رأي ومقالات

د. ناهد قرناص: المغتربين ..دعوا ابناءكم يعيشون الحياة ..دعوهم يرتكبون المواصلات ويمتطون الركشة..ياكلون الفتة ويجهزون البوش


بالامس ..امتلات رئتي بهواء الصباح العليل محملا بنسمات الشتاء الباردة ..شئ ما يجعلك تحس بالفرح ..وبالترقب وانتظار شئ جميل ما سيحدث اليوم ..رغم ان خارطة الواقع تقول غير ذلك فجدول العمل مزدحم بأشياء كثيرة. يبدو انني خرجت باكرة ..لا احد في الشارع غير ادم وهو يغازل (صاج الطعمية)..ويدندن مع المسجل …

عندما تقدمت الى بداية الميدان وجدت مجموعة من صديقاتي الصغيرات ..طالبات الداخلية ..كانت الفرحة تشع من وجوههن (ترى هل الفرح معدي؟؟ )..

كن يضحكن جزلات عندما مررت بهن ..يحاولن التقاط صور (سلفي) مع سيارة جديدة صفراء فاقع لونها تسر الناظرين … …استوقفتني احداهن (اتفضلي يا خالتو ..ممكن نوصلك معانا ..نحن شايفنك كل يوم بتمشي على رجلينك في الشارع ) رجليك نطقتها بالجيم المعطشة وقبل ان أرد عليها ..قلت في نفسي (طالعة من بقك زي العسل والله)….

قالت الاخرى ( أصلو رسيل جابوا ليها عربية هدية …الحمدلله خلاص حنرتاح من عمو بتاع الركشة )..والشين معطشة ايضا شكرتهن معتذرة بان المشي خيار اخترته بكامل قواي العقلية فبامكاني الذهاب بالترحيل. تحركت من امامهن وتركتهن يواصلن الاحتفال بالعربة الصفراء الجديدة.

تركتهن وهن لم يتركنني …فلمبة عبقرينو قالت لي ..أذكر أنني قرات في مكان ما عبارة (أغدق المال على ابنتك لكيلا تحتاج ..واحرم ابنك من المال لكيلا ينحرف)..ولكن هل يصل الاغداق الى هذه الدرجة ؟؟ ان تبتاع لابنتك عربة وهي في السنوات الاولى من الجامعة ؟؟.

كثيرا ما اتساءل ماهي الحدود الفاصلة بين المعاملة الحسنة و(الدلع) ..ولماذا نجد انفسنا نحيط ابناءنا بسياج من الحرص يصل الى حد الافساد غير المتعمد؟؟؟ أعتقد ان الأمر يعزى الى ناحية ان هؤلاء الابناء قد نشاؤا في بيئة سلسة الحركة وسهلة المعيشة فنخاف عليهم من (الهوا الطاير) وننسى انه لتنشيط المناعة لابد من التعرض للمرض ولو بصورة خفيفة على طريقة الفاكسين .

اذا رجعنا بذاكرتنا الى الوراء لوجدنا انه لولا سنين التقشف في الجامعة و(دردرة) المواصلات و(مباصرة) المصاريف ..ولمة (الفتة والسخينة) لولا تلك الاشياء لما أصبحنا هاهنا ولما ازدحمت منحنيات الذاكرة بكل تلك التفاصيل الجميلة .

عندما ذهبت للدكتوراة في المانيا ..كل طلاب الجامعة الذين لم يتخرجوا بعد كانوا يعملون بدوام الساعات لتغطية مصاريف السكن والاعاشة ..هناك التقيت بمن يعمل في المطاعم ومن يعمل في مصانع السيارات وفي المقاهي ..شباب وشابات زي (الورد) ..اخذوا من الاوربيين جدية العمل ولا زالوا يحتفظون بعفة وكرامة السودانيين.

