مصطفى أبو العزائم

جمهورية الشيوخ..


[JUSTIFY]
جمهورية الشيوخ..

فجر اليوم السبت عرفت إحساس والديَّ ـ رحمهما الله ـ وأنا احتضنهما مودعاً ومغادراً ومهاجراً في أرض الله الواسعة قبل ربع قرن من الآن، لم يذرف أي منهما دمعة، بل كان كل منهما يشجعني بطريقته، ويحاول أن يخفّف عني ما يمكن أن يكون قد ثقل في قلبي، من هم مقيم، وأحسب أنهما كانا يقرآن ما يدور بخاطري.. ولم أذرف دمعة، فقد نشأنا في بلد تعتبر دموع الرجال عيب.. وضحك الرجال «بكا».

أحسست بما في دواخل ابني «محمّد»، وهو واسطة العقد بين أشقائه، أحسست بما يجيش في صدره، وهو يحاول أن يرسم ابتسامة على وجهه، وهو يودعنا، ويقبل رأس والدته، وأكف أحدث مولودة لدينا، ابنة شقيقه الأكبر.. الأحداث تتشابه وإن اختلفت الشخوص، فقد بدأ ابني «محمد» رحلة الهجرة إلى وطن بديل، بعد أن استعصت عليه فرص العمل في بلاده، وهو الخريج عالي التأهيل، الحاصل على مرتبة الشرف والذي نال دورات تدريبية عدة في مجالات مختلفة، تتصل بدراسته للعلوم السياسية.

طائرة الفجر لم تقله وحده من بين أحضان أسرته الدافئة، إلى حيث زمهرير الغربة «البطالة»، فقد خرج معه من بوابة الخروج نفسها أبنا خالته «رواد» و «إسلام» وسبقهما ابن خاله «محمد» وابن عمته «مروان» ولا نعرف من ستأخذه المنافي من بيننا، ونحن لا نملك أن نقف أمام تطلعات أبنائنا ورغباتهم في تحسين أوضاعهم العامة.

شبابنا الآن يقفون عند بوابات المغادرة، والقضية ليست شخصية أو خاصة، فنسبة البطالة حسب الإحصاءات الرسمية التي كشفت عنها السيدة إشراقة سيد محمود وزيرة تنمية الموارد البشرية والعمل، بلغت «8.18%»، وما زلنا نتحدث ونملأ الدنيا ضجيجاً بمشروعات تشغيل الخريجين، أو تمويل مشروعات الشباب، وفتح فرص العمل العام والخاص أمام شبابنا، لكن ذلك كله لم يقف مانعاً للهجرة، فقد هاجر قرابة العشرين ألف شاب وخريج خلال عام واحد، هرباً من جحيم العطالة، وعدم إلتفات الدولة الجاد لأخطر قضايا الشباب، وهي العطالة، ومنها تتفرع أمراض اجتماعية خطيرة نعرفها لكننا نغض الطرف عنها.

المشاكل لن تحل نفسها بنفسها، لا بد من أن نتدخل بدراسة المشكلة والظاهرة، ونحللها، ونقدم مقترحات الحلول، لكنني على ثقة تامة أن أبناءنا لن ينتظروا «اللت» و «العجن» الذي نقوم به داخل قاعات المؤتمرات، واهتمام الساسة بقضايا انصرافية تضر ولا تنفع، بينما بلادنا تشيخ.
[/JUSTIFY]

بعد ومسافة – آخر لحظة
[EMAIL]annashir@akhirlahza.sd[/EMAIL]