سياسية

سلفا ومشار «400» يوم من الحرب


ماذا جنى الجنوبيون من الانفصال؟!..«الإنتباهة» تنشر صوراً حديثةً لمعارك الجنوب ..رجال قادوا الجنوبيين إلى الجحيم:

هيثم عثمان:

تقلبت وضعية الجنوبيين بين كفتي الرحى، الأولى بالاستمرار في الحرب إلى ما لا نهاية.. أو وضع البندقية على الأرض والركون للسلام والتوافق، المسألة الأصعب التي تجري الآن، فبموت د. قرنق تصلبت شرايين الحركة الشعبية وتاهت بين صراعات الطامحين ونكبات السياسيين وأطماع الآخرين في الجلوس على كرسي رئاسة الحركة التي تفرقت إلى مذاهب شتى، وفاضت عمليات الخروج من الباب مباشرة لعدد من القيادات التاريخية، بعضها عاد لاحقاً.. والبعض ما زال يرتوي من ماء الابتعاد بعد موت الزعيم.
الثورة التي يراها أبناء النوير تدور الآن على الرئيس سلفا كير، لربما هي عند الآخرين بالجنوب تصفية حسابات قديمة منذ ثمانينيات القرن الماضي. لتنتقل حمى الخلافات والانشقاقات السياسية إلى المجتمع الجنوبي نفسه، وتنتقل عدوى تلك الخلافات إلى كل مستويات المجتمع بمختلف أطيافه، وباتت الحكاية أقرب إلى الصراع القبلي المخفي تحت ستار الخلاف السياسي والمعلن بفواتير الخلافات السابقة.
ومنذ إعلان انفصال جنوب السودان ومن يراقبون أوضاع الدولة الجديدة بمنظار التحليل، بانت لهم ملامح المستقبل الدموي للدولة وفق معضلة التمثيل السياسي في دولة جنوب السودان، وكارثة استيعاب المجموعات الإثنية المختلفة بأجهزة الدولة، ومع تلك المعضلات الواضحة التي قرر كثير من «المنظرين» إقصاءها بحجة أن التجرية التي خضع لها الجنوبيون إبان الفترة الانتقالية كافية لقيادة وبناء دولة جديدة. أطلت الحرب تمد لسانها من جديد لهم وتابطقت في الأثناء روايات يحكي عنها الجنوبيون أنفسهم إبان ما يسموه فترة النضال في الغابة والتي شهدت معارك «مكتومة» مثل التي تدور اليوم في العلن. فتحت أبواباً مثيرة من الخلافات والحرب بين عدة جهات داخل الحركة الشعبية نفسها، مما أوقع كثيراً من الانشقاقات والتكتلات التي خلقت عدداً من المليشيات المسلحة.

