زهير السراج

شرطتهم وصحافتهم .. وبتاعتنا !!


[JUSTIFY]
شرطتهم وصحافتهم .. وبتاعتنا !!

* كان الزميل (بهرام) حاضرا فى ذهنى يوم الخميس الماضى وانا أرى مئات الصحفيين امام مبنى (سيتى هول) مقر حكومة مدينة تورنتو العاصمة التجارية لكندا واكبر المدن الكندية واكثرها سكانا، وهم يحاصرون عمدة المدينة (روب فورد) حصارا محكما للحصول على تعليق منه حول المؤتمر الصحفى الذى عقده صبيحة نفس اليوم رئيس شرطة المدينة (بيل بلير) وقال فيه انهم عثروا على التسجيل المصور للعمدة وهو يدخن الكوكايين الخام (وهو احد اشكال الكوكايين الذى يمكن تدخينه واكثرها تسبيبا للادمان) مع اربعة آخرين بأحد المنازل فى المدينة.

* وقف فورد امام الصحفيين وهم يلقون عليه الاسئلة (على طريقة بهرام) بل اكثر جرأة منها، وسألته احدى الصحفيات سؤالا مشابها لسؤال بهرام لوزير الاعلام السودانى مع اختلاف الموضوع ( لماذا ظل العمدة يكذب وينفى الواقعة ويدحض وجود شريط مصور له وهو يدخن الكوكايين الخام) .. ؟!

* لم ينهر العمدة الصحفية ولم يقل لها تأدبى (كما فعل وزير الاعلام مع بهرام) وكل ما قاله ردا عليها لا تعليق لاننى لم ار التسجيل ثم دخل الى المبنى تطارده عبارات السخرية والاستهزاء من الصحفيين بدون ان يعترضهم احد، ولو حدث هذا فى السودان لعُلق الصحفيون على المشانق ..!!

* قصة العمدة (روب فورد) بدأت فى مايو الماضى عندما نشر احد المواقع الالكترونية الامريكية (Gawker) الذى يُعنى بنشر الاسرار والفضائح ويتخذ من عبارة (نميمة اليوم، خبر الغد) شعارا له قصة قصيرة عن احاديث تدور فى بعض الاروقة عن وجود تسجيل مصور للعمدة وهو يدخن الكوكايين الخام مع بعض الاشخاص فى منزل احد اصدقائه، وتزامن ذلك مع نشر مماثل فى صحيفة (تورنتو استار)، احدى اكبر الصحف فى كندا والعالم، ونقلت منها صحف عديدة الخبر مع الاشارة للمصدر، الامر الذى نفاه العمدة و سخر منه، وهو شخص مثير للجدل بسبب سياسته المالية المتشددة تجاه الطبقة الوسطى والشرائح الضعيفة فى المجتمع التى يتبعها منذ فوزه قبل ثلاثة اعوام فى انتخابات العمودية باغلبية كبيرة ممثلا لحزب المحافظين اليمينى، بالاضافة الى مشاكساته الكثيرة مع الصحفيين وغروره الكبير مقارنة بمن سبقوه فى المنصب الذى يعتبر من المناصب المهمة جدا فى كندا وولاية انتاريو وينبع ذلك من الاهمية الكبرى لمدينة تورنتو.

* شرطة المدينة لم تلق القبض على رئيس تحرير (تورنتو استار) او رؤساء تحرير الصحف التى نقلت الخبرــ ( ولا تستطيع) ــ ولم تحاول التستر او الدفاع عن رئيسها العمدة ولم تعلق، ولكنها وفى صمت شديد فتحت تحقيقا حول الموضوع وسعت سعيا جادا للعثور على التسجيل المصور خاصة ان صديقا لفورد له صلة ببعض مروجى المخدرات رُصد (باذن قضائى) وهو يتحدث ويهدد عبر الهاتف لاستعادة الفيديو من احد تجار المخدرات الذى كان يحاول بيعه والتربح منه، ووضعت الشرطة كل تحركات ومحادثات العمدة تحت رقابة قانونية لصيقة وظلت تبحث وتحقق فى صمت الى ان داهمت منزلا يدار لبيع المخدرات وعثرت على جهاز كمبيوتر وبفحصه ومعالجته استعادت التسجيل الذى جرت إزالته من الذاكرة، فخرج رئيس الشرطة على الفور معلنا فى مؤتمر صحفى عن عثور الشرطة عليه بدون ان يحاول التستر على رئيسه، بل علق قائلا انه كمواطن قد اصيب بخيبة امل عندما شاهد التسجيل، وهو يعرف ان الاعلان عن هذا الامر سيكون مؤلما على المواطنين ومشينا لسمعة المدينة، ولكن لا بد للجميع ان يعرفوا ماذا يحدث فى مدينتهم، والا فاننا لا نستحق شغل الوظائف التى نأخذ عليها مرتباتنا من المال العام .. ثم اوضح ان بعض التهم قد وُجهت لصديق فورد وان التحقيق لا يزال مستمرا ..!!

* هذا التحقيق والعمل المميز بدأته الصحافة وواصلته الشرطة ( وكان يمكنها الا تفعل فلم يطلب منها احد ذلك) وسينتقل فى اخر الامر الى القضاء ليقول كلمته العادلة فيه، وذلك بدون ان يتعرض صحفى او شرطى او محقق الى التأنيب او التوبيخ او النعت بقلة الادب او التهديد او التدخل فى عمله او الايقاف او الطرد او الضرب او الاعتقال أو .. او .. رغم اهمية المنصب الرفيع الذى يشغله الشخص موضوع التحقيق ..!!

* ترى لو حدث هذا فى الخرطوم، ماذا كان سيحدث للصحفى الذى نشر الخبر او الشرطى الذى اهتم به وسعى للتثبت منه وكشفه للرأى العام ؟!
[/JUSTIFY]

مناظير – زهير السراج
[email]drzoheirali@yahoo.com[/email]