تحقيقات وتقارير

قرية طيبة الشيخ عبدالباقي .. تعايش الصوفية مع الشيوعية


[JUSTIFY]() قرية طيبة لا تعرف الخرافة والأمية!!
() أبكار الشيوعيين هنا من حفظة ألقرآن
() حاجة عائشة تطبع بيانات الحزب في سرية مطلقة!!
() حاجة زكية تتبرع بمدخرات الحج للمدرسة!!

طيبة الشيخ عبدالباقي قرية تاريخها البعيد والمعاصر ضاربة جذوره في عمق الانتماء للوطن والانحياز المطلق للإنسانية مستهدفة الإنسان أساس التنمية والتطور. تختلف نشأتها عن كثير من مدن العالم والسودان، ظل يتردد اسمها كثيراً هذه الأيام مقترناً بأحد شيوخها الأفذاذ (عبدالله ازرق طيبة) بمبادراته السياسية واهتمامه بإخراج البلاد من أزمتها. لم تكن القباب التي تحرس مدخلها بنايات دينية خرساء أو نصباً لتقديم فروض الولاء والطاعة أو مجرد بيان فوق جدث لا يضر أو ينفع ولكنها آيقونة عشق صوفي يجسد عظمة رجال بنوا مجد هذه القرية بالعلم بعيداً عن الدجل والخرافة قدموا للسودان العلماء الأجلاء في جميع المجالات. في كل ركن من هذه القرية الصغيرة تتجسد ملامح من المآثر التاريخية والأشخاص هنا تُعرِفُك سيماهم بأنهم أبناء ملوك في الزمان سلالة عظماء نبتة ومروي وكوش وأهل ملك وسلطان وعلم واضحة بصماتهم، تتواصل فصول بطولاتهم الى الآن.

طيبة عبق التاريخ قرية طيبة الشيخ عبد الباقي ترجع جذورها التاريخية الى عهد السلطنة الزرقاء واقترنت نشأتها بالشيخ يوسف (أبو شرا) راجل أبو حراز شرق النيل الأزرق ناحية واد مدني والذي نزح من هناك الى الشمال من الموقع الحالي للقرية حيث كانت هنالك امرأة يقال لها طيبة سكن بالقرب منها وكان رجلاً حكيماً يمتاز برجاحة عقل، عقد الكثير من مجالس الصلح بين قبائل المنطقة والذين كانوا يعبرون عند مواسم الحج والرعي. يعود له الفضل في صلاح ما خرب بين العبدلاب والفونج والعنج وعند ذيوع صيته تجمع لديه الكثير من الأتباع والمريدين في المنطقة المعروفة بأهلها الكواهلة لينتقل الى المكان الحالي والمعروف الآن بقرية طيبة الشيخ عبدالباقي عند مدخل غربي واد مدني وعلى بعد 7 كيلو مترات من غرب النيل الأزرق عند نقطة عبور مدني من الناحية الشمالية.
الشيخ يوسف أبو شرا من مواليد 1724 خلفه على سجادة القادرية العركية أبناؤه العدول الخمسة وأشهرهم عبدالباقي (1845-1952) مؤسس طيبة الحديثة والتي اقترن بها اسمه وخلفه أبناؤه حمدالنيل، ثم أحمد الريح والشيخ أبو عاقلة والد الشيخ الحالي عبدالله أزرق طيبة.

