رأي ومقالات

الصادق الرزيقي : القمة الأفريقية.. وفخ بوكو حرام ..!


هل وقع الاتحاد الأفريقي في الفخ.. أم أن القادة الأفارقة تركوا كل القضايا الحقيقية في القارة والصراعات الدامية والحروب، وصوَّبوا سهامهم فقط لمحاربة جماعة (بوكو حرام) في نيجيريا وتمدد نشاطاتها في الكاميرون وعلى حدود تشاد؟. من حق القمة الأفريقية الحالية المُنعقدة في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، أن تدرج التعامل مع هذه الجماعة المتطرِّفة في مقدمة الأولويات، وأن تُعلن عن تشكيل قوة عسكرية قوامها سبعة آلاف جندي من دول الغرب الأفريقي لمواجهتها، ولكن هذه ليست هي الأولوية المُلحَّة في القارة من بين القضايا التي تعصف بالأمن والاستقرار.. فما السبب؟..
> لا تُخطئ عين، أن الحرب على ما يُسمى بالإرهاب، صار (موضة) عالمية، وأصبح تعريف الإرهاب في المفهوم الغربي هو السائد، وصار التطرُّف والإرهاب لا يُلصق إلا بالجماعات الإسلامية دون غيرها من المجموعات الأخرى التي تمتلئ بها فجاج العالم، سواء أكانت في الولايات المتحدة الأمريكية أم أوروبا أم القارة الأفريقية التي أثخنت جسدها الصراعات والحروب والجماعات المتمردة والحركات المسلحة.

> ولم تبدأ المشكلة في الغرب الأفريقي في العام 2002م، وهي السنة التي ظهرت فيها لأول مرة مجموعة من الطلاب الذين تركوا قاعات الدرس واستمعوا لمواطن نيجيري زَعَم بأنه قادم من أفغانستان يُسمى محمد يوسف، (قُتل في 2009م) في قرية (كاناما) بولاية (يوبا) شمال شرقي نيجيريا يدعو باسم جماعة أهل السنة للدعوة والجهاد إلى ضرورة مقاطعة التعليم على النسق والنظم الغربية. وواجهت الحركة قوات الشرطة والأمن في نيجيريا، ووصمت من البداية بأنها امتداد لحركة طالبان الأفغانية، ولم تتأكد أية روابط وصلات تجمع بينهما سوى التشابُّه في الأفكار والطرح والأسلوب وطبيعة التكوين الذي يُعتمد على طلاب المدارس والكليات.
> هذه الحركة التي كانت محدودة في مجال نشاطها ومحصورة في حيز ضيق في نيجريا، خرجت للعلن بقوة، وساهمت جهات غربية في انتشار اسمها واشتهارها، ولم تنفِ تقارير غربية أن (بوكو حرام) ربما تكون هي صنيعة لمخابرات غربية بالرغم من عدم وجود ما يؤكد هذا القول عملياً حتى اللحظة.
> لكن القمة الأفريقية اليوم، وجدت (بوكو حرام) هي الهدف الأسمى لاهتمامها، وتصدَّر هذا الملف مداولاتها، وتم اتخاذ قرارات بشأنها. فالملاحظ أن القادة الأفارقة اتخذوا ذات الأسلوب الغربي في معالجة ظواهر التطرُّف، وهو المعالجة الأمنية، مثلما فعلت فرنسا في الأزمة شمال مالي مع حركة (أزواد) والمجموعات المتهمة بأنها جزء من تنظيم القاعدة في الصحراء الكبرى ودول الساحل الأفريقي.
> فالأساليب الغربية التي تقوم على الحملات العسكرية، ستُفاقم من الأزمات، ولن تُسهم في حلها. فالمطلوب من القمة الأفريقية ودول القارة معالجة الأسباب والمحاضن التي تولِّد مثل هذه المجموعات وتقلِّل من خطرها وتقود الى اضمحلال دورها وآثارها.

> فالقضية ليست هي سبعة آلاف جندي أفريقي وتنسيق عسكري لمواجهة (بوكو حرام)، لكنها في ضرورة اتخاذ سياسات وتوجُّهات تجفف ينابيع هذه المجموعات، وتخفِّف من دوافعها في مواجهة الأنظمة الحاكمة في دولها، ومحاربة مجتمعاتها. فالتخلُّف التنموي والاختلال الاقتصادي وغياب الحكم الرشيد وانتشار الفساد وسيطرة النُّخب السياسية الفاسدة على مقاليد السلطة وتفشي الفقر وعجز الحكومات الأفريقية عن محاربته والحد من غلوائه، هي التي تُشكِّل العوامل المساعدة على نشوء وتعدد وتكاثر هذه الحركات.
> فلابد من معالجات تتصل بالإصلاحات الدقيقة والعميقة للسياسات الاجتماعية بكل أنواعها في التنمية ومكافحة الفقرر وترسيخ مفاهيم التطوُّر السياسي وتعزيز الديمقراطية وتوسيع مظلة المشاركة السياسية في الحكم، واتباع نُظُم جديدة في نشر الوعي المجتمعي بقضايا التنمية الخدمية والحوار ونزاهة الحكم والشفافية. فهذه هي الوسائل الوحيدة لمواجهة خطر التطرُّف في أفريقيا، فلن تستطيع أية قوة عسكرية مهما كانت من استئصال شأفة ما يُسمى بالتطرُّف. فالتجربة الأمريكية في أفغانستان لم تُحقِّق الهدف حتى بعد احتلال البلد لأكثر من ثلاثة عشر عاماً. وما حدث في العراق وما يجري في سوريا وليبيا ومناطق عديدة في العالم..

> والسبب في فشل المعالجات الأمنية التي تتخذ النموذج الغربي.
> إن القوة العسكرية لا تواجِّه هدفاً عسكرياً محدداً، بل تواجِّه حالة اجتماعية. فأخطر ما في الحروب والعمليات المسلحة، أن تتحوَّل الحرب الى حالة اجتماعية متغلغلة في نسيج المجتمع واعتقاداته الدينية ورؤاه السياسية..
> وفي تقديرنا إن القادة الأفارقة لابد لهم من طريق ثالث.. وحتى الاهتداء الى هذا الطريق الثالث واستعمال الحكمة والتقاليد الأفريقية الصميمة لمواجهة مثل حركة (بوكو حرام)، ننتظر منهم ترتيب الأولويات، فالعدو هو الفقر والجهل والمرض، فمرض إيبولا حصد من الأرواح أضعافاً من ما قتلتهم بوكو حرام. ومرض الإيدز يفتك بالأفارقة وآخر إحصائية تقول إن ثلاثة من بين عشرة أشخاص مصابين بالإيدر في أكثر من «35» بلداً أفريقياً، أي مئات الملايين من الأفارقة يواجهون خطر الموت بالإيدز والإيبولا والبلهارسيا والملاريا والسل الرئوي وفيروس الكبد الوبائي والحمى الصفراء.. دعك عن الصراعات الدامية في دولة جنوب السودان وأفريقيا الوسطى والصومال ومناطق في بلادنا وشرق الكونغو وشمال أوغندا!..

صحيفة الإنتباهة