي الأخ (سامي):
الاخت (مني سلمان) ان ما دفعني للكتابة اليك هو ثقتي في شخصك الكريم ومداومتي على قراءة عامودك، لقد استفزني موقف قدرت أن أحكيه للناس عبرك خوفا من ان يقع نفس الموقف على آخرين ..
أختي، ان موقفي هذا يتمثل في انني سائق امجاد اتردد كثير علي ذلك المرفق الحكومي الذي يسمي بالمستشفي .. وان كنت اشك في ان يستشفي فيها أحد ! المهم وبينما انا اقف انتظر ما قسمه لي ربي من رزق، فاذا بـ نساء يخرجن من المستشفى وهن يولولن في حزن علي فقدهن لـ عزيزة لهن .. كان الجثمان يعبر أمامي في نقالة وحولها أؤلئك النسوة المكلومات والنقالة تعبر الشارع من باب الحوادث وحتي المشرحة.
هل لك أختي أن تتخيلي هذا؟ كان جثمان الفتاة ممدد على النقالة مكشوفا .. ليس عليها غير ملابسها ووجهها الصبوح المسجي يستنكر ما يفعلونه بها وهي بلا حول ولا قوة، اذ يقطع جثمانها كل هذه المسافه ويكون مستباح لعيون كل من يعبر وكل من يبيع وكل من يشتري .. اني اسأل اين حرمة الميت؟ ولماذا يكون الامر هكذا؟ ولماذا لا تتكرم ادارة المستشفي بأن تتكفل الاسعاف بنقل الجثمان الي المشرحة أو تفتح طريق داخلي في المستشفي يؤدي للمشرحة ؟ وذاك أضعف الايمان..
هذا هو الموقف الذي أثار في نفسي الغضب فقررت الكتابة إليك وارجو نشره لترتاح نفسي واسأل الله للفقيدة الرحمة والمغفرة.
0 أفردت لرسالة الأخ (سامي) مساحة خارج بريد الجمعة، أحتراما لقيمة عظيمة ما زال مجتمعنا السوداني بخير طالما يعض عليها بالنواجذ، الا وهي أحترام الموت وحرمة الميت التي تدفع الغريب قبل القريب للاندفاع والتقدم دون تردد لستر الميت واكرامه بتجهيزه ثم تشيعه ودفنه .. ورغم يقيني من صدق رواية الأخ (سامي) والتي تسببت له بالصدمة ودفعته لمشاركتها معنا، إلا أننا لا ندري ما هي ملابساتها والظروف التي أدت لهذا الموقف المؤلم وهو نقل جثمان مكشوفا عبر الطريق العام للمشرحة، ومع اتفاقي معه على أن من أوجب واجبات المستشفى أن تكرم مييتيها وأن لم تكرمهم أحياء، وذلك بالحد الأدنى وهو توفير غطاء لستر الميت، ولو كان مقابل أن يدفع أهل الميت أمنية مستردة لضمان اعادته!
ولكني أضع اللوم أولا على النسوة المرافقات لجثمان المرحومة، فرغم عظم المصاب والفجيعة فقد عرف عن المرأءة السودانية الثبات ساعة المصيبة، ثم الجزع لاحقا بعد ستر الحال والقيام بالواجب، ولكم تابعت شخصيا مواقف شجاعة وقوية لنساء وقت الشدة فاقن فيها ثبات الرجال، ولقد شاهدنا غير مرة في حوادث الطرق التي تحدث فيها وفيات أن بعض النسوة يتخلين عن ثيابهن لستر الميت بها، ان قصرت عن ذلك العمم والشالات فوق أكتاف الرجال.
أما عن تكاتف مجتمعنا وتعاضده الأصيل في مواجهة فجيعة الموت والتخفيف عن أهل المصاب، أحكي قصة ذكّرتني بها رسالة الأخ (سامي) كنت قد عايشتها إبان وجودي في المستشفى بصحبة المرحوم والدي في أيام مرضه الذي توفاه الله به، فقد كان يرقد بالغرفة المجاورة لنا مريض من أحدى قرى الجزيرة وكانت ترافقه زوجته وصبي صغير لم يبلغ الحلم .. تدهورت حالة المريض في احدى الليالي وأسلم الروح بعد منتصف الليل .. لم تجزع الأرملة الوحيدة في ذلك الليل وهي بعيدة عن أهلها وعزوتها بل ثبتت وصبرت، كما لم تقصر شهامة بقية مرافقي المرضى في اعانتها .. فقد تسابق الشباب منهم لاستئجار عربة بوكس وتعاونوا جميعا على حمل الجثمان إليها .. ولم يكتفوا بذلك فقط بل رافقوها إلى قريتها البعيدة وحضروا تشيع الجثمان ثم عادوا للمستشفي في اليوم الثاني ..
هكذا نحن وما زلنا كذلك ولسه الدنيا بي خيرا أخي (سامي) رغم الموقف الذي شهدته، ولنخفف عنك وعنا بموقف طريف قريب من ما حكينا عنه ..
كان (عبد الله) يسير في أحد شوارع مدينة صغيرة من مدن البطانة، كان قد اتي لزيارها لبعض شأنه، إذ به يرى على جانب الطريق مجموعة قليلة من الرجال تحمل (عنقريب) به جثمان مغطى .. اندفع صاحبنا بـ (الفينا مشهودة) دون تردد نحو الجمع وهو يتحوقل ويسترجع، وبحث ليديه عن موضع يساهم به في حمل الجثمان، ولكن ما أن سار معهم بضعة خطوات حتى رفع المحمول على الاعناق رأسه وكشف الغطاء عن وجهه وقال:
لسه ما وصلنا ؟!!
تعثر (عبد الله) وكاد يسقط من هول الصدمة وأسرع بالابتعاد عن (البعاتي) ورفاقه، الذي اتضح له لاحقا أنه (مريض) كان أهله – لـ رقة الحال وعدم وجود سيارة – يحملونه للمستشفى القريب بالعنقريب وكان يغطى وجهه هربا من أشعة الشمس !!