في العام 1898 حملت قرية طيبة اسم الشيخ عبدالباقي أبرز شيوخها والذي عرف بلقب (أزرق طيبة) لقامته المديدة ذات اللون الداكن وكان يلبس (طرقة) سوداء من توب الزراق دلالة على التقشف والتواضع. كان بالمنطقة عدد من أهل الخير ومنهم ود نورين الذي كان يوزع الذرة مجاناً للفقراء والمحتاجين وكذلك التاجر ود خدرة الذي عرف بتوزيع السكر مجاناً أيضاً، أما الشيخ عبدالباقي (أزرق طيبة) أقام تكية ومسيداً لتعليم القرآن هاجر إليه الكثيرون من أهل الريف في كثير من ربوع البلاد حتى أزعجت هذه الهجرات المستعمرين الأتراك والإنجليز ليقول لهم قولته الشهيرة التي أصبحت مثلاً: (لو ما عجيني، مين بجيني).
في العام 1908 أقام أول مدرسة أولية لتعليم الأولاد على نفقته الخاصة أغرى كثيراً من المعلمين بتحفيزهم ورفع أجورهم من 180 قرش إلى 200 قرش وعندما تم تخريج أول دفعة من القابلات أشار على ابنه الشيخ حمد النيل الزواج من القابلة مستورة أول متخرجة من مدرسة القابلات لتقديم الخدمات الصحية في مجال الأمومة والطفولة لقريته وعندما كان الإرشاد رسالة اجتماعية وتوعوية في مجال الأسرة والإسكان والخدمات المنزلية قام بتزويج أحد أبنائه من إحدى المشرفات الاجتماعيات لتصبح قرية طيبة من أكثر القرى تطوراً تفوق الكثير من المدن وأشباه المدن ليتوج مجهوداته عام 1946 بافتتاح أول مدرسة للبنات على يد المربية القديرة نفيسة عوض الكريم التي فاقت شهرتها الآفاق وتغنى باسمها الجميع:
(ست نفيسة المدرِّسة).

(لم تزل رمز الخلود.. نفيسة بين الوجود) أقام الشيخ عبدالباقي أول شفخانة صحية في العام 1947 مقدمة خدماتها لكل المناطق المجاورة. في العام 1910 عندما فكر الإنجليز في قيام مشروع الجزيرة تم شق أول الترع على أرضه لتحمل المياه من النيل عبر الطلمبات. في الثلاثينات من القرن الماضي عندما أشيع عن الإنجليز بأنهم يفسدون تلاميذ المدارس أحجم الكثيرون السماح لأبنائهم تلقي الدراسة في المدن بعيداً عنهم، كان الشيخ عبدالباقي أول من أرسل أبناءه للتعليم في مدارس مدني الأميرية وكان من بينهم ابنه الشيخ عوض أول قاضي شرعي في السودان والشيخ يوسف عبدالباقي وكيل وزارة الأشغال المشهور. للشيخ عبدالباقي الكثير من المواقف المشهودة والحكاوي التي يرددها الكثيرون إلا أن مآثره ستظل خالدة في سجل التاريخ رائداً من رواد التنوير وحركة التقدم الإنساني، سيرته الخالدة عبرت عنها المناحة الشهيرة التي تغنى بها الفنان محمد الأمين:

خربانة أم عبوس دار الكمال ونقاص
دوبا حليل أبوي للعلوم درَّاس
يوم الخميس جانا الخبر وانشاع
في الأربع قبل أزرق طويل الباع
تبكيك الجوامع الانبنت ضانقيل
لقراية العلم وكلمة التهليل

