جمال علي حسن

مغادرة “لوفتهانزا”.. لعنة العزلة


[JUSTIFY]
مغادرة “لوفتهانزا”.. لعنة العزلة

حين اشتدت عزلة السودان عن العالم بسبب الحصار والعقوبات الاقتصادية والتجارية كنت لا تكاد تجد سلعة أوروبية تباع في السوق لا دواء أمريكيا أو أوروبيا ولا لافتة لأحد مطاعم الوجبات العالمية ولا حتى قطعة ملابس أوروبية أو غربية أو أمريكية تباع في السودان.. لا أي شيء إطلاقا برائحة أو طعم أوروبي أو أمريكي.. لقد أطفأ متجر أوروبا مصابيحه وانصرف مغادرا إلى غير رجعة..
وبالفعل اعتدنا على أن نمارس حياتنا (خالي) أوروبا وأمريكا في العشرين عاما الماضية حتى إن جيلا من الشباب لم يجعله هذا الحرمان زاهدا في ما تنتجه أوروبا بل وبالعكس تماما تحولت المنتجات الأوروبية إلى عقدة عند الكثيرين وتزايدت الرغبة في تحقيق الحلم الأوروبي في نفوسهم حتى إن من يجد دربا يمكنه من الدخول إلى أوروبا أو أمريكا لا يكاد يفكر في العودة إلى السودان مرة أخرى وهذه نتيجة سلبية للعزلة.. حيث إنها تسببت في تكوين رغبة غير عادية عند الكثيرين في الارتباط بأوروبا وأمريكا وتضخم الحلم الأمريكي بدلا عن ما يتخيله بعض السياسيين الذين يفتقدون للعمق في التفكير ويظنون بسطحيتهم أن العزلة عن الغرب شكلت حماية لشبابنا في السودان..!!
وحتى منتصف التسعينيات كانت هناك علامتان تجاريتان عالميتان أو ثلاث نسيها الغرب في بلادنا إحداها علامة فندق مريديان التي تم إنزالها من واجهة الفندق بشارع القصر قبل سنوات بأمر القاضي وبعد مشوار مع المحاكم بين مالكي العلامة العالمية الفرنسية والشركة المالكة للفندق في السودان..
وكذلك هيلتون الفندق العريق المميز في ملتقى النيلين صبرت علامته في الخرطوم على سيل العزلة الجارف سنوات حتى تم سحبها هي الأخرى..
الغرب ينزع أوراقه من كراسة بلادنا ورقة تلو الأخرى، وما يذهب لا يأتي وما بقي فهو ينتظر موعد الذهاب والمغادرة في طابور قصير لم يتبق فيه سوى (نمرة أو نمرتين)..!!
بعد المقاطعة والعقوبات التي فقدنا بسببها الكثير تأتي أسباب أخرى تأخذ منا ما تبقى من مظاهر لعلامات عالمية في أرض وسماء بلادنا مثل ارتفاع تكلفة التعامل معنا.. التعامل معنا فعلا يكلفهم الكثير!!
الأحد القادم تسير شركة لوفتهانزا الألمانية آخر رحلاتها إلى السودان بعد خدمة استمرت 51 عاماً وقبلها في العام الماضي أوقفت الخطوط الهولندية رحلاتها بين أمستردام والخرطوم.. تلك ضربات موجعة ومؤثرة ظل يتلقاها قطاع الطيران المتراجع أصلا بسبب عدم الوعي والإدراك لأهمية تلبية متطلبات هذا القطاع في حدها الذي يتناسب مع الشروط والمعايير الدولية..
كيف نتصور أن تستمر رحلات شركات مثل لوفتهانزا و(كي ال ام) والخطوط البريطانية وغيرها والأخبار تتحدث الأيام الماضية عن انعدام وقود الطائرات بمطار الخرطوم..؟
كيف نتصور زيارة خطوط عالمية لمطاراتنا ووزير المالية السابق كان قد رفض التصديق لـ(الرغوة) التي تستخدم للطوارئ باعتبار أنها غير مهمة حتى تدخلت أطراف أخرى نافذة للتصديق على ميزانية (الرغوة) وكان أول احتياجات الضرورة عقب إحضار (الرغوة) بوقت قصير في ذلك الهبوط الاضطراري لطائرة الفوكرز السودانية بمطار الخرطوم وإنقاذ حياة 45 راكبا..
(الخواجات) يدققون في كل هذا التاريخ الطويل والواقع المرير قبل أن يقرروا شيئا وتهمهم كل تفاصيل وشروط السلامة ويهمهم الوقت وتهمهم جودة وإتقان عملهم وعمل من يتعاملون معهم.

[/JUSTIFY]

جنة الشوك – صحيفة اليوم التالي