اعلم تماما ان اهل تلك الفتاة يريدون لها الخير وكذلك ان تتفرغ للدارسة ..فلا تقضي أغلب الوقت في المواصلات ..ولكن في المقابل ستتخرج بدون ان تختبر شيئا من الحياة العامة التي يعيشها بقية البشر… فالجامعة فترة مهمة لبناء الشخصية وتجهيزها لمصادمة الحياة ..فكلنا تعلمنا في الجامعة كيف نحافظ على المصاريف لنهاية الشهر خاصة نحن ابناء الأقاليم وقد اتينا الى الخرطوم في زمن لم تكن فيه التلفونات متاحة ولم تظهر الجوالات دعك من وسائل الاتصال الحديثة من واتساب وفيسبوك.

في ذلك الزمن لم يكن امامك اذا خلا جيبك من المال الا ان تتقاسم ما بحوزة زميل الغرفة الى حين ميسرة فتعلمنا كيف نحافظ على المال وعرفنا قيمة الاصدقاء والاخوان . لا أستطيع ان أسقط ما عشناه نحن وتعايشنا معه على ابناء هذا الجيل فكل زمن له اهله ولكني اهمس في اذن أخوتي واخواتي المغتربين ..دعوا ابناءكم يعيشون الحياة بتفاصيلها ..دعوهم يرتكبون المواصلات ويمتطون الركشة..ياكلون الفتة ويجهزون البوش…

دعوهم يعيشوا في السودان فهم سودانيين ..بعد ان كتبت هذا المقال ..وانا ابحث عن خاتمة له …سمعت سعدية النكدية تقول لي ( والله جنس حسادة عليك )…ولكني لم املك غير الابتسام ..ومن على البعد ادم يغني ( ما كنت دايرة أقولها ليك …لكن لسان الحال غلب)..وووصباحكم خير

د. ناهد قرناص


تعليق واحد

  1. الشغل وينو
    الخريجين جالسين عطالة ليهم عشرات السنين
    انت ما اظنك عندك دكتوراه ولا يحزنزن
    يالمناسبة اهلنا صار فيهم ناس كثيرين خرجوا برة الخط
    وفي حالة تسلل
    يعني الشغل ما موجود الا للكيزان الاصليين ليس النص كم
    مافي شغل مافي شغل العالم كله هجة
    تقارني المانيا بالسودن
    قومي لفي

  2. أصبحت من المتابعين لكتاباتك يا دكتورة لانها بصراحة هادفة ولغتك سلسة وجميلة تكاد تخلو من الأخطاء التي اصبحت السمة المميزة لكثير من
    الكتابات التي تنفر القرّاء في هذا الزمن وذلك بالرغم من ان أصل لسانك نوبي وربما هنا يكمن سر التجويد
    وفعلا ابناءنا الطلاب في حاجة الى العمل في اثناء عطلاتهم والاحتكاك مع الاخرين من غير مجتمع الطلاب لاكتساب الخبرة في الحياة وهذا الامر مهم للغاية واهميته لا تكمن في الحاجة الى المادة فقط ولكن للجاهزية والتأقلم مع الواقع بعد التخرج من الجامعات
    وفي الغرب كثير من الوظائف المؤقتة بتكون محجوزة للطلاب في عطلاتهم الصيفية

  3. [SIZE=5]وتجنيب الطبيخ المابتاكلو للطلاب الفقراء مر عليكم في ألمانيا زي طريقة الطلاب في فرنسا؟
    طبعاهو نوع من التكافل المتعارف عليه بين الطلاب .[/SIZE]

  4. يادكتوره اولادنا بيعملوا كل شى بس اتيحوا لهم فرصة القبول العام مش دى كلام الوزيره فى المؤتمر الصحفى تقول بالفم المليان المساله سياسيه وليس تعليميه فى قبول ابناء الشهاده العربيه . كيف لاندرى .

