تحقيقات وتقارير

الشـرطة .. في عش الدـابيـر


تنشط شرطة ولاية الخرطوم هذه الايام في وضع خطط لمحاربة الجريمة وبسط الامن وكانت شرطة ولاية الخرطوم قد اعلنت الاسبوع الماضي عن خطة استثنائية تستهدف ضرب أوكار الجريمة وبسط الأمن
ولئن كانت الشرطة قد ابلت في مكافحة مثل هذه الجرائم الا ان هنالك انواع من الجرائم تتطلب امكانياتٍ وتنسيقاً لمواجهتها وقبل ذلك ارادة سياسية من الدولة خاصة تلك المتعلقة بالتطرف والهوس الديني. ويبدو ان الادوات التي تواجه بها الشرطة هذا الضرب من الجرائم مختلفا عن تلك التي خصصت لها الشرطة اسبوعا للمكافحة، فهذا الضرب يحتاج الى التنسيق بين الاجهزة الاخرى وعلى الرغم من ان للشرطة وحدة لمكافحة الارهاب الا ان هذه الوحدة تعمل بالتنسيق مع اجهزة امنية اخرى ولعل الخبر الذي تناقلته الصحف حول اغتيال احد المطلوبين لجرائم تتعلق بالتطرف والتكفير قد اثار العديد من التساؤلات حول وجود خلايا تكفيرية تنشط بالبلاد ، كما اثار العديد من ردود الافعال خاصة في اوساط الرابطة الشرعية لعلماء المسلمين فأمس الاول شن امام مسجد الجريف غرب بالخرطوم محمد عبد الكريم هجوما عنيفا على السلطات الامنية على اثر مقتل الداعية عبيد عبد الوهاب المحاضر بجامعة الخرطوم و المطلوب لدى السلطات في قضايا تتعلق بالتكفير بحسب بيان للشرطة .
قال عبد الكريم الذي كان يخاطب المصلين في صلاة الجمعة انهم لن يتعاملوا بردود الافعال وانهم في انتظار الخطوة التي ستتخذها ما يسمى بالرابطة الشرعية لعلماء المسلمين وهي الجهة التي ينتسب اليها القتيل عبيد عبد الوهاب ودعا عبد الكريم الحكومة السودانية الى وقف الغاء الاتفاقات الامنية والتعاون الامني مع الغرب وقال انهم قد وقفوا ضد اجراءات المحكمة الجنائية المتعلقة بايقاف رئيس الجمهورية ولا يعقل وفقا لذلك ان تطارد السلطات منسوبيهم معلنا عن تدشين حملة ضد الاعتقالات وكانت الشرطة قد اعلنت في بيان لها عن وفاة الاستاذ الجامعي الدكتور العبيد عبد الوهاب مساء الاربعاء الماضي بالخرطوم بحري بعد اصابته بحجر تسبب في كسر جمجمته وقال المكتب الصحفي للشرطة في بيان، ان عبد الوهاب مطلوب لدى الاجهزة الامنية لقضايا مرتبطة بالتكفير والتطرف، وظل متنكرا ومتخفيا لمدة طويلة الى ان توفرت معلومات عن مكان تواجده، وتحركت قوة للقبض عليه الا انه فر هاربا بدراجة نارية يرافقه شقيقه، وظن احد المارة انه لص وقذفه بحجر ادى الى كسر في جمجمته نقل على اثره الى مستشفى ساهرون لاجراء عملية جراحية، لكنه توفي. وقال مدير المباحث اللواء عابدين الطاهر للمكتب الصحفي للشرطة ، ان المباحث باشرت الاجراءات القانونية وتشريح جثة عبد الوهاب لتسليمها الى اسرته، واتخاذ الاجراءات القانونية تجاه الشخص الذي تسبب في وفاته . وتعلل اللواء الطاهر عابدين في حديث هاتفي مع الصحافة بحساسية القضية وعلى مستوى الرابطة الشرعية لعلماء المسلمين وأكد الدكتور علاء الدين الزاكي ( الأمين العام للرابطة الشرعية) في خطبة الجمعة بمسجده ببحري أن الرجل لم يكن تكفيريا و أن ( الشهيد) جاءه متخفيا قبل إغتياله بساعات وروى الزاكي ملابسات اغتيال العبيد وقال ان القتيل كان ينوي الذهاب الى الصومال فاصبح مطاردا من قبل الاجهزة الامنية واضاف انه خلال لقائه الاخير بالعبيد نصحه بضرورة تسليم نفسه للسلطات الامنية فرفض بحجة اعتقاله في وقت سابق لمدة 8 اشهر منع خلالها من اداء صلاة الجمعة ، ويضيف الزاكي ان القتيل اقتنع اخيرا بحجته بتسليم نفسه للسلطات فتوجه نحو مدينة الحلفايا