مقالات متنوعة

مفردات في لهجتنا ولهجاتهم


هذه محاولة لرصد بعض المفردات التي ترد في لهجتنا العربية ومقارنتها بما يقابلها في اللهجات الأخرى .. في باديء الإغتراب واجه السودانيون أول ما قابلوا – في الخليج مثلا – كلمة خشنة الوقع والمسمع وهي كلمة (روح) المستخدمة هناك بمعنى أذهب ، غير أن هذه الكلمة تقع في الحس السوداني بمعنى أقرب للطرد وهي مبغضة لديهم ولا يستخدمها السودانيون على الإطلاق ، بل يستخدمون كلمة أرفق وقعا وهي (أمشي) .. كذلك يستغرب العرب حينما يقول السوداني (إتكلم بخشمك) وهي عربية صحيحة فكيف يتكلم الخشم فالخشم عندهم هو الأنف .. هذه العبارة (إتكلم بخشمك) لا نجدها إلا في السودان وأقاصي صعيد مصر .. وما دام جاء ذكر الأنف فالسودانيون أيضا يقولون للأنف (نخره) وهي كلمة لا نكاد نجدها إلا عند الحضارمة في جنوب اليمن .

في المقابل فإن معظم العرب يستخدمون كلمة (دوام) لساعات العمل الرسمية وهي كلمة كانت غريبة على الإذن السودانية فالسودانيون يستخدمون كلمة (الشغل) (ماشي الشغل .. جاي من الشغل) وبمناسبة (ماشي) هذه فربما كان السودانيون هم الوحيدون الذين يستخدمون هذه الكلمة فالعرب يستخدمون كلمة (رايح) وربما جاءت كلمة (ماشي) من الطبيعة المنبسطة للأرض في السودان والتي تتيح للمرء السير مشيا على الأقدام لقضاء مشاويره .. هناك أيضا كلمة تدل على الطابع البدوي للسودان ولا أحسب أنها تستخدم في غيره وهي كلمة (الحلة) بكسر الحاء وهي من الحل والترحال الذي كان ســائدا وربما لا يزال في مضارب العرب واليوم تستخدم كلمة (حي) وهي مدنية .

العراقيون والكويتيون من جانبهم يقولون للجده (حبّابه) بفتح الباء والسودانيون يقولون (حبّوبه) بفتح الباء وهي في الأصل بضم الباء والكلمتين تحملان نفس المعنى : أي التي تحب . كذلك يشترك السودانيون والعراقيون وأهل صعيد مصر في كلمة (كوز) أي كوب الماء والذي يطلق عليه في بعض البلاد كأس وكوب .. معظم العرب يستخدمون كلمة (الحليب) بدلا من إستخدام كلمة (اللبن) وهي الكلمة الشائعة لدينا في السودان . يشترك السودانيون كذلك مع الأخوة السوريين في كلمة (مرق) وهي تعني الخروج وقديما كانت العرب تقول (مرق السهم من القوس) .. هناك أيضا كلمة (ملاح) التي نستخدمها في السودان والتي قد لا نجد لها نظيرا عند الأخرين ويقابلها كلمة (إدام) عند العرب .. كذلك هناك كلمة (كسره) بكسر الكاف وأحسب أنها من العربية القديمة ولا أعتقد أن هذه الكلمة بالذات باقية في اللهجات العربية الأخرى .

المغاربة في المقابل يسمون حلقات الذكر الصوفية بـ (الجذبة) وهي أقرب إلى كلمة (غرقان) التي نطلقها على الصوفي الدرويش .. المغاربة والجزائريون يقولون عن الشخص الثرثار (يهدر بالزاف) ويسمون الزقاق (زنقة) والسكين (موسا) .. فيما يسمي التوانسة الخروف (علوشا) والكديس (قطوسا) مثل الليبيين .. اللبنانيون من جهتهم يقصدون بكلمة (بلش) الإبتداء والإنخراط في الشيء ، بينما تعني عندنا الإنتهاء والفراغ من الشيء . هناك أيضا كلمة نستخدمها في السودان بإستمرار وهي كلمة (تراهو) وهي عادة ما تستخدم كمقدمة لحديث يليه تعجب وهي أصلا مكونه من كلمتين (ترى هو) وهما كلمتان شائعتان عند العرب والأغلب أنها تستخدم عندهم في غير السياق الذي نستخدمه فيها . في السودان يقولون لرجل الدين المتفقه (فكي) والمقصود بالطبع (فقيه) حيث حصل قلب للقاف فأصبحت كافا وهو أمر وارد وكلمة (فقيه) هي الشائعة عند العرب . في السودان كان من غير المعتاد وحتى وقت قريب أن ينطق الناس بكلمة (أحبك) أو (حب) التي كانت تسمع فقط في أفلام السينما ربما لأنها تبدو خادشة للحياء بحسب التقاليد السودانية ويستعيض عنها السودانيون بكلمة (الريــدة) وهي في تقديري أجمل وأبلغ ولا تستخدم كلمة (الريده) إلا في السودان وعلى نحو قليل في مصر . كذلك هناك كلمة (سمحة) التي لا نجدها إلا في السودان وليبيا وتستخدم قليلا في مصر.

بالطبع هناك الكثير من الأمثلة التي يمكن ذكرها وإجراء المقارنة والقياس عليها غير أنني أختتم بكلمة (إلا) التي تعني عند السعوديين الإيجاب وفيها قصة طريفة .. حدثت حقيقة حينما أرسل أحد الأساتذة السودانيين في أوائل الثمانينات إلى مدرسة على أطراف مدينة جده وبدأ المدرس حصته الأولى وشرح الجزء الأول من الدرس المقرر ثم قال للطلبة (هل فهمتم ؟) فكان الجواب بصوت واحد (إلا) فوقعت الكلمة في نفسه موقع النفي فأعاد ذلك الجزء مرة أخرى وقال لهم (هل فهمتم ؟) فكان الجواب بصوت واحد (إلا) وإنتهت الحصة ما بين (هل فهمتم وإلا) فذهب الأستاذ إلى مدير المدرسة غاضبا وهو يقول ياخي طلبتك ديل عذبوني أعيد لهم الدرس ثلاثة أربعة مرات وأقوليهم فهمتو يقولوا لي إلا فما كان من المدير إلا أن ضحك وقال له يأستاذ (إلا) معناها .. آي يعني فهمنا فأندهش السوداني وأنفجر ضاحكا وعرف أنه وقع ضحية عدم معرفته بمعنى الكلمة .


تعليق واحد