  5. [SIZE=4[HIGHLIGHT=#FFFF00]]يا أستاذة انتي ضربت مثالا لشريحة لا تساوي أكثر من خمسة في المائة (5%) من أبناء المغتربين بالجامعات، ولكن الغالبية منهم (يدافرون) في المواصلات ويشاركون في البوش، لأنو مصاريف الدراسة التي أجبرهم عليها نظام القبول لم ترك (لمعظمهم) هامش رفاهية.

    وبامكانك الذهاب لداخلية داؤود عبد اللطيلف وغيرها من الداخليات الكبيرة، عشان تشوفي كم عدد العربات التي تمتلكها الطالبات وكم عدد الحافلات والباصات والهايسات المخصصة للترحيل . وبامكانك أيضا، زيارة الشئون المالية بالجامعات المختلفة لتعرفي مدى تعثر أبناء المغتربين في سداد ما عليهم من رسوم دراسية. البنت اللي ضربت بيها مثل دي، زيها كتير من أبناء المواطنين غير المغتربين… وتعطيش الجيم الشين انتو ما بقيتوا (أهلو) برضو، بس (ما خايل !!)

    ما تتكلمي (ساكت)…. خلوا المغتربين في حالهم وشوفي ليك موضوع تاني ![/HIGHLIGHT]
    [/SIZE]

  6. والله يادكتوره جزاك الله خير وصيتك على العين والرأس لكن بصراحة اقول انا بقيت مدمن لقرأة كتاباتك لأني أشم فيها رائحة اهلنا فلا فض فوك ولا انقطعت كتاباتك الجميله التى تمثل لكثيرين غيري فنجال قهوة الصباح مع تحياتي وتقديري لك .

  7. أعجبني مقالك لأنّه يُلامس واقع كلّ انسان وفي كل مكان . أذكر أن البروفيسور ذات مرّه طلب منّا أن نتخيّل العالم بدون تكنولوجيا أو اماكن للتسوّق أو حتّي كهرباء. وأن الحياة ستكون علي الجمع والإلتقاط فكيف سيعيش كلٌ منّا وبالتفاصيل الدّقيقة.
    أنتي محقّه يجب أن نعوّد أبنائنا شظف العيش وأن نريهم الجانب الأخرمن الحياة. قطَعْتُ الشكّ للبروفيسور أنّني يمكن أن أحيا بدون هذه الأشياء وشرحت كيف .الحياه حُبْلَي بالمفجآتِ والغيبيات فلِما لا ؟.أمثلتي في المقال كانت أن شقيقتي متزوّجه من طبيب إختصاصي وأن لها أربعة من البنات والبنين ، إثنان منهم أطبّاء إثنان مهندسين .كلّهم يعرفون أن يغسلوا ملابسهم في الطست ويعدون وجباتهم بأيديهم إذا أحتاجوا لذلك ،عوّدتهم شقيقتي أيضاً الذهاب للسوق راجلين ويستطيع أي منهم أن يوقد لمبة الكيروسين. هم لا يحتاجون لذلك ولكن العلم بالشئ لايضروالإعداد للحياه وتقلبات الدّهر مهم. إذا تعافي السودان فسنجد حتّي طلاب الثانويات يقودون عرباتهم الخاصة.

  8. 99% من أبناء المغتربين يعيشون الحياة في السودان عادي جدا جدا ويرتكبون المواصلات ويمتطون الركشة ويمشون على الأقدام ” غبش ” وياكلون الفتة ويجهزون البوش والذين يشوهون صورة أبناء المغتربين هم قلة جدا جدا ” الدلع كان زمان أما الآن فالمغترب حاله ليس كحاله زمان والكل يعرف ذلك .. الإغتراب لمعظم السودانيين صار يادونب قدر العيشة ولو عندك ولد أو إثنين في الجامعات في السودان على النفقة الخاصة ديل مشكلة كبيرة شديد بالنسبة لهم وربنايعلم حالهم ” الإغتراب لم يعد كما في السابق ” وأولاد الغلبية العظمي من المغتربين لو ما صارواغبش لا يستطيعون العيش في السودان.