محفوظ بشرى

!شباب الربّة


[JUSTIFY]
!شباب الربّة

علق أحد الشيوخ في حافلة المواصلات العامة على عدم نهوض أي من الشباب لراكب يكبرهم سناً ليجلس في مقعد كبير بدل (كرسي النص) الذي يجلس عليه؛ بقوله وهو ينهض ليتبادل المقعد مع الرجل: (أقعد جاي.. شباب الربة ديل ما بقوموا لزول). ساد بعدها الصمت الحافلة دون أن يلقي أحد من (شباب الربة) بالاً لحديث الشيخ ذي الشلوخ والجسد الرياضي.
حسناً، لم ينهض أحد الشباب لتبادل مقعده مع الرجل كبير السن، بل لم يهتم أحد منهم بالدفاع عن نفسه وبقية الشباب أمام العبارة التي ألقاها الشيخ الذي يكبر الجميع بمن فيهم من قام له، فماتت العبارة صمتاً. ما الذي يمكن أن يوصلنا إليه التفكر في الموقف هذا؟
بديهي أن التمدن يقتل الكثير من العادات الريفية التي ينظر إليها البعض بوصفها الأساس في التعامل، فأن يهتم كل واحد بما يخصه فقط هي خصيصة مدينية، وأن لا ينهض أحدهم لرجل أو امرأة أو شيخ، هو كذلك فعل مديني، وغير ذلك الكثير من الأفعال والخصائص المدينية التي أخذت تزحف مقصية الكثير من الصفات الريفية والبدوية التي صار الكثيرون ينصبون لها المآتم على صفحات الصحف وموجات الإذاعات وذبذبات التلفزيونات حنيناً إليها أو رغبة في إرجاع الزمن أيهما شئت.
لكن ما لفتني في الموقف أعلاه أنه ضرب عندي في جهة العداء بين الأجيال (خصوصاً حين أزمان الأزمات) وهو أول ما لفتني في العبارة التي تحمل قدراً من الوصم السلبي الذي لا علاقة له بالموقف مباشرة (شباب الربة) فلا صلة بين الربة والقيام من المقعد، بل لا صلة بين أن يكون الشاب (رابّاً) وأن يمنح مقعده لآخر، إلا أن الرجل الشيخ تعمد أن يلقي بالعبارة لأمر ما غير غضبه من تجاهل الشباب لكبير سنّ وسطهم، إذ كان يملك خيارات أخرى كأن ينهض ويدعو الرجل كبير السن إلى الجلوس وبس. لكن يبدو أن الشيخ وجدها فرصة ليعبر عن موقف كامل تجاه أجيال ينظر إليها بسلبية مفرطة.
أعتقد أن رفض الشباب معاونة من هو أكبر منهم بغض النظر عن علاقتهم به من عدمها، هو كذلك ردّ على موقف لا علاقة له بالحدث، أي هو تعبير بطريقة أخرى رغم أنه يشبه ما قصده الشيخ، وفي كلتا الحالتين يعبر الفعل عن عداء مكتوم بين أجيال، هو عداء في ظني يخرج عن إكليشيه صراع الأجيال المعتاد، ليتمدد إلى كونه تضاد مواقف كل من الطرفين تجاه التحولات التي تغسل المجتمع المديني في حركته نحو الفردانية بضغط من نمط الحياة المتطور باضطراد، وهو مبحث كبير.
إن نبشنا في لا وعي كل من الطرفين أعلاه، قد نجد أن الشيخ (مثلا) معترض بالأساس على الطريقة التي يمارس بها الشباب عموماً فعل الحياة، معترض على أنماط السلوك والتفكير والاهتمامات، ولا يلقي بالا إلى أن نمط الحياة ربما فرض عليهم اتخاذ سبل أخرى غير المعتادة لديه، لكن بما أنه لم يمسك بشيء بعينه ليوجه إليه سهام انتقاداته، لذا اغتنم فرصة موقف يعبر عن كل ما يرفضه لينفس قليلا عن المكتوم بداخله.
في الطرف الآخر، وبنمط التفكير السريع والعملي والفرداني الذي يتمتع به (شباب الربة)، ربما يرى أحدهم أن الرجل كبير السن كان لديه من البداية خيار ألا يركب شماعة، ثم عندما نهض له أحدهم من (كرسي النص) فهذا يعتبر مكسباً في حد ذاته، بل قد يفكر الشاب (الرابّ) أبعد من ذلك وهو يحاول أن يجد مبررا يجعله يتنازل عن امتياز وجده (بالمعاتلة) من أجل آخر مهما يكن و… الموضوع كبير.
رسالة بريئة:
أيها الشباب.. دعوا (ضل الفيل) في حاله.

أرشيف
[/JUSTIFY]

أثر الفراشة – صحيفة اليوم التالي