هيثم صديق

الذكرى الثانية لموتي


[JUSTIFY]
الذكرى الثانية لموتي

إذا كان:

لا يعرف الحب إلا من يكابده

ولا الصبابة إلا من يعانيها

فلا يعرفن أحد الحزن الحقيقي إلا من يزلزله..

كنت ظلا لشمسه فلما توارت تواريت. كان الموت قبله ليس كما كان بعده ولا تفه الدنيا.. مغرورا كنت تحت جناحه فلما مضى انكسر مني الجناح فصرت كزرزور مريض (يتلب) من ظل إلى ظل..

قبل عامين في مثل هذا التاريخ مات والدي ومنذ عامين لاحت لي الحياة غير ما كنت أعرف.. تبدلت قناعات وصارت الدنيا التي كنت أحياها مستمتعا أداء واجب..

علاقة البكر بالأب لا يعرفها إلا البكر والوالد لما تبدأ بأول فرحة وتصل إلى الصداقة والتشبه والتشابه وتجنب الشبهات..

كنت أول فرحة له.. وكان أفجع أحزاني.

عرفت من بعده اليتم وذقت الفراغ. ترك على كتفي أحمالا لا أقوى عليها

حللت عند إخواني مكانه وأنا أبعد عن مكانته بعد المغربين والمشرقين فما أطلني من بعده صباح وما كفكف لي الليل دمع..

مضى عامان بالتمام لم استطع أن أزور قبره وقد مات من الأهل والأصحاب من مات أودع الجنازة حتى العربة وأغبطها أن ستجاور من أوصيت أن يضع شاهدا على قبره عسى أن يكرمني الله بجواره..

عامان قد مضيا وهو أشد حضورا في القلب والخاطر والدروب والحجرات والمسجد والمنابر.

يتهيأ لي صوته وأنا على سريري فأهب لألبي النداء وأسمع صفقة استئذانه فأكاد أهتف: “تفضل” ويلوح لي أنه ينادي ولدي: (يا كريستا) لما يدلع الحفيد نفسه بكريستيانو ويهب الجد حفيده ما يتمنى.

قال لي يوما إنه قد حلم أنه سيموت بعد أن يؤدي عمرة أخيرة وكان قد حج من قبل واعتمر فقلت له: بل هي أضغاث أحلام.. فما لبث بعد العمرة إلا قليلا ولوح بالوداع..

من فضل الله عليّ أنه قد مهد لرحيله برقاد طويل وكان يتناقص كل يوم مما سهل علينا تقبل غيابه..

ولا زلت أحتفظ بكارت المرافقة الأخير له في مستشفى بست كير وسأحتفظ به حتى يفرق بيني وبينه ما فرق بيننا..

أحكي أوجاعي لأنني احتاج أن أبكي على أكتافكم هنيهة قبلما أبلع دموعي وارسم ابتسامتي الحزينة وضحكتي الكذوب وأذوب في إيقاع الحياة المحموم نهارا وألتقي طيفه في الأمسيات لما الناس تهجد تنوم..

[/JUSTIFY]

هتش – صحيفة اليوم التالي