رأي ومقالات

محمد التيجاني:طريق التحدي.. أم طريق الموت!!


[JUSTIFY] «فجعت ولاية نهر النيل أمس بكارثة مرورية على طريق التحدي ــ الجيلي ــ شندي ــ عطبرة راح ضحيتها عدد من الأشخاص» لم يعد الناس يتفاجأون بمثل هذا الخبر المحزن، ذلك لأن مثل هذه الكوارث لم تعد مقصورة على هذه الولاية التي فقدت كثيراً من مواطنيها جراء الحوادث المرورية المتكررة، إذ لا يكاد يمر يوم إلا ويشهد طريق التحدي حادثاً مروعاً أو أكثر، نظراً لأنه صار يستخدم من قبل كل القادمين من بورتسودان وسواكن إلى الخرطوم وبالعكس، الأمر الذي يجعل لهذا الطريق الحيوي أهمية قصوى، إذ أنه الشريان الذي يربط الوطن من كل نواحيه بالميناء القومي على البحر الأحمر، ولهذا السبب يزداد حجم النقل والضغط الذي يتعرض له. فهو يزدحم بحركة سيارات نقل البضائع والمنتجات وحركة المواطنين وكل هذا عبر شريط أسفلتي ضيق، كما قام المهندسون بعمل «مزلقانات» في الطريق بدلاً من الكباري، وهذا ما يسبب المشكلات في موسم الأمطار والسيول، وبالتالي فإن كثيرين من مستخدمي الطريق باتوا يخشون الموت وهم ينتقلون من مكان إلى آخر! وهذا ما يجعلنا نقول إن هذا الطريق المشؤوم قد كاد يفقد أهميته الاقتصادية والتنموية نظراً لعدد الأرواح التي يزهقها كل عام بل كل يوم وليلة! ومع ظهور التعدين الأهلي في مناطق أبو حمد وحلفا، تضاعف استخدام الطريق مما يعني ازدياد نسبة الحوادث، خاصة إذا علمنا أن معظم من يقودون السيارات، من الشباب الذين يعملون في هذا النشاط، من غير ذوي الخبرة في القيادة، علاوة على أن معظم هؤلاء لا يحمل رخصة رسمية ولا يتقيد بمتطلبات السلامة المرورية.
يا ترى هل هذا الطريق مصمم بطريقة هندسية خاطئة، أم أن الشركة المنفذة لم تلتزم بالمواصفات، أم كانت هنالك «كلفتة» مثلما يحدث في كثير من المشروعات التي يصاحب تنفيذها شيء من الاستعجال والتخبط والإهمال وعدم الإشراف من جهات هندسية مختصة، حتى تنبه لأي خطأ تلاحظه قبل فوات الأوان؟ أو ربما حدث تلاعب مالي ــ لا نستطيع أن نقول فساد حتى لا نطالب بالأدلة أو تلاعب في المواد، مع أن هذا الطريق يعتبر من الطرق الحديثة، ومن المتوقع أن تراعى فيه المواصفات الهندسية المطلوبة دولياً، حفاظاً على أرواح البشر وممتلكاتهم، فخلال موسم الأمطار الأخير توقفت الحركة على طريق التحدي أكثر من مرة نظراً للسيول الجارفة التي اجتاحت المنطقة، وهذا في حد ذاته يمثل إضراراً بمصالح الناس، ناهيك عن الأخطار التي يسببها والوقت المهدر والمخاطر الأمنية والصحية التي يتعرض لها المسافرون ومستخدمو الطريق وهم يفترشون الغبراء في مناطق تنعدم فيها وسائل النقل والاتصال والحماية!!
وفي خلال الأيام القليلة الماضية فقد السودان بعضاً من علمائه ودعاته البارزين بينما كانوا ينتقلون عبر طريق التحدي، الذي يجب أن يطلق عليه طريق الموت، بعدما أصبح يفوق طريق الخرطوم ــ مدني في حصد أرواح الأبرياء! ويقول بعض المسؤولين إن إدارة المرور السريع تقصر أحياناً في مراقبة السرعة بينما يلقي هؤلاء باللائمة على الجهات المسؤولة عن الصيانة سواء في الولايات أو في وزارة الطرق والجسور التي لا تنفذ أية صيانة دورية، ليس لهذا الطريق وحده، بل لمعظم الطرق القومية التي كثرت بها الحفر والأخاديد وصارت عرضة للسيول، إذ لا يوجد بها نظام لتصريف مياه الأمطار وليست هنالك مراقبة لأوزان الشاحنات التي تعبر الطريق من وإلى ميناء بورتسودان، وهذا كفيل بإحداث أضرار هندسية بالغة الخطورة من شأنها أن تعرض حياة مستخدمي الطريق للخطر والموت وتضر بالتالي بالاقتصاد الوطني، بكل الأسف، دون أن يطرف جفن لأي مسؤول، وبالطبع لا نتوقع استقالة وزير أو غيره في حال حدوث تصادم بين حافلتين تقلان ما يزيد عن مائة شخص! ونورد في هذا الصدد ما قاله شاعرنا الراحل صديق مدثر، رحمه الله، وهو يرثي اثنين من مبدعي السودان فقدا روحيهما وسالت دماؤهما الغالية إثر حوادث مروية مفجعة حدثت على ذات الطريق، هما الراحل الفنان الشاب نادر خضر والشاعر محمد حسن حميد بقصيدة يقول فيها:
وشارعكم لئيم الطبع
في حلفٍ مع الزمن
أضاف لحزننا حزناً
ثوى حميدُ بالكفن
فقدنا شاعراً فذاً
يصوغ القول في لحن
يصوغ الدر مطبوعاً
كغريدٍ على فنن
ولم يقنعْ
فجاء اليوم يفجعنا
بفقد النادر الفطن
إن طريق التحدي يختصر المسافة والزمن من أجل الوصول لكثير من مناطق البلاد، لكن أن يستمر في حصد الأرواح بهذه الطريقة فهذا لعمري أمر غير مقبول البتة، ولذلك لا بد من وضع حلول جذرية لما يكتفنه من مشكلات حتى يكون صالحاً للاستعمال ضماناً للسلامة المرورية. ومن جانبنا نطالب الجهات ذات الاختصاص بتفادي كل العيوب الهندسية التي وردت الإشارة إليها هنا، إذا ما قدر لطريق أم درمان ــ جبرة الشيخ ــ بارا أن ينفذ، حتى لا نفقد مزيداً من الأرواح، علماً بأن هذا الطريق، كغيره من الطرق القومية، يعد ضرورياً لربط أجزاء البلاد من بورتسودان إلى الجنينة.

صحيفة الانتباهة [/JUSTIFY]


تعليق واحد

  1. كل القصة انو الشارع فاااااضي والعربات بتجري بسرعة شديدة بالاضافة للتخطي الخاطئ ولا يكون سواق نايم