رأي ومقالات

الصادق الرزيقي : حماية الصحافيين


[JUSTIFY]يوم طويل ومرهق ومفيد، قضاه عدد من الصحافيين من مائة دولة في حلقة نقاش امتدت لساعات في المنتدى العالمي لحقوق الإنسان بمدينة مراكش المغربية أول من أمس، وكانت حلقة النقاش والمدارسة الموضوعاتية كما يقول الإخوة المغاربة، عن حماية الصحافيين والإفلات من العقاب، أكثر من خمسة عشر متحدثاً رئيساً من روسيا والبرازيل والبرتغال والولايات المتحدة وإيرلندا ومصر وتونس والسودان والكنغو الديمقراطية والصومال واليابان وأندونيسيا وتركيا وفرنسا والمغرب، عرضوا من المنصة الرئيسة وابتدروا الحوار والنقاش حول قضية مهمة للغاية عن حماية الصحافيين وحقهم في ممارسة عملهم بأمان واطمئنان بعيداً عن العنف والقتل والاغتيال والخطف والتهديد والاعتقال، وكل ما من شأنه إعاقة وصول المعلومات للمجتمع، والقيام بالدور الوظيفي للصحافة التي تعد معبر المجتمعات نحو الحقيقة.

> وخلصت الجلسة الطويلة التي خاطبها مصطفى الهلفي وزير الاتصال المغربي وهو شاب ناضج وصحافي ظل ممارساً للمهنة حتى لحظة تعيينه وزيراً، خلصت إلى إعلان مراكش حول الحماية الصحفية وعدم الإفلات من العقاب.
> ويواجه الصحافيون في كل العالم أخطاراً وتحدياتٍ باهظة الكلفة أقلها دفع حياتهم ثمناً لما يقومون به، فحسب تقرير اليونسكو والأمم المتحدة الذي قدم أمام الجلسة الطويلة للمدارسة، فإنه تم قتل «103» صحافيين في العالم حتى هذا الشهر من عام 2014م، مقابل بضع وتسعين وأعداد قريبة من هذا العدد في الأعوام التي سبقته، ويحدد التقرير الأممي الأقطار الأكثر خطورةً على حياة الصحافيين، وهي سوريا والعراق والصومال وإفريقيا الوسطى وفلسطين وليبيا وباكستان وأفغانستان، وتتمثل الأخطار التي تتوجب حماية الصحافيين منها في حوادث القتل المباشر أثناء تغطية العمليات العسكرية في ميادين القتال أو حالات قمع السلطات والأجهزة الأمنية والشرطة التظاهرات وفض الاعتصامات، ثم التعذيب أثناء الاعتقال أو الخطف والقتل بواسطة العصابات والمجموعات المسلحة ومافيا الجرائم المنظمة وأصحاب المصالح الذين يتماهون مع السلطات الفاسدة في العالم.

> ولا يوجد فرق بين دول العالم من عالمنا الثالث إلى العالم المتقدم، فأخطر إفادة قدمها السيد لاري غولدبيتر ممثل اتحاد الصحافيين الأمريكيين، تناول فيها ما تقوم به الحكومة الأمريكية تجاه الحقيقة والصحافيين من مراقبتهم والتنصت على هواتفهم وهواتف بيوتهم وعائلاتهم والبريد الالكتروني لكل منهم، والجدل المحتدم حول حماية مصادر المعلومات في الولايات المتحدة، والتعديلات التي يتلكأ الكونغرس في إقرارها على بعض القوانين والتشريعات المتعلقة بهذا الشأن، وحالات العنف التي يتعرضون لها داخل البلد الذي يدعي أنه جنة الديمقراطية والحرية في العالم، وذهب شيمس جولي رئيس اتحاد الصحافيين في إيرلندا إلى ذات الشيء من حيث خضوع الصحافيين لضغوط كثيفة في أداء عملهم، ووجود خطوط حمراء في الدول الديمقراطية تمنعهم من ممارسة حقهم الطبيعي في تقديم المعلومات للمجتمع، خاصة قضايا الإرهاب والملفات الحساسة مثل احتلال العراق وأفغانستان والأسرار وراء تلك الحروب، أو انتقاد الممارسات الوحشية لإسرائيل مع الفلسطينيين. وذكر عضو المكتب التنفيذي للصحافيين الروس تيمور شارييف وهو يمثل «30» ألف صحافي في روسيا، أن عمليات القتل والخطف والسجن تواجه الصحافيين الروس بشكل منظم من المافيا أو السلطات المحلية، وخلال العشرين سنة الأخيرة قتل في روسيا وحدها «300» ألف صحافي.

> وذات المعلومات والصور المزرية ذكرها صحافيون من الأرجنتين والبرازيل والبرتغال وفرنسا التي تشهد اليوم الأحد أكبر مسيرة احتجاج بتشريد ألفي صحافي من وظائفهم في مؤسسات صحفية رسمية وخاصة، أما الحالة الراهنة في الوطن العربي فقد تناولها عدد من المتحدثين، وذهب عدد كبير منهم إلى محاكمة الأنظمة السياسية الحاكمة وتجاوزاتها في انتهاك حقوق الصحافيين والتضييق عليهم واستخدام الإجراءات الاستثنائية ضدهم، غير أن المطالبة بسن التشريعات والقوانين التي تصون الحرية والوصول إلى المعلومات والانتفاع منها وتلكؤ الحكومات في الوفاء بها كان القاسم المشترك بين كل الصحافيين الدوليين المجتمعين في مراكش.
> واللافت أن الحالات التي قدمت كنماذج من مناطق مختلفة كانت متطابقة خاصة حالات الخطف والقتل، فملاحقة المجرمين وتقديمهم للعدالة والاقتصاص منهم وعدم الإفلات من العقاب، والعمل على توفير الحماية الكافية للصحافيين في مواجهة الأخطار، كان هدف اللقاء والتشاور.. ووجدت قضية مقتل الشهيد محمد طه محمد أحمد في عام 2006م وتضامن الوسط الصحفي السوداني وراء هذه القضية وإطلاع الرأي العام وراءها اهتماماً من كونها أنموذجاً لحالات الوعي والمساهمة في سرعة القبض على الجناة ومحاكمتهم.

> ويتضح من تزايد اهتمام الاتحاد الدولي للصحافيين والاتحادات والنقابات والجمعيات الصحفية من بقاع العالم المختلفة، أن دور الصحافة في تعريفاتها الحديثة التي تشمل كل وسائل الإعلام والإعلام الجديد، يتطلب سياجات من التشريعات والقوانين وتدابير عديدة تعزز هذا الدور وزيادة مناسيب الوعي لدى الرأي العام بأن الصحافة هي مصدره للمعلومات والبيانات والحقائق، فحمايتها هي حماية حقه الطبيعي في أن يعرف ويطلع ويكون داخل إطار الصورة وليس خارجها.. فلا وجود لصحافة على الإطلاق في أجواء الخوف والقهر والبطش والترهيب .

صحيفة الإنتباهة
ت.أ[/JUSTIFY]