عثمان ميرغني

طيران الطيران


[JUSTIFY]
طيران الطيران

الخطوط الألمانية (لوفتهانزا) أعلنت رسمياً توقف طيرانها إلى الخرطوم.. بعد أكثر من خمسين عاماً.. حيثيات القرار حسب ما كشفته كبرى شركات الطيران العالمية وأعرقها.. مكونة من سطر واحد فقط..(العمل غير مجدٍ في ظل ارتفاع التكلفةوشح العملة الأجنبية في السودان).. وبعبارة أخرى أكثر صراحة (لم أقل وقاحة) السبب هو الانهيار اقتصادي..

وقبلها توقفت الخطوط الهولندية (كي ال ام) بذات الأسباب.. وربما في الطريق أخريات..

بات واضحاً أن المواطن السوداني ليس في المحنة وحده.. وأن وهوالأسوأ- حديث الحكومة عن جذب الاستثمار الأجنبي ضرب من الأوهام.. فهاهم المستثمرون الأجانب الراسخون في السودان منذ نصف قرن يغادرون بحسرة.. والبيان الذي أصدرته (لوفتهانزا) ليس برقية (سرية) مرسلة إلى حكومة السودان وحدها.. بل هو إشهار شرعي عالمي لحالة (إفلاس) استثماري وليس مالياً فقط.

بالتأكيد لدى الحكومة ألف (بيان مضاد) يروي حكايات الحصار العالمي، والحسد الدولي، والغيرة التي تنظر بها دول العالم لدولتنا.. ولن ينسى البيان أن يذكرنا بأن الجنوب رحل عنا خلسة، سارقاً معه (80%) من عائدات النفط.. ثم يبشرنا بقليل من الصبر على مزيد من السياسات الاقتصادية الجافة الحارقة.. ولن يجرؤ بيان الحكومة مطلقاً على الطعن في الفيل ليقر ويعترف بأن الأزمة (سياسية) بدرجة ممتاز ولا سبيل للخروج من عنق الزجاجة إن لم نعالجفيروس السياسة أولاً قبل الاقتصاد..

قبل سنوات في مفتتح الألفية الثالثة وبعد تدشين إنتاج النفط السوداني ودخوله الأسواق العالمية..أعلنت الحكومة السودانية عن نيتها تخفيض أسعار وقود الطائرات حتى تجعل مطار الخرطوم (المغناطيس) الذي يجذب الطيران العابر ليتزود بالوقود (الرخيص).. فتستفيد الدولة من عائدات الطيران الدولي.. وتصبح مدينة الخرطوم قطباً إقليمياً (دُبَي أفريقيا) يربط أرجاء القارة الأفريقية فتزيد من الحراك الاقتصادي المثمر المنعش لموارد الدولة.

لكن الآن الصورةتبدو قاتمة.. بدلاً من جذب الطيران الدولي (طار) منا من كان أصلاًراسخاً في مطاراتنا.. وشركات الطيران الوطنية انهارت -هي الأخرى- الواحدة تلو الأخرى.. بل حتى النقل البري يواجه شبح كارثة محققة بعد أن انحسرت الشركات والشاحنات.. وأيضاً بسبب سياسات سابقة أغرقت السوق باستيراد شاحنات أكثر من المطلوب.. وانهارت شركات كبرى بسبب ذلك فامتلأت السجون بالمعسرين من ضحايا تلك السياسات.. ثم انقلب الوضع الآن.. حاجة ماسة للنقل البريفي وقت يسود فيه غياب كامل للشاحنات..

على كل حال.. حد الارتجال وقف.. والتدثر بالأعذار والاعتذار وصل آخر رمق فيه.. والأزمة أمامكم والبحر خلفكم ولا سبيل أبداً لمزيد من (الغُلاط) إما حل سياسي شامل ينقذ البلاد من الغرق.. أو.. أو سيناريو (اليوم الآخر)…

[/JUSTIFY]

حديث المدينة – صحيفة اليوم التالي