عبد اللطيف البوني

قبلية تايواني


[JUSTIFY]
قبلية تايواني

القبيلة مرحلة طبيعية من مراحل الانتماء البشري فكل البشرية دون أي استثناء مرت بالقبلية في مرحلة من مراحل تطورها فرابطة الدم هي أولى الروابط البشرية وبعد ذلك تنفر وتنكمش وتتطور وتتراجع على حسب الطريقة التي يقضي بها الناس حوائجهم ففي أوربا مثلا وصلت القبلية أعلى مراحلها عندما قامت عليها دول وامبراطوريات ثم بعد ذلك تراجعت واندثرت مع رياح الحداثة العاتية التي هبت على أوربا بفضل المتغيرات الاقتصادية والإصلاح السياسي والديني فأصبح الفرد من الأسرة الصغيرة (النووية) الى الوطن الكبير مباشرة لا بل الآن الناس تتكلم عن الانسان العولمي.
نحن في السودان شهدنا القبيلة مثل غيرنا لا بل شهدنا تطورها الى أن أصبحت دولا (مملكة الفونج , تقلي, المسبعات, الداجو والتنجر, سلطنة الفور ) كلها ممالك قبيلة ثم جاء محمد علي باشا وحاول إدخال أشعة الحداثة في السودان ولكنه لم ينجح إلا في إقامة الدولة المركزية والقضاء على الممالك القبلية ثم جاءت المهدية بطرحها العالمي ولكنها انتكست فجاء كتشنر حاملا لواء الحداثة الأروبية فحاول الانجليز إعادة تشكيل القبيلة لتكون في خدمة الدولة الحديثة ولا تكون خصما عليها (قانون الإدارة الأهلية 1927 ) .
في العهود الوطنية حدث تفاوت في البناء القبلي ففي بعض أجزاء السودان أرخت الحداثة بسدولها بنهوض بعض المشاريع الاقتصادية الحديثة وتعليم حديث والذي منه فتفتت الرابطة القبلية فأصبحت مجرد انتماء عاطفي وفي بعض المناطق بدأت القبلية ثابتة ولكن الناس يخرجون عنها أفرادا وفي بعضها ظلت كما هي منذ نشأة الخليقة وفي كل الأحوال كانت القبيلة صمام أمان وحائط صد أمني إن لم ينفع لم يضر ولكن كل الدلائل تشير الى أنها في حالة تراجع ثم انقراض فسهام الحداثة كانت محلية وإقليمية وعالمية وأصبحت في كثير من أنحاء السودان لا تعطي حقوقا ولا تفرض على الفرد واجبات وأصبحت الأسرة الممتدة هي الضامن للفرد إن لم تكن الدولة.
ولكن ودون مقدمات مقنعة وبعوامل سياسية بحتة يمكن أن يؤرخ لها من مؤتمر القطاع الأهلي 1991 والذي كان المقصود منه إخراج القبيلة من الحزبية والطائفية وإدماجها في المشروع الحضاري ففشل المشروع الحضاري وأصبحت القبيلة ( في الصقيعة ) فكشرت عن وجه سياسي جديد وعادت لواجهة الحياة حتى في المجتمعات الحضرية.
القبلية التي نشهدها الآن ليست هي القبيلية الأصلية الإيجابية التي كانت سائدة في القرون الماضية فتلك لم تكن متعدية على غيرها وكانت تمنح الفرد حقوقا وترتب عليه واجبات في سياج عرفي معترف به بين القبائل ومن يخرج منها كفرد محاربا يعتبر صعلوكا (همباتي) تتبرأ منه القبيلة اما قبلية اليوم فهي وسيلة للتكسب السياسي والاقتصادي بالقلع من الدولة فهمباتي اليوم ينهب من الدولة ويطرح نفسه كزعيم فالقبيلة اليوم تعطي المنصب الدستوري والسلاح وجواز أكل حق الآخرين.
إذن ياجماعة الخير اندثرت القبيلة الأصلية وحلت محلها القبيلة التايواني وبنفس الاسم ولكن بأهداف جديدة ووسائل مستحدثة فعلينا أن نعترف بهذه الحقيقة ثم نشرع في إصلاح الحال فأي إنكار لن يزيد هذه البلاد إلا وجعا وتفككا وغدا إن شاء الله لنا عودة للمزيد من الحفر ولكن قبل ذلك نضع للقارئ بعض رؤوس المواضيع لكي يعيد بها قراءة ما ذهبنا اليه بدءاً بالتضامن النيلي (ثلاثة قبائل كبرى) وانتهاء بأم جرس مرورا بالكتاب الأسود وآمنة ضرار وموسى محمد احمد والتيجاني السيسي.
[/JUSTIFY]

حاطب ليل – أ.د.عبد اللطيف البوني
صحيفة السوداني
[email]aalbony@yahoo.com[/email]