الصادق الرزيقي

قــــبــل التعـــديـــل الـــــوزاري


[JUSTIFY]
قــــبــل التعـــديـــل الـــــوزاري

لا جديد في الساحة السياسية هذه الأيام سوى التعديلات الوزارية المرتقبة التي تحدَّث عنها النائب الأول لرئيس الجمهورية لقناة الجزيرة مؤكدًا حدوثها بعد أسبوعين من موعد تسجيل حديثه للقناة، مما يعني أن الوقت بدأ ينحسر شيئاً فشيئًا، واقتربت ساعتها وانشق سترها..
وأي تعديل وزاري لن يغير في واقع الحال مهما كان حجمه وطعمه ولونه، فسياسات الحكومة باقية كما هي، ومنهج الحكم وكيفية صنع القرار ستكون على ما هي عليه، فماذا يعني التعديل؟ فوجوه ستخرج وأخرى ستجيء! ولذلك فإن الرهان على تغيير متوقع ومحتمل يجلب الرخاء والطمأنينة للمواطن من أزماته التي تطحنه ليس وارداً على الإطلاق!
الأهم من التعديل الوزاري، هو كيفية صياغة مبادرات سياسية جديدة وطرح برامج وأفكار تُخرج البلاد من وهادها الحالية.. فهناك أزمة سياسية مستحكمة، اشتد أوارها وانتقلت إلى داخل المؤتمر الوطني نفسه، بحركة الإصلاحيين وردة الفعل عليهم، وقد تسيدت هذه التطورات داخل الحزب الحاكم واجهة الأحداث، لتعكس صورة داخلية لحجم الأزمة في خارج الحزب وعلاقاته ثم وضع البلاد بأكمله.. فالساحة السياسية مثخنة بجراحاتها، تتناوشها قضايا وهموم عديدة، جعلت كثيرًا من الكيانات والقوى السياسية تعيش على الهامش وتتمشى في بلاطات الأرصفة بلا دور أو تأثير، ولا يُتيح المناخ الحالي لها أية فرصة للتألق والإبداع ليكون لها مساهمات في ترسيخ البناء الديمقراطي وتفعيل الحياة العامة، فالجميع يشتكي من التضييق عليه واستفراد المؤتمر الوطني بالسلطة وعدم إتاحته فرصًا للآخرين لتنقية البيئة السياسية من ملوثاتها وأمراضها..
وتوجد كذلك أزمة اقتصادية عميقة الغَور والأثر، ولا يبدو من مؤشرات مشروع الموازنة، أن هنالك انفراجًا قريبًا، فحتى الإجراءات والإصلاحات الاقتصادية، لم تؤتِ أكلها حتى اللحظة، وبدأ كثيرٌ من الخبراء الاقتصاديين يشككون في نجاعتها وبعضهم اعتبرها خاطئة وغير فاعلة ومنقوصة بناء على ما تمخض منها حتى اللحظة رغم قصر الفترة..
وقبل هذا كله لا يمكن تجاهل الأزمة الأمنية والوضع في دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق وتحركات بعض العناصر المسلحة وقياداتها وقواتها، صحيح هناك هدوء في بعض جبهات القتال مثل الهدوء الذي يسبق العاصفة، لكن الوضع يحتاج لحلول إما حفز وجذب الجميع وكل من يحمل السلاح إلى دائرة السلام والتصالح، أو تنفيذ ما وعدت به الحكومة بحسم التمرد في هذه المناطق وكسر شوكته وإرغامه على وضع السلاح واللجوء لخيار السلام في نهاية الأمر..
من هذه الأزمات الثلاث تولد أزمات أخرى، وتحتاج كلها إلى مواقف شجاعة وسياسات فاعلة ومبادرات حقيقية تطرح قيادة الدولة، لتسهيل عملية الاحتواء للمشكلات المستوطنة وتجعل من اليسير العبور فوقها وصولاً إلى منطقة مشتركة بين كل الفرقاء والشركاء في الوطن..
فقبل التشكيل الحكومي المرتقب الذي لن يأتي بجديد لا محالة سوى تدوير الوزراء بإصدار كشف تنقلات لهم، على الحكومة أن تفكر ملياً في تغيير نهجها في الحكم وسلوكها في التعامل مع القضايا الوطنية الكبيرة والدفع بقيادات ووجوه جديدة والتوافق مع الجميع للخروج بالبلاد إلى بر آمن..
وبالرغم من أن المؤتمر الوطني وحكومته يعلنان باستمرار، أن الباب مفتوح للجميع والدعوة للمشاركة قائمة وأن مبادرة رئيس الجمهورية للقوى السياسية المعارضة لم تتوقف والاتصالات جارية مع كل الأطراف، إلا أن حاجز الثقة لا يزال سميكاً وحيطانه تتطاول وتعلو، علينا أن نرى خطوات حقيقية تزيل الاحتقانات وتخفف من الغبن والغل والتطرف في الخصومة وتخفف من المرارات والأحقاد وتقود إلى توافقات وتفاهمات من أجل مصلحة الوطن والمواطن..
إذا كانت هناك رغبة جادة في نزع فتيل التوتر السياسي والأمني وفتح الطريق لنجاح الإصلاحات الاقتصادية، فلا بد من تقديم تنازلات جادة ومد الأيدي للجميع وطرح معالجات شاملة ومخاطبة أمهات القضايا وليس صغائرها، فالتعديل الحكومي من الصغائر إن لم تسبقه تعديلات جوهرية في السياسات…
[/JUSTIFY]

أما قبل – الصادق الرزيقي
صحيفة الإنتباهة