رأي ومقالات

ريما شري: كما في الهند الآن في بريطانيا: المرأة تدفع المهر للرجل وتقع ضحية الإبتزاز والقتل: إستثمار تجاري للزوج وعبء إجتماعي على الزوجة


[JUSTIFY]يعد تقليد دفع الدوطة (المهر الذي يدفعه أهل الزوجة للزوج) عرفا شائعاً في الهند. وعلى الرغم من حظره عام 1961 بمقتضى ما يسمى «قانون حظر المهور» إلا أنه لا يزال حياً في المجتمع الهندي وبعض مناطق جنوب آسيا. ومع مرور الوقت فان هذا التقليد، حول، الزواج إلى تجارة مربحة يستثمر من خلالها الرجل زواجه من المرأة للحصول على شقة، أو سيارة أو حتى جهاز تلفزيون من أهل العروس. ولا ينتهي الأمر عند هذا الحد بل أنه يجعل الزوجة، فيما بعد، ضحية لهذا العبء الإجتماعي الذي يحولها إلى سلعة أو أداة لتبرير الإحتيال والإبتزاز وسوء المعاملة الذي تعاني منه في مشوار حياتها الزوجية. وفي بعض الأحيان، قد تصل الأمور إلى حد القتل، حيث تُقتل أكثر من 8000 امرأة في الهند سنوياً بسبب عدم قدرة أهلهن على دفع المهر المطلوب. ومع ان هذا النوع من العنف قد يبدو غير مألوف في بعض البلدان إلا أنه موجود ويمارس في أكثر الدول تقدما وتطورا في مجال حقوق الإنسان: بريطانيا. فقد بدأت الشرطة البريطانية مؤخراً التحقيق الأول من نوعه في «العنف المرتبط بالمهر» في بريطانيا، بعد اكتشاف صحيفة «اندبندانت» أن مئات النساء تحرق، وتسجن وتضرب في منازلها بسبب خلافات مالية متعلقة بالمهر.

شاران: السرية والكبت

أساس المشكلة

اظهرت دراسة جديدة لجمعية شاران البريطانية، وهي جمعية تقدم الدعم النفسي والعملي والثقافي لسيدات بريطانيات يواجهن أشكالا من العنف من قبل أفراد العائلة أو الزوج ومن ضمنها حالات العنف المرتبط بالمهر، أن حوالي 50 امرأة تعرضن للضرب، والابتزاز والسجن من قبل الزوج خلال العام الماضي بسبب قلة المهر. وقالت رئيسة الجمعية بولي هارر لـ «القدس العربي» أن أساس مشكلة العنف المرتبط بالمهر هو السرية كما هو الحال مع العديد من أشكال العنف. وتضيف: العديد من النساء لا يملكن الشجاعة الكافية للإبلاغ عن معاناتها خوفا من انتقام أفراد أسرة الزوج أو المجتمع، وهم، غالبا، لا يدركن وجود الدعم المتاح لهن. للأسف، إجتماعياً أصبحت هذه القضية عادية وينظر إليها على أنها سلوك مقبول مما يعقد فهم النطاق الكامل للمشكلة نظرا لعدم الإبلاغ عن الحالات». وتقول هارر أن هناك رجالا يتزوجون من نساء لمجرد حاجتهم لسداد ديون القمار، أو لدفع ديونهم التجارية، وهناك من تزوج من امرأة لشراء أثاث لبيته، وعندما لم يسدد مهرها قيمة الأثاث الذي أراده، صار يضربها حتى أرغم والديها على تسليمه المزيد من المال. نعم هذه الحالات تحدث في بريطانيا.

