تحقيقات وتقارير

متاعب أمام والي الخرطوم


تسلم والي القضارف السابق،الدكتور عبد الرحمن الخضر، أخيرا منصب والي الخرطوم بعد جولة في الولايات حملته من الضعين الى الشمالية والقضارف،قبل أن يحط في «كرش الفيل»،ويبدوأن توازنات داخلية وترتيبات سياسية حملته الى موقع لا يحسد عليه، فهو أمام تحديات كبيرة ينتظر أن يحقق فيها اختراقا خلال ثمانية أشهر أي قبل الانتخابات المقررة في فبراير المقبل.
الخضر الذي يتسلح بخبرة سياسية وتنفيذية مقدرة،جاء الى ولاية الخرطوم في وقت عصيب بالنسبة للولاية، خاصة وللبلاد عامة،الامر الذي يتطلب منه ابتداع وسائل وطرق غير تقليدية لترك بصمات واضحة، كما فعل سلفه الدكتور عبد الحليم المتعافي رغم ان الاخير وجد فرصة زمنية افضل.
على صعيد ولاية الخرطوم، فقد وجد الخضر ان المشاريع التي انجزت في الجسور والطرق والمياه التي صرفت فيها مئات الملايين من الدولارات، وفرت الولاية جزءا منها أما ما تبقى فكان قروضا خارجية وديونا داخلية ،ولكن انتهت فترة السماح بالنسبة لمعظم القروض وحان موعد سدادها،وكذلك الديون التي تراكمت وينتظر اصحابها حقوقهم،مع الاشارة الى ان الولاية لم تشهد تنفيذ مشروعات جديدة منذ بدء العام الحالي،ومع ظروف الازمة المالية العالمية فإن الحصول على قروض وتمويل خارجي ليس ميسورا،كما ان العجز الذي تعيشه الموازنة العامة في البلاد وانخفاض الايرادات لا يمكنان الخضر من الحصول على موارد مريحة تمكنه من انجاز كبير.
وثمة قضايا مهمة ليس للخضر يد فيها تتصل بالسياسات القومية، ولكنه سيكون اشد تأثرا بها، فالازمة العالمية وتوابعها من انهيار اسعار النفط ساهمت في اضعاف الجنيه السوداني وخفض قيمته بنسبة اكثر من 20 في المئة، مما دفع بنك السودان الى تبني سياسة نقدية صارمة لمواجهة شح النقد الأجنبي، وترتب على ذلك انخفاض كبير في حركة استيراد السلع التي تتطلب ممن يريد جلبها توفير كل ما يقابلها بالعملات الاجنبية، مما أدى الى احجام المستوردين بنسبة مقدرة،كما أن ما يجلب منها يكون بأسعار عالية، وبالتالي فإن الاسواق تشهد ارتفاعا مضطرا فى اسعار السلع ، خصوصا الاستهلاكية وحتى المنتج محليا منها ،وينتظر ان تشهد الاسواق ندرة كذلك بتراجع الاستيراد.
تلك المؤشرات تقول إن البلاد تمضي الى غلاء مستفحل وركود بسبب شح السيولة وهو ما يعرفه الاقتصاديون بـ «الركود التضخمي،» تضاف الى ذلك الندرة المتوقعة بتراجع الاستيراد ما سيفضي الى ضمور الاسواق وافلاس تجار سيضطرون الى بيع مافي أيديهم من سلع وبضائع بأى سعر لمقابلة التزاماتهم،وأيضا سينتج الكساد والركود والغلاء جيوشا من العطالة واتساع دائرة الفقر وتفشي المظاهر الاجتماعية السالبة.
هذه المتاعب بالطبع سيتأثر بها السودان كله،ولكن الخرطوم أم الولايات والعاصمة القومية التى حدد الاحصاء السكاني الاخير عدد قاطنيها بـ 5.2 مليون ،بجانب نحو مليونين آخرين لم يشملهم التعداد سواء كانوا في أطرافها القاصية أو الذين يدخلونها صباحا ويغادرونها مساء،ستكون أكثر الولايات تأثرا بالأزمة وأية حلول وترتيبات محدودة لن يكون لها مردود فعال مما سيضع الوالي الخضر وحكومته أمام اختبار صعب.
وفوق ذلك، فإن الخضر بلا شك سيكرس جهوده للخدمات التي تشهد ترديا في مناطق واسعة من الولاية، خصوصا في أطرافها وينبغي أن تكون للمياه أولوية فليس مقبولا أن تعيش الخرطوم بين أحضان النيلين وهي عطشى ،وليس مقبولا أن تكون هناك مدارس آيلة للسقوط فوق رؤوس طلابها في أم درمان،وليس مقبولا أن تظل العاصمة مطوقة بأكواخ الصفيح والمساكن التي تسمى (عشوائية)، فما الذي يمنع من تخطيط قرى ومدن لاستيعاب هؤلاء المواطنين الذين اضطرتهم ظروف قاهرة الى مغادرة ديارهم الاصلية حتى يسهل تقديم خدمات لهم،وليس مقبولا …والقائمة تطول.
الخضر ينبغي أن يكون مدخله الى السياسة تطوير الخدمات والتنمية الاجتماعية وازالة كثير من البثور التي علت وجه الخرطوم ،واستكمال المشروعات الخدمية والتنموية التي بدأها المتعافي الذي استطاع بولايته على المال العام بطريقته أن يضع كل موارد الولاية تحت يد الوالي، فطوعها لتحقيق انجازات واضحة على الرغم من اختلاف بعض المسؤولين معه في هذه الطريقة.
وبالطبع، يعرف الخضر وحزبه أن الظروف المعيشية الضاغطة وحالة الغلاء والكساد والركود ستبلغ ذروتها خلال الشهور المتبقية من العام الجاري، وستتزامن مع ذروة الحملة الانتخابية ،مما يعني ان تقييم اداء الخضر وحكومته من قبل مواطني الولاية سيكون عبر صناديق الانتخابات، فإذا استطاع خلال ولايته الممتدة لثمانية أشهر أن يقنع قاطني الخرطوم بما يفعله تجاه معايشهم وخدماتهم فإنه سيستثمر ذلك سياسيا لحزبه ، واذا لم يوفق فليتوقع محاسبة سياسية قاسية من مواطنيه، وليرض بحكمهم.
النور أحمد النور :الصحافة