تحقيقات وتقارير

التسول تكسب يمشي وفقاً لمنظومة ومعايير معلومة تسقط من جهلها الأسر


[JUSTIFY]ــ الرعاية الاجتماعية: شبكات منظمة لها فروع داخل السودان تستقبل المتسولين الأجانب وترتب أوضاعهم
ــ حبوب منشطة تضمن استيقاظ الأطفال المتسول بهم.. ووفاة أحدهم متأثراً بها قبيل إسعافه
ـــ (ديوان الزكاة) يتسبب في رجوع عدد كبير من المتسولين إلى الشارع
ـــ الشروع في إنشاء قسم شرطي خاص لمحاربة الظواهر السالبة
ـــ أمن المجتمع: يعاقب المتسول بنص المادة (10) من قانون النظام العام والأجانب بالإبعاد
خبيرة اجتماعية: هذه الأسباب تدفع بالطفل للشارع
لعل التسول من الظواهر الاجتماعية السالبة التي تعود عليها الناس وباتت مألوفة بالنسبة لهم رغم أنفهم، لكنها في الآونة الأخيرة تمددت بصورة لافتة واستحدثت طرقها وكيفية إخراجها، والمتأمل لذلك يكاد يجزم بأن التسول كأنما أصبح مهنة تدر الأموال إلى جيوب ممتهنيها، وثمة اعتقاد آخر يقول به الشارع العام أن هناك يداً وعقلاً مدبراً يقف خلف هؤلاء ويدعمهم وينظم صفوفهم، فأعداد المتسولين المنتشرين بالشوارع وبهذا النظام والترتيب والدقة في مواعيد الحضور والانصراف توحي بل تقطع دابر الشك بأن هذه ليست ظاهرة اجتماعية فحسب، بل مهنة تخضع لنظم وضوابط.
حنكة في الإقناع
فهؤلاء الأطفال لديهم حنكة وأسلوب في الإقناع لا يمكن أن يصدر عن من هم في سنهم إلا إذا كان هناك تدريب مسبق عليها، فالواحد منهم لا يتركك إلا وأنت مستجيب لطلبه ودافعاً لما فيه النصيب، ويتجلى إلحاحهم واضحاً في الملاحقة والدعوات التي أصبحت نغمة متداولة ومحفوظة (ربنا يعرس ليك البت السمحة الراكبة جنبك دي) أو (ربنا يديك عربية برادو)، وهذه الدعوة لا تتوقف إلا عند إدخال يدك في جيبك أو محفظتك والدفع على مضض ودون رغبة أو اقتناع، لكنك تشتري راحة بالك وسكينتك من هذه الموشحات المكررة والمزعجة، أيضاً هناك أطفال يضعونك أمام الأمر الواقع بتسلقهم ساقيك ويرفضون النزول إلا عند خروج محفظتك.
لكن المؤسف والمؤثر حقاً هو استخدام الأطفال حديثي السن والولادة في عملية التسول، ورغم اقتناع الكثيرين بأن الأمر لا يخلو من حبكة تمثيلية، لكنهم يدفعون علهم يدرأون عن هؤلاء ويجنبونهم حرارة الشمس اللاسعة، وما أفصحت عنه وزارة الرعاية والتنمية الاجتماعية عن هؤلاء في سياق التحقيق تشيب من فرط بشاعته الولدان.
تصنيف المتسولين
كان المجلس التشريعي في إحدى جلساته الأيام الماضية قد تحدث عن زيادة عدد المتسولين بالخرطوم، ولمعرفة الأسباب والمعالجات طرقنا الأبواب التي يمكن أن تبت في أمرهم، وأولها وزارة الرعاية والتنمية الاجتماعية باعتبارها الجهة الأقرب والمختصة.
مدير الرعاية الاجتماعية بالوزارة الأستاذة “حنان عبد الله عبد المولى” قالت إن عمل الوزارة يختص في المقام الأول بنشر عدد كبير من الاختصاصين الاجتماعيين في الشوارع والتنسيق مع شرطة النظام العام، ومكافحة الظواهر السالبة، وبعد أن تفلح الشرطة عبر حملاتها في القبض على المتسولين تقوم بتسليمهم للوزارة والتي بدورها خصصت لهم مركز (الرشاد)، حيث يقوم باستقبال وتصنيف المتسولين من سودانيين وأجانب وتختلف التدابير في حالة كل منهم.
فالسودانيون يقدم لهم المركز بالتعاون مع ديوان الزكاة (كيس الحق المعلوم) يحتوي على مواد تموينية وذرة، ويقوم بتدريبهم وتمليكهم مشاريع عبر محفظة التسول، وهذا كله بعد أن تتم دراسة أحوالهم الاجتماعية عبر زيارة ميدانية لأسرهم، حيث قامت الوزارة إلى الآن بتشغيل أعداد كبيرة منهم ويتم إيداع كبار السن في دور المسنين، أما الأجانب فتتم محاكمتهم وترحيلهم بعد ذلك بالتنسيق مع شرطة الأجانب وسفارات بلادهم، وقد تم ترحيل (98) متسولاً في العام 2013م، وهذا العام تم ترحيل (42) والآن هناك عدد في انتظار ترحيلهم.
شبكات منظمة
