تحقيقات وتقارير

“الحب في ذاتو مبرر كافي” عبر وسائل شتى ومسالك متباينة يتوخى أهل السودان وفرقاء سياساته المستقبل الأمثل.. يحدوهم لتداركه موروثهم الماضي بالقول: الما عندو محبة


يخرج الشاب العشريني خالد متأنقاً كعادته في مثل هذا اليوم مرتدياً البنفسج ومعتلياً (المحبة) هوية.. الناشط في الحراك السياسي لا ينسى وهو يحتفي بالعيد السادس للحب مع شباب وشابات جيله أن يطوي الورقة برتقالية اللون في جيبه ويعيد قراءة الحروف المكتوبة فيها (أنا مقاطع الانتخابات).. خالد يتمنى كغيره أن يكون سبت الحب الأخضر مضيئاً لدياجر عتمة البلاد السابقة وبوابة يلج من خلالها أهل السودان المستقبل الأمثل.. خالد يقول إنه لن يذهب إلى (الغابة) اليوم وسيحتفي بـ(الفلنتاين) على طريقة (الماعندو محبة ما عندو الحبة)، يحاول أن ينقل المحبة من ضيق الغابة إلى مساحات الوطن الشاسعة. لكن الخرطوم كعادتها في كل المناسبات تفاجئك بتساؤلاتها.. ترى هل كنا مخطئين بظننا أن الخرطوم مدينة تجيد حماية العشاق.؟ بعيداً عن حالة الحذر فإن مشهد المحبة في شوارع الخرطوم السياسية العام 2015 يبدو متوشحاً ثوبه الجديد.. الشيخ الترابي يعود ليوشح الساحة بثوب المحبة الشعبي ويمارس القربى مع الحزب الحاكم.. يمارس المهدي الوقوف على الأطلال من القاهرة المصرية بعد أن عز وصل الحبيب مولانا مع اقتراب الوصول إلى الصناديق يمضي وفقاً لنظرية الحب عبر طرف ثالث. غندور نائب رئيس المؤتمر الوطني ومساعد رئيس الجمهورية يحاول رصف شوارع المحبة بين الخرطوم وواشنطون، يبذل جهدا لتجاوز تفاقم حالة اللاحب بين سكان البيت الأبيض وشاغلي المناصب في القصر السوداني الجديد.
* الحب الأول
قبل عام كان المؤتمر الشعبي يضع قدماً في القصر وأخرى في داره بالمنشية لممارسة المعارضة بين الحالتين، اكتفى شيخ الشعبيين بالصمت تاركاً حبل الكلام على غارب أمين الحزب السياسي كمال عمر الذي مضى إلى النقطة الجديدة في المعادلة السياسية.. عمر الذي لم يترك عبارة لمهاجمة الوطني دون أن يستخدمها، سرعان ما ملأ جرابه بلغة بدت للمحبة أقرب، عمر اعتبر أن الدعوة لإسقاط النظام ستقود لـ(فرتقة) السودان وغير مطلوبة في الوقت الحالي، بدأت رسالة المحبة الشعبية في اتجاه الوطني وكأنها رسالة قديمة تم (تغليفها) في ذلك الصباح.. والصباح إن لاح لا فائدة من المصباح. الخطوات الجديدة لعراب الإسلاميين تمضي بخطى ثابتة في اتجاه إعادة لحمة الإسلاميين مرة أخرى وتبدو في مكان آخر وكأن الشيخ يحاول أن يوسع مكاناً في القصر إن لم يكن له هو فمن أجل قيادات الحزب. الترابي الذي قال في آخر حديث له في منبر عام رافق فيه رئيس المؤتمر الوطني ومرشحه للرئاسة المشير البشير إنه بات قريباً من الموت وهو أمر يتطلب منه الاطمئنان على حال البلد من بعده. الطمأنينة التي يريدها الشيخ بدت وكأنه لا يمكن الوصول إليها إلا من خلال لم شتات إخوان الأمس وإعادة بناء المشروع من جديد.. لعل أكثر أمر يمكن أن يؤكد ذلك هو بدء سلسلة العودة العكسية لقيادات الشعبي من الخارج وكان آخرهم الصافي نور الدين وفي الطريق آخرون.. لكن الأمر الذي يحسمه مناوئ الشيخ بأن الرجل يمهد للعودة إلى حبه القديم وأنه في القريب العاجل سيجدونه برفقة أحبابه القدامى في القصر الرئاسي، بل إن البعض يمضي أكثر من ذلك بالقول إن شريان المحبة بين صانعي الإنقاذ لم ينقطع في الأصل.. وآخرون يثبتون نظرية تقارب المتفاصلين في العام 1999 بأنه تقارب الضرورة فلا محبة إلا بعد عداوة، وفي حال الشيخ فإن المعادلة تبدو كذلك (محبة.. عداوة.. ومن ثم محبة أخرى).
