عالمية

مصر: “تحريم الدردشة” يجدد التساؤل حول دور المؤسسات الدينية


[JUSTIFY]أثارت فتاوي وقررات صادرة عن مؤسسات دينية في مصر، منها تحريم “الشات” بين الجنسين جدلا واسعا حول الدورالذي تسعى أن تلعبه هذه المؤسسات، خاصة أن هذه الفتاوى لم تخرج من عباءة الجماعات المتشددة، بل من مؤسسات تتسم بالوسطية.
رأت دار الإفتاء المصرية، وفقاً لتقرير صادر عنها مؤخراً، أن استخدام مواقع التواصل الاجتماعي بطريقة “غير منضبطة” يخلَ بالأعراف الدينية، ما يدفع لوضع ميثاق شرف لأخلاقيات وضوابط استخدام مواقع التواصل. وقد طالب علماء الأزهر بوقف برنامج تلفزيوني لتعليم الرقص الشرقي، كونه يخالف الشرع وتقاليد وقوانين المجتمع المصري، وهو ما استجابت له القناة وقامت بتأجيل عرض البرنامج. وفتوى أخرى أفادٍت بأن محادثات الجنسين عبر التشات(الدردشة)، تمثل بابا للشر والفساد، ومدخلاً من مداخل الشيطان. وهو ما يثير التساؤل عن حدود الدور الذي تلعبه المؤسسات الدينية في مصر، وعلاقتها بالسلطة الحالية، وهل باتت بديلا عن الجماعات المتشددة التي ظهرت إبان حكم الاخوان المسلمين، والتي كانت تصب بوابل من الفتاوى “المتطرفة” على المجتمع، أم أنه جزء أصيل من دورها الديني والاجتماعي. تساؤلات تطرحها DWعربية.

المؤسسات الدينية ونهاية السياسة

يعتبر الدكتور جورج فهمي، الخبير في الشئون الدينية، أن الدور الراهن للمؤسسات الدينية هو عودة لقضايا اخلاق المجتمع وضرورة الحفاظ عليها. وكذلك الابتعاد عن قضايا علاقة الدين بالحريات الأساسية وقضايا الديمقراطية والحرية.

ويعتقد فهمي أن مواقف بعض أطراف السلطة الدينية سواء المسيحية او الإسلامية،يجب أن ينظر إليها في إطار السياق الحالي في مصر. وهو نهاية السياسة في مصر. ويأسف فهمي على عدم الاهتمام بالسياسة، والذي نتج عنه تصدًر قضايا برامج الرقص والفتاوى، التي تعالج قضايا “هامشية”، المشهد في مصر.

واستشهد فهمي بدور الأزهر الذي عقد جلسات الحوار الوطني، والتي أسفرت عن وثيقة الازهر في يونيو 2011. ولكنه أكد أن هذا الدور لم يعد موجودا، ويحل محله الجدل حول الأمور، التي يصفها فهمي بـ “الهايفة”.
المؤسسات الدينية في مصر دائما متهمة باتباعها للسلطة الحاكمة…لكن في الوقت ذاته تسعى الدولة بشكل عامإلى أن يكون للمؤسسات الدينية الرسمية اليد العليا على المجال الديني

وبعد إعلان وزارة الأوقاف أن قيام أحد الصناديق التابعة للعاملين بالأزهر، باتخاذ قرار بشراء شهادات استثمار في مشروع قناة السويس بمبلغ 250 مليون جنيه، يثار التساؤل حول علاقة هذه المؤسسات بالدولة، ومدى استجابة الدولة للفتاوى التي تصدر من هذه المؤسسات.

يعتقد فهمي أن السلطة ستتعامل مع فتاوى الأزهر بشكل انتقائي. ويشرح: “يعنى الفتاوي اللي بتحقق مصالحها، والتي تتعارض معها سيتم تأجيلها.” وذهب بالقول أن الدولة بشكل عام تسعى إلى أن يكون للمؤسسات الدينية الرسمية اليد العليا على المجال الديني. وأستشهد بالسياسات التي تقوم بها وزارة الأوقاف الحالية مثل ضم المساجد والزوايا، ومنع غير الأزهريين من الخطابة وتوحيد موضوعات الخطبة. لضمان عدم استغلال المجال الديني ضد الدولة من قبل جماعة الإخوان أو التيارات السلفية المعارضة. وكذلك احتكار الدولة المجال الديني نفسه.

يسخر شريف السروجي، يعمل في شركة بترول، في حديثه مع DWعربية. قائلاً: “ملحقناش نخلص من فتوى تحريم التشات (الدردشة) بين الجنسين. دار الافتاء المصرية قررت وضع بعض ضوابط لوسائل التواصل الاجتماعي”. وتابع في استياء: “طبعاً الحكومة حتقفل و تقيد مواقع التواصل وحتسيبلنا المواقع الاباحية عشان نفرفش”. ويتساءل مستنكرا:”اخلاق وضوابط ايه اللي بيتكلموا عليها ديه؟! «الدين، والنفس، والعرض، والمال والعقل؟!”.