وعن زيادة عدد المتسولين الأجانب أوضحت “حنان” أنهم يفدون عبر شبكات منظمة لها فروع داخل السودان تقوم باستقبالهم وترتب أوضاعهم، كما تقوم هذه الشركات بإحضار أطفال غير مصطحبين، وهذا أسوأ عمل تقوم به لأن معظمهم في سن الرضاعة، ويوكل أمرهم لنساء كبيرات في السن ليتسولن بهم، والمؤسف أنه وللحد من بكاء هؤلاء الأطفال والحفِاظ عليهم مستيقظين يقومون بإعطائهم حبوب منشطة قد تسبب أمراضاً يصعب علاجها. وفي إحدى المرات استقبلنا بالمركز حالة مماثلة، إلا أن الطفل فارق الحياة قبل أن نقوم بإسعافه.
وأضافت مدير الرعاية الاجتماعية: أن نسبة المتسولين ترتفع في فترة (رمضان) باعتبار الصدقات والمتصدقين يكثرون فيه، أما الزيادة الحالية فعزتها لزيادة الأجانب بسبب عدم مراقبة الحدود ووضع ضوابط للدخول. وبالنسبة للسودانيين فبسبب توقف (ديوان الزكاة) عن دفع قيمة كيس (الحق المعلوم)، أيضاً فإن المبالغ التي خصصتها الوزارة للمتسولين لم توفرها في الفترة الماضية لحوالي شهرين أو أكثر ما أدى لرجوع عدد كبير للشارع لأنهم يعتمدون عليه بشكل أساسي، وأردفت “حنان” أن أية زيادة في عدد المتسولين تدل على أن ديوان الزكاة لا يقوم بعمله على أكمل وجه لأن رعاية المتسولين هي واجب بيت مال المسلمين لنص الآية (وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ).
قسم شرطة خاص
ومن دائرة الاختصاص بالشرطة جلست (المجهر) إلى رئيس فرع جنايات أمن المجتمع عقيد شرطة “محمد علي حسن” الذي عزى ظاهرة التسول إلى عدة أسباب أهمها الظروف الاقتصادية القاسية، إضافة لهجرة أهل الريف إلى المدن الكبيرة، وفقدان عدد كبير من المرضى وكبار السن للعائل، كما أن التفكك الأسري ساعد على زيادة الظاهرة.
وللحد من الظاهرة أوضح “محمد علي” أن شرطة أمن المجتمع خصصت شعبة كاملة لمحاربة الظواهر السالبة والآن بصدد ترفيعها إلى قسم منفصل، حيث يكون عملها بنظام الارتكازات بالتقاطعات التي يكثر بها المتسولون، بالإضافة إلى قيام حملات روتينية تقوم بها شرطة المرور قرب الأماكن التي يوجد بها عدد كبير منهم كالمستشفيات والصيدليات والمطاعم، وهي الأماكن التي ينجح المتسول في استدرار عطف الشارع بها.
وعن الإجراءات التي تتبعها الشرطة بعد الحملات قال عقيد “محمد” إنه يتم تقديمهم إلى محاكمات ويعاقبوا بنص المادة (10) من قانون النظام العام إلا أنهم في كثير من الأحوال يتعاطف معهم القاضي نسبة لظروفهم من إعاقة أو تقدم في العمر هذا بالنسبة للسودانيين، أما الأجانب فيتم فتح بلاغات تسول ودخول غير شرعي ضدهم، وتتم محاكمتهم بالإبعاد وترحيلهم إلى دولهم بالتنسيق مع شرطة الأجانب والسفارات على أن نسبة المتسولين مناصفة بين السودانيين والأجانب، وكل هذا سببه طيبة السودانيين.
أسباب التسول اجتماعياً
ومن جانبها قالت الخبيرة الاجتماعية “ثريا إبراهيم” للتسول أسباب كثيرة منها الفقر وتدني الوضع الاقتصادي لدى كثير من الأسر، حيث يتم استغلال الأطفال في التسول لمصلحة الأسرة، وبالتالي يصبح هؤلاء الأطفال خارج نطاق النظام التعليمي أو الفاقد التربوي ويحرم الطفل من حقه في التعليم، كذلك يمكن أن يتعرض الطفل للتحرش والاستغلال الجنسي خاصة وأن هؤلاء الأطفال يذهبون إلى مناطق خطرة للتسول، واستطردت: كذلك التفكك الأسري يساهم في عملية التسول حيث يصبح الطفل مهملاً ويفتقر لتوفير الحماية، لذلك يلجأ إلى التسول ليوفي احتياجاته الأساسية من المأكل والمشرب والملبس، ولفتت إلى أن ممارسة العنف ضد الأطفال من قبل الأسرة يجعل الطفل في حالة تسول مستمر يستعيض به عن الإشباع العاطفي.

تنويه
ونبهت “ثريا” إلى بعض التدابير اللازمة للحد من ظاهرة التسول اهتمام الدولة بشرائح الفقراء وكذلك دور المجتمع المدني من خلال توفير مشروعات لإدرار الدخل، كما دعت للاهتمام بالعمل الاجتماعي والنفسي من خلال كل المؤسسات والمجتمعات القاعدية للتخفيف من المشاكل التي يتعرض لها الأطفال في الأسرة من عنف وإهمال، كذلك نشر الوعي بحقوق الطفل لقطاعات المجتمع كافة وعدم استغلاله مهما كانت قسوة الظروف الاقتصادية.

المجهر السياسي
خ.ي[/JUSTIFY]