عبد اللطيف البوني

براغماتية وليست قبلية (2 )


[JUSTIFY]
براغماتية وليست قبلية (2 )

قلنا بالأمس إن قبائل جنوب السودان وتحديداً الدينكا والنوير ليس بينهما صراع موارد لكي يؤسس لحرب قبلية وإن الذي يجري الآن هو أن النخبة المتعلمة في القبيلتين استطاعت أن تكون لها مليشيات من أفراد متطلعين ومتفلتين من تلك القبائل لكي تصل بها للسلطة ومن تلك المليشيات تكون الجيش الشعبي لتحرير السودان الذي استلم السلطة على برميل من البترول من يد الخرطوم.
بيد أننا في نهاية المقال قلنا إنه ليس من المستبعد أن تتحول الحرب الجارية بسبب صراع السلطة إلى حرب قبليه حقيقية بمعنى أن يحمل الجميع السلاح ويصبح القتل على الهوية القبلية فمثلاً عندما اندلعت حرب الناصر بين رياك مشار وجون قرنق في 1991 لم تتوقف الحرب عند المليشيات المسلحة بل هجم مسلحو النوير على الدينكا الأبرياء ولم يتركوا لهم (نفاخ النار) وهجم مسلحو الدينكا على أي نويراوي في المنطقة ولم يسلم حتى الدجاج الذي يملكه كما ذكر مراسل صحفي غربي . هذه واحدة أما الثانية فقد جاء في أخبار اليومين الماضيين أن مليشيا نويراوية تابعة لتعبان دينق دخلت حقول البترول في ولاية الوحدة فتخيرت أبناء الدينكا وقتلتهم دون بقية العمال فهذه النماذج على قلتها توضح كيف يمكن أن تنحدر الأمور إلى حرب قبلية حقيقية.
الآن بدأ يعلو صوت داخل أبناء النوير في ولايات الشمال الجنوبي يقول إن البترول هو بترول النوير وليس بترول الجنوب وإن كان البترول ثروة قومية لماذا لم يكن للسودان ؟ فتخيل لو قيل لأي نويراوي عادي إن هذا البترول لك وحدك وإنك سوف تصبح أغنى من ناس الخليج أليس هذا دافعاً قوياً يجعله يحمل السلاح للدفاع عن ثروته المنهوبة ؟
إن ما يجري الآن في الجنوب صراع على السلطة بين نخب انتهازية استعملت القبلية كعامل تأجيج، ولكن عندما يصل الأمر إلى قاع القبيلة بالفعل فلن تسلم هذه النخب من الطوفان فسوف تختفي الدولة وتعود السطوة للعناصر التقليدية في القبيلة وسوف يلفظ المتعلمون لأن البناء العقلي الذي راهنوا عليه سوف ينتهي وتعود الأساطير والأعراف القديمة لتشكل العلاقة بين الناس . إن ما يفعله المثقفون الآن ليس خيانة للدولة والأمة فقط بل خيانة حتى للبنية العقلية التي كونتهم وجعلتهم يتقدمون الصفوف.
طبعا نحن نتكلم عن الجنوب لأن المناسبة هي التي دعتنا إلى ذلك ولكننا بأي حال من الأحوال لن نجهل أنفسنا في السودان القديم فالقبلية قد أطلت برأسها من جديد وأصبحت أداة لتقسيم السلطة ولكن عوامل كثيرة جعلت استغلال النخب الشمالية أقصد السودانية للعامل القبلي أقل خشونة في بعض أقاليم السودان ولكن المؤكد أن بروز القبلية الآن على واجهة الدولة أهدر الكثير من القيم ومن فرص النهوض فإذن يا جماعة الخير السبب في ظهور القبلية في كلا السودانين-الاثنين- هو صراع على السلطة فلو كانت السلطة في أي من البلدين تقوم على العدل والعقل والدولة فيهما دولة مؤسسات و دولة قانون لما اصطرع عليها القوم فمن فضلكم إذا أردتم أن تتجاوزوا القبلية ومحنها عليكم بإصلاح السلطة وجعلها قائمة على الحق والعدل والمساواة وبلاش الخير والجمال لانهما ترف.

حاطب ليل – صحيفة السوداني [/JUSTIFY]