مصطفى أبو العزائم

«الخرطوم» في يد المهدي..


[JUSTIFY]
«الخرطوم» في يد المهدي..

في مثل هذا اليوم قبل مائة وتسعة عشر عاماً، سلّمت «الخرطوم» للإمام الثائر محمد أحمد المهدي، وقتل أنصاره غردون باشا، الذي كان يريده الإمام المهدي حياً كما جاء في بعض الروايات غير المؤكدة لمبادلته بالزعيم المصري الثائر أحمد عرابي.

اليوم السادس والعشرون من يناير، يمر علينا مرور الكرام، إن كان سبتاً فهو «أخضر»، وإن كان جمعة فهي «جامعة»، وإن كان خميساً في «الخميس صفقة ورقيص» ولا نكمل، أي أنه أصبح يوماً عادياً، لا دلالة له في تاريخنا الحديث، على الرغم من أنه أول استقلال رسمي لبلادنا من قبضة استعمارية، بعد أن وحّد الإمام المهدي وثورته الدينية البلاد، وطرد قوات التركية السابقة، وأسس لدولته الوليدة عاصمة جديدة هي مدينة أم درمان «البقعة» وجعل شعار دولته «لا إله إلا الله محمد رسول الله».

والله إننا لنحزن أن يمر هذا اليوم ويصبح مجرد ورقة «تطير» من نتيجة الحائط، ويزداد حزننا لأنه لا أحد يحتفي بهذا التاريخ المجيد، وخاصة أجهزة الدولة الرسمية، وأجهزة الإعلام كلها، إذ أن الذي يخلد الأحداث، ويحفظ للأمة ذاكرتها هو «الذكرى» المستعادة، التي تتضمنها الثقافة والفنون والآداب، لكن لا الدولة الرسمية تحفل، ولا الأحزاب تهتم، حتى الحزب الذي يقوم على إرث الثورة المهدية لم يعد ينظر إلى الوراء، حيث الماضي المتوهج الذي من المفترض أن يضيء الغد.

ثار الإمام محمد أحمد المهدي، على أوضاع مزرية عانى منها شعب بلاده، أهمها العنف والتنكيل الذي يجابه به المواطنون من قبل نظام حكم التركية السابقة، ثم الضرائب والأتاوات الباهظة التي قصمت ظهر المواطنين، إضافة إلى ما رآه الإمام المهدي من انحرافات في السلوك التعبدي، وتفشي المحسوبية والفساد والرِشى مع انحلال أخلاقي كاد أو هدد القيم الفاضلة التي تقوم عليها المجتمعات المسلمة.

التف أهل السودان حول دعوة الإمام المهدي وناصروه وأصبحوا جيشه وقوته العسكرية والمجتمعية والعقائدية، وأصبح المهدي رمزاً للتغيير في كل المنطقة، وتوافد عليه الناس من كل فج للتعرف عليه وسماع دعوته، إذ جاءوا من وداي ومن ليبيا ومن كل الغرب الأفريقي، لكن وفاة الإمام المهدي مفكر الثورة ومفجرها وفيلسوفها جعل الدعوة تتراجع أمام متطلبات الدولة الجديدة، التي وقعت مسؤوليات قيامها على عاتق خليفته عبد الله بن محمد ود تورشين، وقد أسهمت الهواجس وقلة الخبرة، والحروب الخارجية وتزايد المعارضة الداخلية «الجهوية» في إضعاف الدولة، والإطاحة بها في الثاني من سبتمبر عام 1898م، بعد أن فقد السودان في يوم واحد أكثر من خمسة عشر ألف مقاتل، كانوا هم «شهداء كرري» الذين تغنينا لهم لاحقاً بـ «أشهدوا شهداء كرري، يا أساس الوطنية.. يا من كافحتم ونضالتم.. أحفادكم نالوا الحرية».

احتفلوا بهذا اليوم جميعاً، فهو يوم الرجولة والبطولة والجهاد.. والاستشهاد.
[/JUSTIFY]

بعد ومسافة – آخر لحظة
[EMAIL]annashir@akhirlahza.sd[/EMAIL]