جهل يغذي الإستغلال والعنف

تتذكر سانديب كاور، وهي ناشطة إجتماعية تعاملت مع حالات العنف المرتبط بالمهر لأكثر من عقدين من الزمن، قصة رجل كان يقوم بحرق جسد زوجته بالسجائر في كل مرة يفشل والداها في تلبية طلبات المهور التي أراد إستخدام مالها لدفع الرهن العقاري لبيته، وهو السبب الأساسي الذي دفع هذا الرجل إلى الزواج. وتقول كاور أنه عندما لم يتمكن الوالدان من تحقيق مطالب الزوج أغرق المنزل بالبنزين وهدد بحرق كل شيء بما في ذلك زوجته. وتضيف أن سبب التكتم على هذه الحالات هو السرية التي تحيط هذه المجتمعات وتقاليدها، فضلاً عن أن الهيئات العامة، غالباً ما تجهل معنى العنف المرتبط بالمهر.
وإنتقدت جاسفندر سانغيرا، مؤسسة الجمعية الخيرية كارما نيرفانا، عدم وجود سجلات حول العنف المرتبط بالمهر في بريطانيا. وقالت أن المشكلة تتغذى من عدم الإعتراف بوجود مثل هذا النوع من العنف في هذا البلد. وأضافت: «نحن بحاجة لأن تبدأ الشرطة في تسجيل هذه الحالات، ومن ثم نحتاج من الهيئات المهنية مثل الجمعية الطبية البريطانية أن تبدأ بمعالجة هذا الموضوع بصراحة لأنه يؤدي إلى الاكتئاب والانتحار». وقالت الشرطة البريطانية أنها ستعمل على تثقيف العاملين في مجال الصحة والخدمات الاجتماعية ومسؤولي الهجرة وحتى أطفال المدارس حول موضوع العنف المرتبط بالمهر.

ضحية قالت لا

دوندرجيت كاور (51 عاما) هي ضحية أخرى للعنف المرتبط بالمهر في بريطانيا. لكن كاور سجلت قصة نجاح كبيرة بعد أن أصبحت عام 1997 أول امرأة بريطانية تقاضي زوجها لإجباره على إعادة مهرها من خلال المحاكم المدنية، وذلك بعد 18 شهرا من زواجها. وكانت كاور، التي تعيش في مدينة نوتنغهام مع طفليها، بالزواج من طليقها بعد أن قام والدها بدفع مبلغ مالي كبير وبعض من المجوهرات كمهر لزوج ابنته. وبعد أسبوعين، طلب الزوج من عائلة كاور دفع 4000 جنيه إسترليني، ودفع والدها، آنذاك، المبلغ لحماية ابنته، إلا أنها استمرت، بعد ذلك لشهور عديدة، في بذل المزيد من الجهد في الطبخ والتنظيف والغسيل لإرضاء زوجها الذي لم يكن راضيا عن المهر بعد كل ما دفع له. وقالت كاور: اكتشفت أن زوجي السابق تزوج لأن عائلته أرادت منزلا أكبر من الذي كانت تسكن فيه، إضافة إلى مبلغ من المال، وظنوا أن المهر هو أفضل وسيلة لتحقيق ذلك. عندما قال والدي أنه لا يستطيع تحمل كل ذلك، عانيت لمدة 18 شهرا. لم يسمح لي زوجي بالتحدث مع أي شخص على الهاتف، لم يسمح لي بالذهاب إلى الحديقة بمفردي. كنت في منزلي أعامل كالعبيد. وتضيف: «عندما أردت أن أنجب طفلي الأول، رفضوا أن يأخذوني إلى المستشفى لأنني كنت «استثمارا سيئا».
أنجبت كاور طفلها بعد أن تمكنت من الذهاب إلى المستشفى بمفردها. وسمحت لها الحرية التي حظيت بها في المستشفى بالإتصال بوالدها لطلب المساعدة بعد أن طلبت من الممرضات الإتصال بالشرطة التي لم تتمكن من القبض على الزوج لأنها لم تفهم معنى العنف المرتبط بالمهر، بحسب تصريحاتها.

العنف والمهر

العنف المرتبط بالمهور هو أحد أشكال العنف ضد المرأة، إلى جانب الإغتصاب، والعنف الجسدي واللفظي . ويمارس على نطاق واسع في الهند وباكستان وبنغلاديش ونيبال وسريلانكا وبعض المناطق في أفريقيا. وقد تم تسجيل حوالي 14,000 حالة وفاة بسبب المهور في جميع أنحاء العالم. والمهر يمكن أن يأخذ أشكالا مختلفة مثل الدفع نقدا أو تسليم ممتلكات، وملابس باهظة الثمن وسلع وأجهزة منزلية، ومجوهرات. ويقول نشطاء حقوقيون إن تقليد المهر يجعل الزوجة عرضة للعنف الأسري، وأحياناً، للموت.

