احمد دندش

المُستلحنيــــن..!


[JUSTIFY]
المُستلحنيــــن..!

تقول الطرفة ان رجلاً كان دوماً يقصد منزلاً لبيع الخمور، ويجلس بداخله دون ان يحتسي كوباً واحداً من الخمر، وظل على ذلك الحال لفترة طويلة من الزمان قبل ان تتجرأ ذات يوم صاحبة المنزل وتسأله بغلظة عن سبب زيارته اليومية لمنزلها دون تناول كأس واحدة، ليجيبها بشئ من السخرية: (هوي ياولية..انا مابسكر…لكن بحب اتنسكر ساااااكت)، ولعل حال ذلك (المتنسكر) يشابه الى حد كبير حال بعض (الملحنين) في الساحة الفنية، والذين ظلوا وطوال سنوات ماضية يصنعون لانفسهم امجاداً مزيفة، حتى اذا ماسألهم احدهم عن اعمالهم الراسخة في الوجدان اجابوا بصوت واحد: (هوي نحنا ماملحنين…نحن مستلحنين سااااكت)..!
و(المستلحنين) مؤخراً تزايدت اعدادهم بصورة تدعو للدهشة وللخوف معاً، الدهشة في (قوة العين) التى تجعل احدهم يجاهر وعلى الملأ بأنه (ملحن ملوي هدومو)، مع العلم بأنه وبقليل من التركيز سيجد نفسه خارج نطاق (السترة الابداعية) وسيحتاج لوقت طويل لمداراة (عوراته) اللحنية، اما الخوف فيتركز في الاضمحلال الكبير للنماذج اللحنية السودانية القديمة والتى استطاعت في فترة وجيزة من فرض (صولاتها) تاريخياً، قبل ان يظهر جيل (المستلحنين) والذين يحاولون في كل صباح هدم تلك المعابد اللحنية التاريخية والتأسيس لتجارب فطيرة لحنية جديدة همها الاول ان (تطرب الاقدام) قبل المشاعر، وتلك هي الكارثة في اوج مصيبتها..!
قبيل سنوات تجلت تجارب لحنية في السودان تمكنت من حصد العلامة الكاملة للابداع بداية بألحان الموسيقار الراحل بدر الدين عجاج، وتجارب عبقرية اخرى مثل تجربة ود الحاوي وبشير عباس وغيرهم، مروراً بالتجارب اللحنية المميزة لعدد كبير من الفنانين في مقدمتهم ابراهيم الكاشف وعثمان حسين ومحمد وردي والموسيقار محمد الامين وقائمة طويلة جداً في سلسلة ابداع غريب يكفي التأمل في دسامته اللحنية وفي وسامته الاخراجية للاقتناع التام، والاكتفاء بالتصفيق على مر السنوات.

جدعــــــة: لسنا ضد التجارب الجديدة في عوالم (التلحين) في السودان، فهي تجارب تقع على مدار التسلسل الطبيعي للاجيال، ولكننا ضد استعراض العضلات (المزيفة)، وضد الانتفاخ لدرجة تصديق الكذبة، وضد (التغول) الذى تشهده الساحة الفنية لعدد من (العاطلين عن الابداع) والذين ماإن يتعلموا العزف على آلة (العود) حتى يظن كل منهم انه (محمد القصبجي)، فيطيح في الساحة الفنية بعبارات وتصريحات هوجاء وهلامية، ربما تكفي مقارنتها بالمنتوج الحقيقي للشخصية ليتضح تماماً ان ذلك الشخص ماهو الا (مستلحن) جديد، في قطيع من (المستلحنين) يزحف نحو الهاوية بكل ثقة.!

شربكة أخيــــرة: لماذا لايتم انشاء فصول قائمة بذاتها لتعليم اصحاب المواهب الحقيقية من الملحنين الشباب (اصول الابداع)..؟..ولماذا لايتم إدراج التجارب اللحنية المميزة لكبار الموسيقيين السودانيين على مر الزمان في منهج موسيقي منفصل..؟..ولماذا الصبر على اولئك (المستلحنين) وهم يعيثون في الساحة الفنية (وهماً)..؟؟..اسئلة عديدة ربما سنعود لها في مقبل الايام بالتفاصيل المملة جداً…انتظرونا.
[/JUSTIFY]

الشربكا يحلها – احمد دندش
صحيفة الأهرام اليوم