بالخرطوم بحري ليقضي ديونا كانت عليه ومن ثم تسليم نفسه للسلطات ، ويقول علاء الدين الزاكي الذي يعمل استاذا بجامعة الخرطوم انه قد اتصل شخصيا بالسلطات يخبرهم بان العبيد في طريقه الى مباني الجهاز الا ان العبيد ـ يقول الزاكي ـ كان قد قتل في ذلك الوقت بشارع مدينة الحلفايا ويروى علاء الدين الزاكي» أنه شاهد ( ضربة الرأس) ووصفها بانها جرح كبير وعميق وليست بضربة حجر وانه أدخل الى المستشفى باورنيك حادث حركة وتساءل الى أين أقتيد العبيد بعد اعتقاله ولماذا تأخروا في نقله الى المستشفى ؟ ولعل ما ذهب اليه الزاكي هنا يعني التشكيك في رواية الشرطة غير ان الزاكي نفسه لم ينف عن القتيل كونه كان مطلوبا في قضايا تتعلق بالتكفير والتطرف ولعل الحادثة برمتها تعيد الى الاذهان جرائم تمت في المجتمع السوداني باسم دعاوى التكفير وهي الجرائم التي ازداد نشاطها منذ مطلع التسعينيات وهنالك حوادث شهيرة في هذا الاتجاه مثل حادث مسجد الجرافة بامدرمان والتي راح ضحيتها اعداد من المصلين بالمسجد ن وحادثة ابوقوتة بمنطقة الجزيرة بوسط السودان وحادثة اغتيال المغني السوداني خوجلي عثمان في دار الفنانين بأم درمان في منتصف التسعينيات ، اضافة الى فتاوى تهدر دماء المواطنين المخالفين للرأي واشهرها الفتوى بقتل منسوبي الجبهة الديمقراطية في الجامعات والمعاهد العليا ومنسوبي الحزب الشيوعي . ولعل كل ذلك يضع الشرطة والاجهزة المنسقة معها امام تحد كبير في مجال محاربة التطرف الديني خاصة بعد التنازلات الكبيرة التي تقدمت بها الحكومة السودانية في هذا المجال منذ عام 2001م فإن الحكومة السودانية قالت انها التزمت بمطالب الامم المتحدة الخاصة بوقف دعمها للارهابيين. ومن المعروف ان الحكومة السودانية كانت قد ابعدت اسامة بن لادن عام .1996 وذكرت مصادر وزارة الخارجية الاميركية في آخر تقرير سنوي لها حول الارهاب ان «سلوك الخرطوم قد تحسن، الا ان السودان لا يزال يستخدم كملاذ آمن بواسطة اعداد من اعضاء العديد من المجموعات بمن في ذلك اعضاء في منظمة القاعدة التي يتزعمها اسامة بن لادن و«الجماعة الاسلامية» وتنظيم «الجهاد» المصري وتنظيم «الجهاد» الفلسطيني وحركة حماس وكان فريق من المتخصصين في مكافحة الارهاب، بمن في ذلك ممثلون لوزارة الخارجية الاميركية ووكالة الاستخبارات المركزية ومكتب التحقيق الفيدرالي، قد زاروا السودان عدة مرات منذ مارس (آذار) .2000 وقال مسؤولون لهم صلة بهذه الترتيبات، ان الجهات المسؤولة في السودان زودت الفريق بمعلومات حول عمليات الجماعات الارهابية واوجد علاقات استخباراتية رسمية. رفض دبلوماسيون اميركيون التعليق علنا حول الحوار مع السودان حول الارهاب، غير ان خبراء اكاديميين قالوا ان الولايات المتحدة كانت تسعى الى الحصول على ضمانات تؤكد على عدم استئناف السودان مساندته للارهاب والواقع ان الولايات المتحدة في سياق توسعها لا يهمها التوجهات الاسلامية لدى الانقاذ طالما انها وجدت تعاونا امنيا من حكومة السودان بل ويعتبر العديدون ان العلاقة بين الخرطوم وواشنطون هي علاقة أمنية لم تتطور الى طور اعلى ، وربما هذا ما دفع خطيب مسجد الجريف غرب محمد عبدالكريم المحاضر بجامعة الخرطوم الى الغاء الاتفاقات الامنية مع الغرب وفيما يختص بالشرطة السودانية وامكانياتها في مكافحة الارهاب يقول نائب مدير الشرطة الفريق عادل عاجب في حوار مع الزميلة الاخبار ان السودان دولة متعاونة جدا في مجال مكافحة الإرهاب ومصادقة على الاتفاقيات المتصلة بمكافحة الإرهاب، عددها 11 اتفاقية