عثمان ميرغني

حشف.. وسوء كيل


[JUSTIFY]
حشف.. وسوء كيل

الدكتور الحاج آدم نائب رئيس الجمهورية نشرت له صحف أمس الأول تصريحاً يقول فيه إن السودان لا يضمر شراً لدول الخليج من خلال علاقته مع دولة إيران..

حسناً بكل يقين ذلك صحيح.. فالسودان له علاقة تاريخية مع دول الخليج.. ولا يمكن لعاقل أن يقايض هذه العلاقة بتلك مع إيران.. لكن مع ذلك فعلاقة السودان مع إيران لا يمكن فهمها في الخليج و خاصة المملكة العربية السعودية- ببراءة.. والحيثيات واضحة..

السودان دولة في القارة الأفريقية تبعد عدة آلاف من الكيلومترات عن إيران.. وبالضرورة ليست هناك روابط (تاريخية) لعلاقة متميزة بين البلدين سوى الراهن في حقبة الإنقاذ.. وربما تفهم هذه العلاقة بين البلدين في إطار لا يقلق الجيران إذا كانت الاستثمارات الإيرانية تغرق أرض السودان (مثل دولتي الصين وماليزيا مثلاً) لكن الواقع أن إيران ولحوالي ربع قرن منذ وصول الإنقاذ للحكم ليس لها سجل يذكر في ملف الاستثمار الاقتصادي في السودان.. ليس لإيران سوى تلك الزيارات التي تقوم بها بوارجها الحربية إلى الشواطئ السودانية فتثير من الغبار حول السودان أكثر مما يحتمل.

لا علاقات تجارية.. ولا ثقافية.. ولا حتى رياضية أو فنية.. إذن كيف ينظر الخليج إلى علاقات السودان مع إيران.. ربما إن لم تكن بين إيران والخليج إحن ومحن لما احتاج السودان أن (يبرر) علاقاته مهما كان نوعها- مع إيران.. تماماً كما لا يحتاج تبرير علاقاته مع روسيا مثلاً- لكن الواقع أن إيران مصنفة في إستراتيجيات دول الخليج على أنها (الخطر رقم واحد) حتى قبل إسرائيل في قائمة الخطر الإقليمي.. فكيف لا تقلق دول الخليج حينما تجد إيران تحيط بها من الشرق والغرب معاً..

السياسة الخارجية السودانية يجب أن تقوم على ثوابت ومفاهيم راسخة.. ندرك كيف نرتب أولوياتنا.. دولة مثل السعودية لا يمكن أن نخطط لأمننا القومي دون أن تكون جزءاً أصيلاً لا يتجزأ من خريطة إستراتيجية سياساتنا الخارجية.. وبكل يقين يصبح تلقائياً أي خطر تتحسبه السعودية.. هو خطر على السودان بالضرورة..

يجب أن ندرك أن وضعنا (الجيوبولتيكي) يفرض علينا أن نراعي بكل دقة دائرة الجوار أولاً.. كل ما يمس أمن جيراننا فهو يمس أمننا.. ينطبق ذلك على دولة جنوب السودان وإثيوبيا وإريتريا والسعودية ومصر وليبيا وتشاد وأفريقيا الوسطى.. بمبدأ ثابت غير قابل لأي افتراضات.

إيران دولة مسلمة.. هذا ما يجمعنا في إطار عريض.. لكن بالتأكيد ليس لنا مصلحة في أي علاقات تتعدى هذه الوشيجة.. لغياب المصالح المشتركة.. ومقارنة بتركيا مثلاً- فإن علاقات (تاريخية) تجمعنا مع تركيا تعضدها الآن علاقات اقتصادية ومنافع متبادلة..

ومن زاوية أخرى.. إيران تكابد توتراً في علاقاتها مع غالبية دول العالم.. بغض النظر عن أسباب ذلك التوتر.. فليس من الحكمة أن نضع أنفسنا في موقع يحاسبنا العالم فيه على فواتير لم نستهلكها..

أتفق جداً- مع وزير الخارجية الأستاذ علي كرتي أن السياسات الخارجية السودانية تحتاج إلى مراجعة جذرية.. مؤسسية.. فنحن ندفع فاتورة فادحة بلا مبرر..

[/JUSTIFY]

حديث المدينة – صحيفة اليوم التالي