(1)
«إن قلَّبت العملة المعدنية ستجد أن لها وجهين مختلفين لكنها كتلة واحدة تحقق بوجهيها المختلفين ذات الأهداف والمواقف»، هي حالة توصيف لأحد المثقفين الجنوبيين التقيته في جوبا قبل أعوام مضت، يصف حال رجال الدولة ببلاده، المثقف الذي أودت الحرب بحياته ويدعى وليم لم يزر جنوب السودان منذ مولده وانتقل لبلده عقب الإعلان عن الانفصال حاله كحال كثير من الجنوبيين الذين انتقلوا تحت رايات الاستقلال إلى بلادهم يجهلون حتى طرقها ولم يروها طوال حياتهم. وليم الصغير أو كما يحلو أن يطلق عليه بعض المقربين منه ذاك اللقب، مات وهو في الـ«83» من عمره. أحب لقبه الجديد باعتبار أن وليم صاحب «الدولة» الجديدة عاش بها «3» سنوات ونيف فقط لذا فضل أن يطلق عليه ذاك اللقب « وليم الصغير» بحسبان أن سنوات عمره بدأت عنده بإعلان ما كان يسميه الاستقلال. وله وصف دقيق لكل القيادات الجنوبية كأنما عاش معهم وتقصى أفكارهم وقلوبهم، حكى لي أن سلفا كير ومشار اللذين يمثلان في ذلك الوقت الرئيس ونائبه هما «رجال حرب» أمضوا حياتهم في معترك الحرب والغابة والمقاومة والقتال، ورغم أن وليم تنبأ بهذا المستقبل لدولته الجديدة باشتعال الحرب بين القائدين، إلا أن الكثير مما قاله لا يصلح للنشر هنا، أو ربما تكون قصة ورواية يقرؤها من سردها له وليم في مخيلته لوحده عن مستقبل أسوأ لدولة جنوب السودان وفق تحليلاته التي ربما تصيب وربما تارة أخرى تخيب.
(2)
«2010» توقعت وكالة المخابرات المركزية الأمريكية الـر «سي آي إيه» احتمالات أعمال عنف وقتل جماعي وحرب إبادة بدولة جنوب السودان. التقرير أوضح نية أبناء جيش النوير «الجيش الأبيض» في قيادة حرب ضد المورلي، ورغم اشتداد المواجهات في ذلك الوقت بين النوير والمورلي إلا أن هناك حرباً كانت تعد على نار هادئة بين قبيلتي النوير والدينكا اللتين تمثلان أكبر ثقلين قبليين في جنوب السودان. وبالفعل مضت السنوات الثلاث وجاء العام «2013»، وأحكمت الخلافات السياسية الخناق على مسرح الحرب الفعلية بين القبيلتين، وأعد كل طرف قواته وحضر أسلحته لمعركة أمرها غريب، فكل طرف فضل انتظار الآخر لإطلاق أول رصاصة للمضي فيها والانتقال إلى المواجهة، كأنما كل طرف يخشى التعرض للاتهام بافتعال الحرب، وهو ما ظل زعيم المعارضة الجنوبية يتهم به الرئيس سلفا كير.
(3)
ليلة 14 ديسمبر 2013 وقائد الخدمة بمبنى الحرس الرئاسي في جوبا يجري طوافاً ليلاً روتينياً لتفقد مواقع الخدمة والجنود، تنطلق الرشاشات لتحصد مجموعة ترابط على البوابة الأمامية وتدخل قوة من ذات القوات «قوات التايغر» على ظهر سيارات دفع رباعية، وتطلب من الخدمة تسليم أسلحتها وتسليم المبنى لدواعي أمنية طارئة، والقوة الأخرى من ذاك الجانب ترفض وتمتد اليد لفتح حمام الدم ليدلف الجميع إلى هناك.. وتنطلق الحرب في دولة جنوب السودان.
(4)
صباحاً تنطلق مجموعات من القوات الخاصة لاعتقال مئات من القيادات الجنوبية، من بينها قيادات من الوزن الثقيل، وتعلن السلطات منتصف النهار إحباطها محاولة انقلابية يقودها مشار الذي اختفى تماماً برفقة والي الوحدة السابق تعبان دينق، ومضوا إلى الغابة وانتقلوا بسرعة صحبتها عملية إجلاء عاجل إلى جونقلي، لحظات ويدخل قديت بور على رأس قوة تقدر بـ «3» آلاف جندي، ويخرج بعد ساعتين لتغطية دخول مشار إلى الغابات ليلتحق به لاحقاً ويؤمن له الحماية.
(5)
فور وصوله الى «أدوك البحر»، عقد مشار اجتماعاً موسعاً مع قيادات كبرى بالجيش الشعبي انضموا إليه، وقرر حسم خلافه مع سلفا كير بالحرب وإعلان القتال. ساعات وقوات يتم تجهيزها وقوات أخرى بالمعسكر الآخر تعلن الطوارئ وولايات بحر الغزال تعلن حالة الطوارئ المتزامن مع الإعلان الطارئ في العاصمة جوبا. أيام وليال تنطلق الحرب بولايات الوحدة وجونقلي وأعالي النيل وواراب وأجزاء أخرى من الولايات الأخرى.
(6)
تدوين المدن وفتح أبواب الجحيم، هو القرار الذي وقع على رأس الجنوبيين وسط حالة من الذهول أحاطت بالمجتمع الإقليمي والدولي من سرعة انتقال الخلاف إلى حرب شاملة بالدولة الجديدة، ومحاولات تدخل كلها باءت بالفشل، ليمضي سلفا كير ويستعين بصديقه الرئيس موسفيني الذي يضع حوالي «11» ألف جندي يوغندي تحت إمرته لإسماع المعارضين غناء الرصاص والمدافع.
(7)
مرت «400» يوم على اندلاع النزاع المسلح في دولة جنوب السودان، ولا تزال ساقية القتال مستمرة في دلق رصاص الخلافات على الساحة الجنوبية. حصيلة مرتفعة من القتلى والجرحى، وحصيلة متجددة من الدمار والخسائر المادية مستمرة في الدوران مع حلقة الصراع المسلح والقاتل الذي أصاب الجنوبيين بخلافات قادتهم الكبيرة، الـ«400» يوم الماضية شهدت ملخص حصاد مرتفع الوتيرة لحد ربما لم تشهده القارة من قبل.

