سعد الدين إبراهيم

سرادق العزاء الوطني


[JUSTIFY]
سرادق العزاء الوطني

دائماً كعادتنا نستقبل أعياد ذكرى استقلال السودان مثلما نستقبل العيد الكبير والعيد الصغير ببيت المتنبئ الشهير عيد بأية حال.. ورغم أنها حالة شخصية مرت بالمتنبئ.. كان يتباكى على مجد لم يحصله.. رغم عصاميته التي بدأها بائعاً للمياه ثم شاعر المماليك والملوك.. رغم أنه دسّ رؤاه الحكيمة والعميقة وسط هذا الركام وإن كنا لانتفق مع الشاعر الذي هجاه فقال:

أي فضل لشاعر يطلب الفضل من الناس بكرة وعشيا

عاش حيناً يبيع في الكوفة الماء وحيناً يبيع ماء المحيا

ركاكة الأبيات قياساً على رصانة شعر المتنبئ تجعلنا ندع الرجل في حاله ونواصل مثلما تستقبل الأعياد بالحزن والتباكي «عدت يا عيدي بدون زهور» كذلك نستقبل أعياد الاستقلال.. فبدلاًً من أن تكون مناسبة.. للعمل على الوصول للمفقود والضائع نجعلها مناسبة للرثاء على الذات وجلدها.. ونبث طنيناً من تهوين أمر الاستقلال.. إنه جاء بارداً.. وإننا لم نستقل حقيقة.. وإن الاستعمار خرج من الباب الأمامي ليدخل من الباب الخلفي.. لاتجد سوى الأغاني اليوم نرفع راية استقلالنا .. وياغريب بلدك أمشى لبلدك وسوق معاك ولدك.. وبدلاً أن نناقش حكاية ولد الاستعمار التي مازالت مغبشه.. نهرع إلى عمل بيت فراش.. ننوح على التنمية البعيدة المنال والميراث الثقيل للخيبات المتراكمة.

بعضنا يرى في الاستقلال مأزقاً فكأنه يستلف أبيات مسلم بن يزيد العدوي وهو شاعر مقل والأبيات قالها في خلافة المنصور:

حتى متى لا نرى عدلاً نُسَرُ به ولا نرى لولاة الحق أعوانا

مستمسكين بحق لانفارقه إذا تبدل أهل الجور ألوانا

ياللرجال لداءٍ لا دواء له وقائد ذي عمى يقتاد عميانا

وبعضنا يهتف في انكسار مع الشاعر الفلسطيني المعاصر«عبد اللطيف عقل»:

مر طعم قهوتنا.. ومر طعم صحبتنا.. وأول جملة في وجه دفترنا

تآمر واضع المبدأ على شرف المبادي..

إنني أدعو إلى رفع الفراش وإزالة سرادق العزاء الوطني في ذكرى الاستقلال.. أدعو أن ننظر إلى فوق فنجد السماء مليئة بالحب.. ونعمل على محاربة المستعمر الجديد.. لا أتحدث عن الغرب وآلياته أتحدث عن المستعمر الذي اجتاح سلوكنا ونفوسنا.. تمثل هذا المستعمر في نمو الروح الفردية والأنانية ورواج النزعة الانتهازية.. هذا مايجب أن نعلن عليه الحرب.. بيت البكاء الطويل هذا أنتج حالة من فقدان الثقة بالذات الفردية والجماعية.. هذا يجب أن نحاربه.. التواضع السلبي الذي يجعلنا نحس بالدونية إزاء الغرب.. هذا ما يجب أن نحاربه.. كذلك ما درجنا عليه من تبخيس للشخصية القومية.. انداح ذلك حتى على السلع فالمستورد أحسن علاوة على تراجع مصلحة الجماعة أمام مصلحة الفرد.. وغيرها وغيرها..

و لما كنا لا نرى اللوحة سوداء قاتمة السواد فإننا لا ندخل صيوان العزاء بل بيت اللعبة ونغني:

يا وطني جا الميلاد

يناير الوقاد

تسطع شموسو الغُر وتغازل الأولاد

أحلام زمان كانت بتداعب الأجداد

بيتنا الكبير يبقى مفتوح صَدُر كالنيل

الصحرا حاضنه الغابة والوادي شادي الحيل

للأجمل التغيير والجيل يسلم جيل

شجر المودة يقوم

والحب يلم القوم

حبات عقد منضُوم

الله على السودان

لو جا الغد المرسوم

نقول هذا وقد قامت سوق لتقديم الاستقالة من السودان.. أطباء .. أساتذة جامعات.. علماء.. موهوبون في الموسيقى والتشكيل والغناء كلهم يهاجرون.. ربما يهربون.. كيف نبقيهم إذا لم نكن نضع نقاطاً بيضاء على اللوحة السوداء.. ربما تكون نقاطاً بيضاء صغيرة وعندما نحدق فيها طويلاً نرى أنها تتسع وتمدد.. وتزيد رقعتها ويملأ الضوء المكان!
[/JUSTIFY]

الصباح..رباح – آخر لحظة
[EMAIL]akhirlahzasd@yahoo.com[/EMAIL]