دولية، هذا على المستوى الدولي بالإضافة الى الاتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب 1998 وكذلك اتفاقية منظمة الوحدة الإفريقية، وكل المواثيق الدولية والإقليمية السودان مصادق عليها أو طرفا فيها، وهذا أكبر دليل على التعاون على مكافحة الإرهاب. وهذه الاتفاقيات حسب الالتزامات المترتبة عليها، توضح أن السودان دولة متعاونة من الدرجة الأولى مع المجتمع الدولي وليس هنالك شيء يؤخذ على السودان في هذا المجال غير ان هنالك من يرى ان المجموعات الارهابية وجدت في السودان المأوى والملاذ الآمن خاصة في السنوات الاولى للانقاذ قبل التعاون الذي انخرطت فيه الحكومة في مكافحة الارهاب والذي كان نتاجه عدد من حوادث الاغتيال والتهديد بالاغتيال وكانت الشرطة نفسها قد قامت باغتيال احد منتسبي جماعة التكفير والهجرة الناشطة في السودان بعد ان ارتكب مجزرة بشرية راح ضحيتها 20 شخصا واصيب 33 آخرون بجراح بعد ان فتح عليهم النار اثناء صلاة العشاء في مسجد شمال الخرطوم وكانت الشرطة قد ذكرت آنذاك ان الجاني ويدعى عباس الباقر قتل في تبادل النيران اثناء القبض عليه وكان يدرس في الجامعة ثم تركها وهاجر الى ليبيا وعاد منها وتدرب ضمن قوات الدفاع الشعبي وقد كان مرصودا من قبل الاجهزة الامنية حيث تم اعتقاله مؤخرا ثم اطلق سراحه بعد ان اعلن توبته وتخليه عن افكاره . وهي العملية التي تبعتها وسبقتها عدد من العمليات المشابهة مثل حادثة الاعتداء على مسجد انصار السنة في الثورة بام درمان التي قادها الخليفي وكذلك حادثة الاعتداء على مسجد آخر بمدينة مدني . و الجماعة التي ينتمي اليها القتيل د عبيد عبد الوهاب وهي الرابطة الشرعية لعلماء المسلمين نشطت من قبل في اصدار عدد من الفتاوى ومهاجمة شخصيات دينية ونشاطات ثقافية على نحو ما فعلت بجناح الكتاب الشيعي بمعرض الخرطوم الدولي للكتاب وكانت الرابطة نفسها قد اصدرت عدداً من البيانات ضد الدكتور حسن الترابي ووصفت الفتاوى الأخيرة التي أصدرها بأنها أباطيل وهرطقات بل و دعت المسلمين إلى التبرؤ من أفعاله وقطع تطاوله على المحكمات المبينات، ومقاضاته في محاكمة شرعية عادلة على غرار ما حوكم به سلفه من قبل محمود محمد طه، على حد تعبيرها وهي الدعوة التي تكررت مرة اخرى مع الصادق المهدي رئيس حزب الامة القومي الذي وصف أحاديث نبوية بأحاديث الفقه الذكوري ودعا لمساواة المرأة والرجل في الميراث مما اثار حفيظة تلك الجماعة التي اعتبرت ان عدداً من آرائه مخالفة للشريعة الاسلامية ومنها وصفه لبعض الأحاديث النبوية الصحيحة بـ»أحاديث الفقه الذكوري»، ودعوته إلى تعديل قانون الأحوال الشخصية ليتضمن المساواة بين المرأة والرجل في الميراث إذا تساويا في درجة القرابة وطالبت الرابطة الشرعية للعلماء باستتابة الصادق المهدي وفي تصريحات خاصة لإسلام أون لاين.نت قالت مصادر فضلت حجب اسمها: إن القتيل عبيد عبد الوهاب قد اعتقل في يونيو 2007 على خلفية اكتشاف السلطات الأمنية السودانية مجموعة من الشباب – أغلبهم طلاب جامعات وخريجون جدد- يعملون على تصنيع متفجرات في ضاحية السلمة جنوب الخرطوم، بغرض الإعداد لمقاومة التدخل الأجنبي المتوقع في السودان، وقد أطلقت السلطات سراحه بعد أكثر من 8 أشهر. ويبقى امام الشرطة تدارك خطورة الموقف والعمل بصورة جادة لايقاف التدهور الأمني ووضع حد لعمليات انتشار السلاح وامتلاكه من قبل جماعات الهوس الديني والجماعات التكفيرية وقبل ذلك ضرورة توفر الإرادة السياسية من قبل السلطة .
علاء الدين محمود :الصحافة