(i)
على صعيد الخسائر البشرية التي تكبدتها الدولة وسط أبنائها جراء الحرب التي امتدت إلى «400» يوم إلى الآن شملت وفق تقارير غير رسمية مقتل وإصابة حوالي «200» ألف جندي من قوات الجيش الشعبي منهم «150» ألف قتيل وجريح فيما يسمي قوات «متيانق انجور» أو «كونج بنج»، بينما تقول التقارير غير الرسمية إن القوات الحكومية ،الجيش الشعبي فقد «50» ألف جندي ما بين قتيل وجريح.
(ii)
بالمقابل ذكرت ذات التقارير غير الرسمية أن قوات المعارضة المسلحة تلقت خسائر فادحة في الأرواح والجرحى تراوحت ما بين «30 ــ 50» ألفاً ما بين قتيل وجريح. في الوقت الذي ذكرت فيه التقارير أن القوات اليوغندية تلقت خسائر وصلت إلى «18» ألف قتيل وجريح ونالت الحركات المسلحة السودانية نصيبها من الخسائر البشرية بحسب التقرير بحوالي ألف قتيل وجريح.
(iii)
أما أكثر ما عقد مشكلة جنوب السودان فهي اتهامات «مجزرة النوير» التي يقول عنها زعيم المعارضة الجنوبية إنها وقعت في مدينة جوبا في الفترة بين «16-21» يناير 2014وقتل فيها حوالي «50» ألفاً من النوير جلهم من المدنيين، فيما قتل «15» ألفاً آخرين في بانتيو وبور وملكال.
(T)
وعلى صعيد المدن، دمرت مقاطعات ومناطق وقرى ومدن وأحياء بالكامل إبان الحرب، منها بولاية أعالى النيل حيث تم تدمير العاصمة ملكال التي شهدت أكثر من «11» محاولة سيطرة بين الطرفين، فتارة تسقط في يد المعارضة وأخرى تستعيدها الحكومة، بجانب تدمير: باليت وأولانق وناصر وميوت ومدينك وعداريل «قلقوك» وتونجة وجزء من الرنك.
(TT)
أما بولاية جونقلي، فقد دمرت مدن بور أيوت ومقاطعات أورور ونيرول وإكوبو,وبيجي «خور فلوس عطار» وفنجاك«فم الزراف» ودكين وتوج الشرقية «كونقور» مسقط رأس قرنق.
(TTT)
وبولاية الوحدة دمرت مدن بانتيو«العاصمة» وربكونا, وكوش وقديت واللير «أدوك البحر» مسقط رأس رياك مشار.
السيطرة:
(!)
تسيطر القوات الحكومية في جوبا بحسب تقارير غير رسمية على «64%» من البلاد، فيما تسيطر المعارضة على الباقي وسط تراوح لنسبة السيطرة وفق العمليات الحربية الجارية التي تضعف في بعض الأحيان نسبة السيطرة أو تقاسم منافصة بينهما. ففي الولاية الإستوائية الكبرى تظهر سيطرة الحكومة المطلقة عليها بجانب بحر الغزال الكبرى، فيما تسيطر المعارضة على أجزاء واسعة بولاياتأعالي النيل الكبرى والوحدة وجونقلي وتعادل سيطرة الحكومة على الولاية الإستوائية سيطرة المعارضة على ولاية أعالي النيل.