زوجة قيد الحبس

في الشهر الماضي، وجدت الشرطة الهندية امرأة في الـ25 من عمرها محتجزة فى حمام بيتها منذ ثلاث سنوات على يد زوجها، وذلك بسبب عدم قدرة أسرتها على دفع المهر له، إلى جانب إنجابها لطفلة مؤخراً. وقد أفادت صحيفة «دايلى ميل» البريطانية، أن المرأة بكت بشدة عند إطلاق سراحها لأن ابنتها لم تتعرف عليها، نظراً لأن الزوج حرمها من رؤية الطفلة طوال السنوات الثلاث كما أنها وجدت بأظافر طويلة وملابس ممزقة، فقد كان يمرر لها بقايا الطعام من تحت الباب، لذلك تجد صعوبة شديدة حتى الآن في أن تفتح عينيها فى ضوء الشمس. وقد اقتحمت الشرطة منزل الزوج بعد إبلاغ والدها عن اختفائها، حيث كانت أسرتها ممنوعة من زيارتها طوال السنوات الثلاث، وكشفت التحقيقات عن أن الزوجة تعرضت للتعذيب منذ زفافها في 2010، بعدما فشلت أسرتها في جمع المهر. وقد تم احتجاز الزوج في قسم الشرطة، حتى إتمام التحقيقات، وأقامت أسرة زوجته دعوى قضائية ضده. ويقول النقاد إن المهور الغالية، أصبحت الثمن الذي يدفعه والدا العروس للحصول على زوج جيد في الهند، وصار البحث عن شاب مناسب هذه الأيام مثل المزاد.

مواقع التواصل تسهل المهمة

يذكر أن طقوس الزواج لدى الهنود تحتلف حسب ‏‏العادات والتقاليد والأعراف والديانات ومستوى الثقافة والطبقات. ويعود هذا التقليد إلى آلاف السنين، ويقول العلماء إن الهدف منه كان حماية المرأة حتى لا تضطر للاعتماد على الرجل وحده في إتمام زواجها. ولكن مع مرور الزمن أصبح ما كان ضمانا للعروس نعمة للعريس وأسرته، وعبئا على العروس وعائلتها. ويعتقد باحثون أن التكنولوجيا الحديثة زادت الأمور تعقيدا، إذ توفر مواقع التعارف على الانترنت سهولة في معرفة المستوى المعيشي والوضع الاجتماعي للزوج، وهو المستوى الذي يتم على أساسه موافقة عائلة العروس، ويتم ذلك بسبب جشع عائلة الزوج التي تطالب دائما بمهر أكبر ـ تقدمه عائلة العروس. وقبل سنوات وضعت صحيفة «التايمز» الهندية قائمة بقيمة المهور المطلوبة من مهن مختلفة، فكلما زادت قيمة وطبيعة العمل كلما زادت قيمة المهور المطلوبة. فرجل أعمال يحمل شهادة ماجستير يمكن أن يحصل على مهر قيمته 1.5 مليون روبية ( ما يقرب من 37 ألف دولار) بينما يمكن أن يحصل موظف حكومي على مهر في حدود 50 ألف روبية.
وتقول جمعية كارميكا وجمعيات مماثلة أخرى ان مشاكل الخلاف على المهر تسبب مقتل امرأتين كل يوم في مدينة دلهي- ولكن رئيس وحدة مكافحة المهر لدى البوليس، فيملا ميهرا، يقول ان جرائم القتل بسبب المهر لم تتزايد بشكل ملفت للنظر وان الوحدة قد نجحت في اتخاذ الاجراءات في «الحالات الحقيقية» ولكن سوبادرا بوتاليا، رئيسة جمعية كارميكا النسائية، وهي استاذة متقاعدة للغة الانكليزية تصر على ان الشرطة تصدر أحكامها قبل ان تحقق في الجرائم وتصرف النظر عن مئات جرائم القتل بسبب المهر سنويا وتعتبرها حوادث من نوع آخر

الحل في الوعي

تقول شاران بولي هارر رئيسة جمعية لـ «القدس العربي» أن أهم ما يمكن أن نقوم به جميعاً للحد من المشكلة هو الحديث عنها والإعتراف بوجودها وتثقيف النساء حول ضرورة الإبلاغ والمطالبة بحقوقهن. والمطلوب هو المزيد من التدريب لتمكين للشرطة وغيرها من تقديم خدمات الدعم وجعل سلامة النساء أولوية. كما أن التعليم في المدارس هو أمر أساسي لحماية الجيل المقبل من هذه المشكلة بالإضافة إلى دعم الحكومات لتمويل المنظمات غير الحكومية التي تعنى بهذا النوع من العنف. كل هذه الإجراءات من شأنها أن توفر دعما ليس فقط للنساء وإنما للمجتمع ككل.
[/JUSTIFY]