رأي ومقالات

الطيب مصطفي : هل تقرأ المعارضة بكل أطيافها وأحزاب الحكومة هذا المقال؟


[JUSTIFY]إن كنت قد وجهت خطابي بالأمس إلى الرئيس البشير والمؤتمر الوطني، لإقناعهما بأنهما لن يخسرا بقدر ما يربحان من اهتبال اللحظة التاريخية التي أطلت على المشهد السياسي السُّوداني ومن الاندفاع نحو مطلوبات الحوار الوطني بغرض الانتقال بالسُّودان إلى مربع جديد من الممارسة السياسية القائمة على الخيار الديمقراطي السلمي؛ فإنني أخاطب اليوم الطرف المقابل بكل أطيافه، وأعني به كل القوى السياسية سواء المنضوية في الحوار الوطني أو الرافضة والمبغضة ــــــــــ حد الجنون ــــــــــ للمؤتمر الوطني والمطالبة بإسقاط النظام كخيار أول وثان وأخير.

خطابي المنبعث من قلب مشفق على هذا الوطن المأزوم، أوجهه إلى كل أبناء الوطن داخل وخارج السُّودان؛ فنحن في حاجة إلى أن يتداعى الجميع لإنقاذه من أزمته المستفحلة، حتى لا يصبح مصيرنا مشابهاً لدول كثيرة انهارت جراء عجز نخبها السياسية عن التعاطي مع واقعها المأساوي وانغمست في حروب أهلية يصعب أن تتوقف بعد أن تندلع وتتفاقم بمرارات الموت وثأراته المجنونة.

إنني أعتبر أن مجرد دعوة الرئيس البشير للحوار الشامل، اعتراف نبيل بالأزمة وإقرار بحق أبناء الوطن جميعاً بمن فيهم حملة السلاح في المشاركة في حل المشكلة التي تفاقمت وأرهقت السُّودان وأهله سياسياً واقتصادياً وأمنياً، وجعلتهم مضغة يلوكها العالم ومؤسساته الدولية، بما في ذلك دول مجاورة كانت صغيرة فكبرت حين صغرنا.. فوا حر قلباه!

أقول إنه عندما تتفاقم العلة يلجأ الناس إلى الحلول الاستثنائية، وفي تلك الحال تقل الخيارات أمام الطبيب المداوي، ويضطر أهل المريض إلى تقديم الخيارات الصعبة على أنفسهم، ولا يجوز لعاقل أن يرفض خيار العلاج المتدرج الذي يحد من خطورة المرض لكنه لا يستأصله دفعة واحدة، وإنما يبقي عليه إلى حين، وذلك ما ينبغي أن نتواصى عليه جميعاً في قوى المعارضة، لأن ما لا يدرك كله لا يترك جله، وذلك هو عين الواقعية التي بدونها تحدث الطامة الكبرى لتقضي على الأخضر واليابس.

دعونا نعترف أننا جميعاً إذ نخضع الوطن المأزوم سياسياً واقتصادياً وأمنياً إلى خياراتنا في العلاج لا خياراته هو، فإننا نقدم أهواءنا على حاجة الوطن العليل الذي من سوء حظه أنه ليس إنساناً من لحم ودم يختار لنفسه ما يزيل علته ويذهب بأسه، إنما يعتمد على أبناء مشاكسين يفكرون في ما يرثه كلٌ منهم من حطام الجسد العليل، لا في معافاته التي تقف حائلاً دونها خصوماتهم الصغيرة.

