جعفر عباس

مِهن ومِحَن (2)


[JUSTIFY]
مِهن ومِحَن (2)

عملت في نحو سبع مهن مختلفة منذ ما قبل وما بعد تأهلي لدخول الحياة العملية مسلحا ببكالوريوس آداب، ولكن الحياة وتصاريفها جعلتني أحتكّ بأصحاب معظم المهن المعروفة في منطقتنا (وبالتالي ليس من بينها مجالات الصواريخ والمركبات الفضائية والتي مازال بعضنا يعتقد أن كل ما يقال عنها من باب الخيال العلمي، ولا يكاد يمر عام من دون أن ألتقي شخصا يقول إن نزول الأمريكان على القمر أكذوبة، وحتى لو لم يكن أكذوبة وكرروا المحاولة فقد تنتهي المحاولة بمأساة إذا كان القمر هلالا لحظة محاولة رجال الفضاء الهبوط عليه).
وبحمد الله فإنني راض بما قسم الله لي من قدرات محدودة، لأنها على محدوديتها أعانتني على العثور على عمل كريم يكفل لي العيش الكريم مهما تغيّر موقع العمل ومسمى الوظائف التي أسندت إليّ، وتحريا للدقة أقول إن تلك القدرات محدودة لأنني أفتقر الى المهارات اليدوية، يعني لا أحسن أداء أي عمل يتطلب استخدام اليدين والمخ في نفس الوقت.. يعني لو درست الميكانيكا عشرين سنة لما أفلحت في إصلاح دراجة مقبضها معوج، وحتى عهد قريب كنت أستدعي فني كهرباء كلما انقطع التيار الكهربائي عن بيتي، ويا ما تعرضت لنظرات الاستهجان والاستخفاف عندما يقوم الفني بفتح صندوق توزيع الكهرباء ويحرك زرا صغيرا بإصبعه فيعود التيار إلى البيت، وبعد مواقف كثيرة بايخة ومحرجة عرفت بأمر الفيوزات ودورها في توصيل الكهرباء، وأعرف أن غالبية بني العرب بتوع الشهادات خائبون مثلي في مجال المهارات اليدوية، لأن النظام التعليمي في بلادنا يهدف إلى إنتاج موظفي مكاتب لا يعرفون سوى استخدام الورق والقلم (وربما الكمبيوتر في السنوات الأخيرة)، ولا يزودنا بأي مهارات يدوية بل يغرس فينا الاستعلاء على من يستخدمون أيديهم وعضلاتهم لكسب قوتهم (الغريب في الأمر أن المتعلمين بتوع المدارس والمتبكلرسين والمتجاسترين والمتدكترين – حملة البكالريوس والماجستير والدكتوراه – يكنون احتراما شديدا لمن يستخدمون أرجلهم وأقدامهم لكسب العيش: لاعبي كرة القدم).
وبحمد الله أيضا فإنني لست من الفئة التي تمارس الاستعلاء المهني حتى مع خادمات المنازل، بل كلما أتيحت لي الفرصة أجلس وأراقب السباك وهو يصلح ماسورة سائبة وميكانيكي السيارات وهو يستخدم الكماشة والمفك لدقائق هنا وهناك فتئز السيارة وتزأر بعد عودة الروح إليها، وأتحسر لأنني أعجز حتى عن تشغيل هاتف ذكي جديد ما لم يقبل أحد عيالي بتقديم دروس خصوصية لي نظير «رشوة»، وقبل أكثر من عام اشتريت جهازا كهربائيا ضخما وفخما لإعداد عصير الفواكه الطازج، وأمضيت أسبوعا كاملا وأنا أحاول تجميع مكوناته مستعينا بالكتالوج الذي يوضح طريقة التجميع خطوة بخطوة، وقمت بإعادة وضع الجهاز في صندوقه بانتظار قدوم فاعل خير يتولى تركيبه وتشغيله.. وما زال الجهاز في صندوقه.. حد يشتري؟

[/JUSTIFY]

جعفر عباس
[email]jafabbas19@gmail.com[/email]