* حب من طرف تاني
عندما تزهر ورود المحبة في الشوارع السياسية، فإن نصيب الأشقاء في الحزب الاتحادي الديمقراطي منها الأشواك التي تنغرس الآن تحت أقدام الحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل، معلنة عن ميلاد حزب جديد ينضم إلى الكتل الاتحادية المتناحرة.. الإجابة على سؤال لماذا في الحالة الاتحادية تمضي بك نحو غياب المؤسسية في إدارة شؤون الحزب.؟ لكن المؤسسية الغائبة ثمة من يقول بحضورها فقط مع رئيس الحزب مولانا محمد عثمان الميرغني، فالرجل وفقاً لمعارضيه هو الصاحب في قرار المشاركة بالحكومة ومالك قرار رفضها ما ينطبق على المشاركة ينطبق على الانتخابات وهي التي تمثل موقف الحزب من المؤتمر الوطني.
في معادلة مولانا المقيم الآن في لندن يمكنك أن ترسم علاقة الحزب بالمؤتمر الوطني في الحب وعدمه، فمولانا لا يحب الحكومة وهو في الوقت نفسه لا يبغضها بين الحالتين تبرز المواقف. مولانا الميرغني في حالة الانتخابات ينتهج أسلوب ممارسة الحب من خلال طرف ثان.. حتى الآن لم يتقدم زعيم الختمية بما يؤكد دعمه لخيار الانتخابات بشكل شخصي، لكن للمحافظة على شعرة معاوية مع الحكومة، فإن الابن محمد الحسن الميرغني هو الذي قام بكل الخطوات من إعلان المشاركة وحتى تحديد أسماء المرشحين في الدوائر، تاركين للآخرين حق الاحتجاجات وانتظار خطابات الفصل والإبعاد من الحزب. لكن يبقى السؤال هنا هل تحقق نظرية الحب من طرف ثان للحسيب ما يرمي إليه سياسياً أم أن ارتفاع درجة حرارة الامتعاض وسط قواعد الأصل ستحرق الفتى الذي يبحث عن موطئ قدم له في بلاط السياسة السودانية.؟
* الحبيب الغائب
لو أن أحد الشباب تقدم بسؤال لإمام الأنصار حول جدوى الاحتفال بـ(الفلنتاين) لجوز له أبو مريم هذا الأمر وأضاف عليه: (الفش غبينته خرب مدينته)، لكن الرجل نفسه سيجد نفسه بعيداً عن ملاحقة المحبة في الشوارع السودانية مختاراً البقاء في شوارع المحروسة وهو أمر لا يمكن النظر إليه بعيداً عن نظرية (الغبن) فتواجد المهدي في القاهرة يرتبط بشكل كبير بانتهاء علاقة المحبة بالحوار الذي كان يجمعه بالمؤتمر الوطني في وقت سابق.. دخوله الحبس في كوبر ومغادرته البلاد بعد ذلك كانت الخطوة التي بدأ الإمام يرسم فيها تفاصيل قصة حب جديد تجمعه هذه المرة بحاملي السلاح المشروع الذي تم تدشينه في باريس سرعان ما تم التوقيع عليه باسم نداء السودان في أديس أبابا، التوقيع الذي جعل السلطات تقوم باعتقال فاروق أبوعيسى وأمين مكي مدني هو نفسه النداء الذي قضى على كل علاقات التقارب بين الوطني والأمة وجعل الإمام مطارداً من الحكومة التي ترفض بعض قياداتها مجرد عودة الإمام ما لم يعلن تبرؤه من ميثاق باريس ومن بعده نداء السودان.. ما يجري في الساحة السياسية الآن واتساع شقة الخلاف بين المهدي والحزب الحاكم يؤكد فرضية أن المهدي سيظل هو الحبيب الغائب لحين إشعار آخر أو أنه الحبيب الذي ينتظر أن تحقق أمنياته في الديمقراطية حتى يعود إلى بيته في الملازمين دون أن يعني هذا الأمر أن الوسطاء يمتنعون فربما تنبت أزهار محبة جديدة بين إمام الأنصار وقيادات الوطني.
