عبد الجليل سليمان

ما يطلبه القراء ليس هذا


[JUSTIFY]
ما يطلبه القراء ليس هذا

نحن الآن في (المحك)، فالصحافة التي تُدار هنا في الخرطوم مصابة ببعض مما يشبه الجمود و(الفهم المتأخر)، إذ تعتقد أنها تعبر عن المجتمع والشارع بشكل حقيقي، لكنها في الواقع لا تفعل ذلك، لعدة أسباب أولها ضيق هامش الحرية المتاح للفعل الصحفي حتى وهو أدنى منحنياته، وهذا الأمر (السلطوي) رغم أهميته البالغة وتأثيره السلبي الكبير على أداء الصحافة، إلاّ أنه كان يمكنها التحايل عليه بالعمل الدؤوب ضمن الحيز الضيق الذي تنشط فيه، كان بإمكانها أن تفعل ما هو أفضل مما هي عليه الآن بكثير ، لكنها إلاّ لماماً (لم تستطع) ذلك، فهي تنهض إلى دراسة تجربتها بعمق وتقويمها ونقدها باستمرار، وهذا ما يجعلها تعتقد أن ما تطرحه هو بالفعل (ما يطلبه القراء) وذلك على غرار العبارة الشائعة (الجمهور عايز كدا).

كل الصحف والمجلات الصادرة في الخرطوم، بما فيها الرياضية، الحوادث، المنوعات، الاقتصادية، وخلافها، لا تبلغ نسبة توزيعها ربع ما توزعة الأهرام المصرية في اليوم الواحد.

هذا لا يعني إلا شيئاً واحداً، وهو أن (الجمهور مش عايز كدا)، القراء يريدون شيئاً مختلفاً والمعلنون يريدون شيئاً مختلفاً أيضاً. وبمناسبة المعلنين هذه، أريد الإشارة إلى شيء مهم جداً، وهو أنهم لا يغامرون بوضع إعلاناتهم على صحف مغمورة لا يقرأها أحد، لذلك فإن من يأتي بالإعلان للصحيفة هم محرروها ولا أحد غيرهم، لذلك فإنهم أولى بالمعروف في المجالات كافة (التدريب والتأهيل، بيئة العمل الجيدة، الرواتب والحوافز المجزية)، وهذا ما تفتقر إليه صحافتنا بكل أقسامها مرئية ومسموعة ومطبوعة (مقروءة).

كلما أنفق ناشرو الصحف وضخوا نسبة محددة من (بيت مال) الإعلانات، في تدريب الصحفيين، وفي تحفيزهم وتحسين بيئة عملهم وتوفير كل المعينات لهم، كلما تطور أداؤهم، وبالتالي ارتفعت نسبة التوزيع وتمددت الإعلانات وتغولت على كثير من الصفحات والمواد المهمة.

خطر لي كل ذلك، وأنا استمتع بقراءة (وشنطون بوست، ونيويورك تايمز، وبولتيكا، وسيتي بيبر)، بينما في الأثناء كنت أشاهد في القناة الفرنسية 24، برنامج (التلفزيون الاجتماعي) فاستمتعت برواية الفنان التشكيلي المالي (أمادو) الذي قال إنه يروي تاريخ وحاضر بلاده من خلال أعمال الفنية البديعة، ثم أردف ساخراً: كثيرون يظنون أن لا جدوى من أعمالي في بلد لا زال الناس فيه يبحثون عن لقمة عيش. وبالتالي، ورغم أننا لا زلنا نبحث عن لقمة عيش – فإننا نستطيع أن نصنع صحافة أفضل مما هي عليه بكثير، إذا عرفنا كيف نمضي بها إلى أوجهها الصحيحة.

مضى عهد الصحافة النخبوية وأفسح المجال لما يسمى بالصحافة التفاعلية (من طرف الحبيب) مثالاً يحتذى، وكي أرى هل ذلك صحيح، نظرت أسفل (الفرنسية 25)، وعلى الشريط الإلكتروني المتحرك كانت خيارات التفاعل على (قفا من يشيل) (فيسبوك، تويتر، غوغل بلس، يوتيون، ديلي موشن، ساوند كلاود وخلافها)، فتمتمت وهمهمت متسائلاً: من الذي سيصنع الصحافة في المستقبل؟

[/JUSTIFY]

الحصة الأولى – صحيفة اليوم التالي