أين ما وجد الوعي وجد أيضاً الشيوعيون.. هذه عبارة تحدث عن نفسها في قرية طيبة الشيخ عبدالباقي والتي حددت وجهة انتمائها السياسي بين الحركة الاتحادية وبين الانتماء للحزب الشيوعي السوداني والذي تأسس هنا منذ عهد الجبهة المعادية للاستعمار في قرية اختلطت فيها أصوات تلاوة القرآن في خلاويها مع الأصوات المنادية بمقاومة المستعمر والأنظمة الديكتاتورية الشمولية اختلطت أصوات (طربقة) ألواح الكتابة مع (الطرق) على ماكينات طباعة المنشورات والبيانات التحريضية لحركة المقاومة الوطنية في انسجام تام. في خضم هذا الطقس الديمقراطي المعافى لقرية طيبة نبتت أجمل الأزهار الثورية التي رعاها الحزب الشيوعي قائداً لحركة المزارعين بالجزيرة وفي طيبة تأسس أقوى فرع حزب شيوعي بالجزيرة يحدثنا عنه آخر من بقي منهم الزميل علي الريح محمد علي الرعيل الأول من الشيوعيين بطيبة من مواليد 1932 والذي درس بخلوة طيبة حافظاً للقرآن مجوداً، عمل مزارعاً بالمشروع وقاضياً بالمحكمة الشعبية. حول علاقته بالحزب الشيوعي يقول إن ترشيحه للعضوية كان في أواخر الأربعينات ومطلع الخمسينات بواسطة محمد عوض ابن الشيخ عبدالباقي أزرق طيبة وحسان محمد الأمين من ود مدني وقضى فترة قبل الترشيح كمستمع وقارئ لأدبيات الحزب ومنشوراته، الميدان واللواء الأحمر ومجلة الحزب الداخلية الشيوعي لينخرط بعد ذلك في قراءته للبرنامج واللائحة مع مؤسسي الحزب، عوض الكريم الزبير، الطيب الريح ومحمد علي عبدالله، والتقى في مهام حزبية مع عدد من المتفرغين وعلى رأسهم الحاج محمد أحمد سليمان، عثمان الشايقي، الوسيلة، حسن الطاهر زروق وكامل محجوب. حول العمل الحزبي يقول إنه لم يك قاصراً على المهام السياسية اليومية في المقاومة والتحريض وتنوير الجماهير، بل كانت رسالة الحزب الفكرية تتسم بصرامة شديدة لإجبار العضو الشيوعي بالقراءة والاطلاع والتثقيف الذاتي والقيام بالتكليفات الا أن هنالك جانب جماهيري كبير يتعلق بتبصير وتثقيف الجماهير في كل المجالات العملية المتعلقة بالزراعة والخدمات الصحية والتعليمية والتثقيفية. حول العمل الانتخابي وعلى حسب توجيه الحزب في أول انتخابات قمنا بدعم مرشح الوطني الاتحادي عبدالله محمد توم وفي الانتخابات التالية كنا ندعم مرشح وحدة المزارعين الشيوعي المتحمس جبارة أحمد ساوي وعند سؤالنا له عن اسمه الحركي لم يتجاوب مع السؤال محتجاً عليه بحجة التأمين الذي يجب أن يراعيه كل شيوعي والامتثال له ولكنه عاد وأفصح عن اسمه الحركي (يسن) وعندما سألناه إن كان نادماً أنه أصبح في يوم ما شيوعياً، أجاب نافياً ومؤكداً في ذات الوقت أنه نادم على أي يوم لم يكن فيه شيوعياً. في كلمة أخيرة أوصى كل الزملاء بالعمل الجاد من أجل وحدة الحزب والعمل على إثراء التجربة الماركسية في الاقتصاد.

عائشة محمد الزبير أول من طبعت بيانات الحزب!! التوثيق للمد الشيوعي في قرية طيبة عبدالباقي يحتاج لمجلدات لأن القرية بأكملها ساهم الحزب الشيوعي السوداني فيها بالتنوير ودخل الحزب كل بيوتها من الأبواب ولا تزال كثيراً من الأسر تحتفظ لهذا الحزب بسيرة عطرة وذكريات بطولية نادرة من بين ما يستحق التوثيق ما قامت به عائشة محمد الزبير التي كانت تقوم بطباعة بيانات ومنشورات الحزب وهي في سنتها الثالثة التعليمية (في الخمسينات)، كانت تدرس بمدرسة طيبة الأولية وبعلاقة شقيقها عوض الكريم محمد الزبير والطيب الريح سليمان وهم شيوعيون قاموا بتعليمها الطباعة حيث كانت تبدأ الطباعة في تمام التاسعة مساء وحتى وقت متأخر من الليل بعد أن يتم إغلاق جميع الأبواب والنوافذ عليها وحتى رقراق الشبابيك. تقول عائشة، من خلال عملي بالطباعة سنحت لي الفرصة لقاء الأساتذة، عبدالخالق محجوب والوسيلة والشفيع وكامل محجوب، على الرغم من أني لست عضوة بالحزب، إلا أنني من المدافعين عنه بقوة ولم أزل. ما يمكن أن أقوله عن الحزب الشيوعي إنه حزب بأصالة السودانيين، عرفت عن الشيوعيين سعيهم بالخير وسط الناس ولهذا قدمت كل أولادي جنوداً للحزب وأسأل الله له القوة والمنعة والنصر.