لطائف – صحيفة حكايات
munasalman2@yahoo.com


تعليق واحد

  1. أحييك من الدوحة بتحية الإسلام الخالدة فسلام الله عليك ورحمة الله وبركاته وأسأل الله تعالى أن يطيل عمرك في طاعته ويجعلك نبراساً يضيء معالم الطريق لزوجك وأطفالك .. فقد أصبحت المتكأ الذي نجد فيه راحتنا .. والبلسم الشافي الذي يعيننا على آلام الغربة .. نرى فيك الزوجة والأخت والإبنة والأسرة الامنة والمطمئنة – كم رأيت فيك إبنتي الطبيبة والداعية والحافظة لكتاب الله ( أم لجين )

    أتلهف لكل موضوع يخطه بنانك الطاهر الذي يحمل القديم والجديد والأصالة التي قلما نجدها في كتاب اليوم 00

    فلا تبخلي بدررك علينا إذ نحن في بلاد المهجر نعاني من بعدنا عن أهلنا وعن وطنناالكثير … مع اعتذاري الشديد لعدم التعليق على موضوعك ولكن السكوت في موضع البيان بيان .. وجزاك الله خيراً

    ولك كل الشكر –

  2. اطال الله اعماركم ورحم موتانا ، وشعبنا مشهود ليه دون كثير من شعوب العالم والمسلمين بتقديره الفائق للموتى من لحظة الوفاة ومايتبعها حتى لحظات الدفن وكم كم سمعنا فى دول الاغتراب عما يقال عن السودانيين تقديرا ومدحا فى وقفتهم عند حدوث وفاة ولمة القريب والغريب تزاحما فى ستر المتوفى من غسل وحمل وصلاة ودفن وعزاء ،، ونحسب ان الحال كذلك فى السودان ونامل ان يكون ماشاهده ( سامى ) حالة نادره وبظروفها وكما الموت حق فللمتوفى حق الستر ،،،، وربنا يحسن خاتمتنا جميعا برضاه وستره ،،، ودمتى

  3. ان الانسان قيمة عظيمة اوجدها الله على الارض وهوخليفة الله فى الارض ولابد من تكريمه حيا او ميتا لان هذه الاشياء تمس الانسانية جمعاء كل مافى الطبيعة جميل وثمين وشريف ولكن اثمنه على الاطلاق هو الانسان انا لا الوم النساء لان التجربة لهم قد تكون جديده والانسان عندما يفقد عزيز لا يستطيع ان يسيطر على اعصابه ولكن اللوم يقع على المستشفى خاصة وان الانسان لديه وهو مريض .. الانسان فى العالم الثالث يفقد قيمت بطريقة واضحة حيا او ميتا وخاصة نحن مجتمع مسلم لابد من رفع قيمة الانسان لان الانسان عندما لا يكرم وهو حى فى هذه الدنيا من ابسط قواعد تكريمه وهو ميت مفارق هذه الفانية التى لم يجد فيها اى نوع من التقدير والاحترام لكن فاقد الشىء لا يعطيه الانسان يحس انه لا قيمة له فى هذه الدنيا ما دام اخوه الانسان يهان لان الشعور بالاخريين هو الاحساس الانبل … ان يصبح الانسا ن مجرد رقم لا يعنى شيئا وهذا يدل على ان هذه الدنيا لا معنى لها فى حالة تدهور قيمة الانسان لان لا احد يضمن البقاء … ولو عرفنا ذلك لتاصل فى داخلنا معنى الانسانية لان هذا المعنى يعنى التجرد فى كل لحظة لخدمة الاخر ما دام المصير مشترك انا فى الغربة لاحظت ذلك وان الوقوف مع الانسان امر ضرورى اتمنى ان تتجذر تلك العادات النبيله فى داخلنا قبل ان يفوت الاوان وحتى الطبيب اولا يجب ان يكون انسانيا ثم الطاقم الاخر فى المستشفى وبالتالى يحس المريض لحظة دخوله وحتى خروجه واهله ايضا اتمنى ان يكون ذلك ليس الهدف المادى الذى هو لا يحمل اى معنى انسانيا

  4. الاخت منى جزاك الله كل خير وهذه قمت المصداقية فى طرح كتابة الاخ الراوى على لسانه لاكن كان الاجد بالاخ ستر الجنازة وخطاءها بدل الكتابة فى هذا الموقف الانسان وخصوصا ذكر ان كل المرافقين كانوا نسوه انا لااضع علية اللوم لاابرئ المستشفى من التقصير ولاكن كان بامكانه معالجة الموقف بستر الجثمان بقطعة قماش او تنبيه احد المرافقات حتي لو بالتخلى عن ثوبها السودانى الوافر وتكون مثلها مثل كثير من بنات الشارع اعنى موضة بالفستلن والطرحت او الاصح القطعة القماش التى توضع على الراس وتسمى الطرحت التى صار فى هذا الزمان عبارة عن شريط تسرح الشعر وليس ساترة لشعر .

  5. تسلمي يامني كل يوم الواحد يكون متلهف للمقالة والله وربنا يديك العافية