وتابع بأسف: “نحن نعيش بدولة تحلل القتل و تحرم الدفاع عن النفس، تحلل الربا و تحرم فيلم هيفاء وهبي”. “دولة لا تتخذ إجراءات ضد التحرش و تحرم التشات بين الجنسين”. وأردف: “دولة تحرًم الاختلاط في الساونا و تهتك عرض النساء بالسجون”. وتساءل “أليس الاولى من اضطهاد الملحدين معرفة سبب إلحادهم؟ أليس الاولى من تحريم التشات، منع المواقع الاباحية؟”.

لكن محمود عليبة، طالب بكلية حقوق جامعة الإسكندرية، يرى أن ما يفعله الأزهر هو صحيح. ولكن أعتبر أن توقيت هذه الفتاوى خاطئاً. ويوضًح: “من يقتنع بما يقوله الأزهر، أو لم يقتنع، فليس هناك عقوبة دنيوية او ما يعرضنا للأذى”. وأردف: “كان للأزهر في كثير من الأحيان سقطات لإرضاء السلطة الحاكمة. وبالتالي، ليس كل ما يخرج من الأزهر، هي فتاوى خالصة، انما يتدخل فيها بنسبة معينة مزاج السلطة الحاكمة.”

بينما ينتقد إسلام مصطفى، مرشد سياحي، إلغاء برنامج الرقص التلفزيوني، قائلاً إنهم يحاولون إقناعنا بأننا في مرحلة بناء مصر، بينما يركزون على أمور سطحية. وهو ما يعكس تناقضا كبيرا، في وقت قد يستغل من جانب الاسلاميين، حسب مصطفى.

“من حق المؤسسات الدينية التدخل”
ويدافع الدكتور أحمد ترك المسؤولين عن الحملة بوزارة الأوقاف ومدير عام بحوث الدعوة بالوزارة، في حواره مع DWعن هذه الانتقادات. بالقول إن المؤسسة الدينية ليس لها سلطة تنفيذية بل إرشادية، أو دعوية وهذا جزأ من الدستور. وبالتالي، فالأزهر له الحق أن يتدخل عندما يرى ممارسات تمثل خطرا على الأخلاق العامة أو على خطر النسيج الاجتماعي والأواصر الاجتماعية. ويتساءل باستنكار لماذا هذه الانتقادات: “فالأزهر ليس لديه شرطة أزهرية أو ضبطية قضائية أزهرية؟!”.

ولكنه فسًر ذلك بالقول: “هناك انتشار لفوضى الفتاوى والخروج من حالة الخطاب الديني المتطرف، والتي كانت تستخدمها جماعة الإخوان المسلمين، والذين مازال لهم مشايخهم. منهم من يحرًم على سبيل المثال، شهادات قناة السويس”.

واستطرد بالقول:” الناس لا تدرك أن الأزهر جزء من التغيير، وهذا التغيير يحتاج إلى وقت وأن الأزهر قام بدوره بعد 25 يناير، وقام بمهمة يعجز أحد القيام بها، وهي إبعاد المنابر عن السياسة”.

ووصف دور المؤسسات الدينية بأنها اشبه بالمطرقة والسندان. ويشرح بالقول: بين مطرقة الإرهاب وسندان تحملً أخطاء الأنظمة السابقة. ووصف في نهاية حديثه حملة الانتقادات ضد الأزهر، بالتعسفية والمتطرفة، لأنها لا تسمح بالاختلاف والتعبير عن الرأي.

وفي تحليل للدكتور صبحي عسيلة، الخبير في مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية، يعتبر أن هناك “حساسية” في التعامل مع المؤسسات الدينية بعكس المصالح الحكومية، التي يكون لديها توغل أمني وديكتاتورية. أمًا المؤسسات الدينية فهناك تخوف بسبب عدم أحقيتها في التدخل.

وفي حديث مع DW، نوَه أن المهمة الأساسية لنخبة المجتمع ومفكريه الفصل بين حق المؤسسة الدينية لإبداء رأيها، الذي لا يمكن منعه، وقدرتها على تحويل هذا الرأي إلى قرار. وكلما استجابت السلطة التنفيذية لهذه الفتاوى، سيعرًضها لانتقادات شديدة ومن ثم تحويلها إلى سلطة دينية. لذلك، على السلطة الدينية أن تكون واعية ألا تتحول هذه الفتاوى إلى قرارات.

DW
ي.ع
[/JUSTIFY]