دعونا كذلك نقر أنه في حين أن النظام فشل في إدارة الدولة المريضة التي غدت في حال بائسة؛ فإنه اهتم بتقوية نفسه من خلال المؤسسة الأمنية التي أصبحت إمبراطورية اقتصادية وسياسية مقارنة ببقية مؤسسات الدولة الأخرى المعدمة، ومن خلال تقوية الحزب الذي يمتلك من الثروة والسلطة ما يؤهله مع الأجهزة الأمنية لتأمين نفسه ومقاومة أي تغيير ثوري سواء بانتفاضة أو بالسلاح وكأنه تأسى بنظام بشار الأسد في سوريا. فقد اقتنعت قبل فترة قصيرة بخطأ تقديراتي فبعد أن كنت في البداية أويد إسقاط ذلك النظام الباطش بنفس الكيفية التي أُزيح بها القذافي إلا أنني غيّرت رأيي مؤخراً بعد أن رأيت حمامات الدم التي نشأت عن الثورة السورية المسلحة وردة فعل ذلك النظام الطاغوتي، ولو استقبلت من أمري ما استدبرت لاتخذت من أول يوم موقفاً آخر مؤيداً لعرض الأسد للتغيير السلمي المتدرج.

إن علينا أن نعي أن هناك دولة عميقة أقامها المؤتمر الوطني، ومصالح كُبرى نشأت جراء تطاول أمد الحزب الحاكم، مما يدعونا إلى الصبر حتى نبلغ ما نريد دون السماح بتجاوز الخطوط الحمراء التي تعوق خريطة الطريق المتفق على أن تُفضي الى نظام ديمقراطي عبر وضع انتقالي يهيئ المناخ ويقيم انتخابات حرة ونزيهة بعيداً عن هيمنة الحزب الحاكم على آليات إجرائها .

لذلك أقول إن على المعارضة أن تتخذ الموقف الصحيح حتى تبرئ نفسها أمام التاريخ؛ وذلك يقتضي أن تتجنب اتخاذ مواقف متطرفة قد تفضي إلى اندلاع حرب أهلية لا تبقي ولا تذر، وأرى نذرها من خلال النيران المشتعلة في محيطنا العربي.

وفي هذا الصدد نحتاج إلى عقلاء يحملون الحكومة على الكف عن الخطاب المتطرف خاصة ضد الشخصيات الوطنية الكبيرة مثل السيد الصادق المهدي الذي تحتاج إليه الساحة السياسية، ولا أجد فرقاً البتة بين إعلان باريس واتفاق أديس الذي وافق عليه الرئيس، فكلاهما نص على وقف الحرب بل إن إعلان باريس نص على التغيير الديمقراطي السلمي، فلماذا التطرف تجاه المهدي دون مراعاة حتى لابنه الذي يحتل موقع مساعد الرئيس؟

على المعارضة أن تعلم أن الأصابع الدولية ليست بمعزل عن كل الحروب التي تضطرم في عالمنا الإسلامي، ولا أشك البتة أن هناك من يعبث بأعواد الثقاب التي تلوح من خلال التشاكس الحاصل بين القوى السياسية السُّودانية. والعاقل من ينأى بنفسه عن أولئك العابثين الدوليين الذين يعملون من أجل اشتعال الحريق الذي لا أشك أنه سيكون أشد فتكاً مما جرى ويجري في دول كثيرة.

إن على المعارضة الرافضة للحوار بقيادة الحزب الشيوعي والأحزاب العلمانية، بل وعلى الحركات المسلحة أن تضع الكرة في ملعب الحكومة وتنخرط في الحوار الوطني، ولن تخسر شيئاً اذا توقف الحوار بتعنت المؤتمر الوطني، إنما ستقيم مع الأحزاب الأخرى المحاورة الحجة على الحكومة وتحملها المسؤولية التاريخية.. ويالها من مسؤولية .

لذلك فإنني أدعو الطرفين.. طرف الحكومة وطرف المعارضة بشتى توجهاتها، إلى الاقتراب من بعضهما بما يزيح المواقف المتطرفة من الجانبين، وبما يجعل المعارضة تنخرط في الحوار الوطني ويلجم الحكومة عن مواصلة خطابها المتطرف وتصرفاتها الاستفزازية خاصة حديثها عن الانتخابات.

اليوم التالي
خ.ي[/JUSTIFY]