أحمد العركي أحمد رشحه للحزب الأستاذ عبدالخالق محجوب بالقاهرة
التقتينا بأسرة العامل الراحل أحمد العركي أحمد وقد كان يعمل سائقاً لمأمور المديرية بواد مدني التحق العركي بالحزب الشيوعي في مصر بعد أن قام الأستاذ عبد الخالق محجوب بتجنيدة في 1947 وقد قضى نحبه بمصر وترك ابنيه المرحوم كمال وابنه الذي لم يره عصام والذي يعمل سائقاً مثل والده.

الحاجة زكية سعد عبدالرحمن في قرية طيبة يتحدث الجميع بالفخر والإعزاز عن امرأة جديرة بالاحترام اتخذت من أحد الأركان بالقرب من مدرسة البنات بالقرية مكاناً لبيع التلميذات قطع الحلوى والبلح وبعض البسكويت كل همها أن تدخر من هذه التجارة البسيطة قدراً من المال تحقق به حلمها لزيارة قبر المصطفى حجاً مبروراً وسعياً مشكوراً. تمر السنون والأعوام بصبر النمل تعمل وتدخر حتى جمعت المليون والذي تحسبه رقماً فلكياً يحقق لها حلمها بحج البيت بعد أن استطاعت إليه سبيلاً بعد كل هذه السنوات الطويلة من الادخار. حملت الحاجة زكية مليونها المدخر لمقابلة لجنة الحج بوامدني ووضعت أمامهم المليون قائلة لهم: (بدور أمشي الحج)، فما كان من لجنة الحج الا أن ردوها على عقبيها بعد أن أخبروها بأن الحج يكلفها ثمانية من الملايين وهي تحمل منها مليوناً واحداً فرجعت الى القرية تخاطب نفسها في الطريق (ما عندي عمر أوفر بيهو تمانية ملايين تاني). وقفت الحاجة زكية أمام مديرة مدرسة البنات التي تبيع لتلميذاتها قطع الحلوى، قائلة لها: (امسكي يا بتي المليون دا كنت بدور أحج بيهو وقالوا لي الحج بكلف قدر دا تماني مرات ودحين العمر ما فضل فيهو شي، دحين امسكوا مني المليون دا تبرع للمدرسة) مشهد ميلودرامي نادر بدون رياء أو تكلف تدعم مدرسة البنات وهي الأحق بالدعم لأداء فريضة الحج فمن يا ترى يرد الجميل لهذه الإنسانة الرائعة؟؟
وأخيراً لا يمكن أن نختم حديثنا عن قرية طيبة الشيخ عبدالباقي دون الإشارة الى دور الشيخ عبدالله أزرق طيبة في تأسيس تحالف مزارعي الجزيرة والمناقل ودعمه السخي ووقوفه بجانب دفاع التحالف عن حقوق المزارعين واحتضانه لمؤتمرات التحالف ومن ضمنها المؤتمر الشهير الذي حضره أكثر من 10 ألف من جميع الفعاليات والقوى السياسية والمزارعين حيث ردد المؤتمر صدى كلمات الشيخ التاريخية (نعم نحن ملاك لأراضي في المشروع ولسنا بمزارعين ولكننا لم نحس في يوم من الأيام أننا نطالب بملكيتنا لهذه الأرض التي لا تعني شيئاً بدون المزارع وهو صاحب الأرض الحقيقي لأنه يفلحها) شيخ عبدالله أزرق طيبة يحث دائماً على أن الحقوق تنزع ولا تستجدى، رجل بهذا الفكر وبهذه القوة جدير بالاحترام والتقدير.

كتب: حسن وراق
صحيفة الجريدة
ت.أ[/JUSTIFY]


تعليق واحد

  1. [B]الا يكون ديل مشعوذين لو دجالين ومشعوذين اتفق مع الكلام لكن صوفي بحب الله ورسوله لا يمكن ان يتفق مع شيوعي [/B]

  2. لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ

  3. الحاجة زكية لوما زالت علي قيد الحياة ليها مني حجة كاملة العام القادم
    اتمني من ادارة النيلين السعي في هذا الموضوع وايميلي بطرفكم