(!!)
وهناك قوات للمعارضة الجنوبية موجودة بكثافة كبيرة في جونقلي خاصة مناطق ورول ونيرول وأكوبو وفنجاك، وأيضاً تتوزع قوات أخرى على مناطق أونلانق وميوت ومدينق وودكونة في أعالي النيل، وكذلك قوات أخرى في اللير «أدوك البحر» وبيانجيار وميانديت وقديت وكوش وحول بانتيو وميوم.
(!!!)
بالجانب الحكومي في جوبا تقدر قوات الجيش الشعبي المشاركة في الحرب ما بين «700 ــ800» ألف جندي وضابط بزيادة مليشيات ميتانق أنجور بشمال بحر الغزال وواراب، وتلك القوات مدعومة بحوالي «50» ألف جندي من القوات اليوغندية و«11» ألفاً آخرين من الحركات المسلحة السودانية، وقوات تقول المعارضة الجنوبية إنها «مرتزقة» متعددة الجنسيات تدعم القوات الحكومية.
(^)
أما الجانب الآخر في المعارضة، يتراوح عدد القوات وفق التقارير ما بين «100 ــ 120» ألف جندي من النظاميين من أبناء النوير بالجيش الشعبي الذين تمردوا وانضموا للمعارضة، بجانب دعم مقدر من الجيش الأبيض بحوالي «250» ألف مقاتل غير منظمين هم من كل مجتمعات النوير انضموا لمشار في الحرب ويتحركون وفق الترتيبات التي تجريها قيادة المعارضة. وتقول تقارير متطابقة إن القوات المنظمة تقوم بالتأمين فيما تقوم قوات الجيش الأبيض بعمليات الهجوم.
(^^)
وقع طرفا الصراع في جنوب السودان «6» اتفاقيات حتى الآن أبرزها اتفاقية وقف إطلاق النار والعدائيات بالعاصمة الإثيوبية في 23 يناير 2014م، ولم يتم تطبيقها وخرقت بعد ساعات من التوقيع عليها، وتبادل الطرفان الاتهامات بشأن الخروقات. وكذلك اتفاقية أروشا لتوحيد الحركة الشعبية التي وقعت قبل أسبوع ولم تصمد كذلك ساعات باتهامات للمعارضة أن القوات الحكومية هاجمت لحظات التوقيع منطقة فارينق بالوحدة ومنطقة أم دلويت بأعالي النيل التي تسيطر عليها.
العملة والنفط:
هبط سعر الجنيه الجنوبي في مقابل الدولار بعد فترة قصيرة من بداية الحرب ووصل الآن في جوبا إلى «7» دولارات مقابل واحد جنيه وكان سابقاً يعادل «2.7».
(^^^)
تذكر تقارير أممية وتقارير منظمات أن أكثر من «100ــ 150» ألفاً موجودين حتى الآن بالمعسكرات المختلفة في جبل جوبا وبور وملكال وبانتيو وواو.
بينما غادر البلاد ما بين مليونين وثمانمائة و«3» ملايين مواطن إلى كينيا ويوغندا وإثيوبيا والسودان والكونغو.

الانتباهة