* حب بالتوقيت الأمريكي
ترفع قيادات الوطني شعار: (نحنا بنحب الانتخابات) باعتبارها الآلية الوحيدة لتحقيق تداول سلمي للسلطة.. الانتخابات نفسها ربما تكون وسيلة لتقريبهم زلفى من الولايات المتحدة الأمريكية باعتبارها الوسيلة الأكثر لبرالية.. لكن يبدو أن الصناديق وحدها لا تحقق التطلعات في (الرضاء) الأمريكي لذلك حمل وزير الخارجية حقائبه الدبلوماسية وذهب إلى واشنطون من أجل تخفيف حدة المواجهة، لكن في المخيلة الأمريكية فإن رجل واحد لا يكفي، فلحق به مساعد رئيس الجمهورية إبراهيم غندور الذي انخرط في لقاءات متتابعة مع القيادات الأمريكية بغية قطع العقدة في المنشار الموضوع بين الخرطوم وواشنطون.
ردود الأفعال الإيجابية تتابع في وسائل الإعلام السودانية، الخارجية اعتبرت أن زيارة مساعد رئيس الجمهورية هي فاتحة الانتقال نحو الحوار المباشر بين الطرفين كما أن تصريحات قيادات الوطني اندفعت نحو القول بإيجابية ما تم التوصل إليه، غندور لم يكتف بلقاء المسؤولين الأمريكيين وإنما مضى في طريقه نحو المسؤولين الأمميين، معلناً احترام بلاده للأمم المتحدة وتقديره للأدوار التي تقوم بها في السودان، ولم يترك الفرصة تمضي دون إخبار مون استعدادهم لخوض جولة المفاوضات القادمة لوضع حل للإشكالية في المنطقتين. ثمة من يقول بأن أزهار المحبة بدأت تنبت في الشوارع بين واشنطون والخرطوم وأن حصادها يمكن أن يكون إزاحة السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، لكن (فلنتاين) الورود لغندور في أمريكا لا يمكن الجزم بأنه خال من الأشواك التي تعترض طريقه، فبعد اللقاء مباشرة سرعان ما تم التداول في مزاعم الاغتصاب بمنطقة (تابت) في إقليم دارفور وسط مطالبات بإعادة التحقيق فيها وهو الأمر الذي رفضته الخارجية السودانية.
خلاصة الأمر أن رحلة البحث عن نظرة محبة أمريكية فيما يتعلق بالعلاقات بالسودان مضت للأمام لكن الأشواك لم تغادر طريقها وكأنها تقول بأن الأمر ما زال باكراً في كل الأحوال، فإن مشوار الميل يبدأ بخطوة والخطوة بحسب وزير الخارجية الأسبق مصطفى عثمان إسماعيل تمشي في ذات الطريق المرصوف بالالتزام بالثوابت.
* الحب بالرحيل
ما تزال القوى المسبوقة بتوصيف الإجماع على المعارضة تتمسك بشعارها الداعي للإسقاط دون أن يغير (الفلنتاين) شيئاً في مواقف البعث.. الشيوعي.. الناصري والأمة والمؤتمر السوداني، وبقية مكونات تحالف الإجماع الوطني تدخل إلى (الفلنتاين) حاملة وثيقتها الجديدة الرافضة للصناديق والداعية المنظومة الحاكمة للرحيل، قوى المعارضة تتبنى شعارات أغنيات وردي في ذكرى رحيله الثالثة: (حنبنيهو البنحلم بيهو يوماتي.. وطن شامخ وطن عاتي وطن خير ديمقراطي).. ترفض الحرب وتحاول أن تبدل السجن مستشفى والمنفى كلية وتبدل الطلقة بعصفورة، لكنه في الوقت نفسه يحيطها اليقين بأن الطريق وعر ويمكن أن تجد في نهايته لافتة مكتوب عليها نص آخر (رحلت وجيت وفي بعدك.. لقيت كل الأرض منفى)..
و(فلنتاين) آخر يعبر الشوارع السودانية يحمل في جوفه المحبة التي تعني في بعدها الأخير قبول الآخر والقبول بالتعايش معه وفقاً لفلسفة البسطاء (لو تطايبت النية.. الوطن بشيل مية) وهو التعايش المنشود والمطلوب، فهل سينتهز الساسة فرصة اليوم ويضعون قبلتهم الجماعية على جبين الوطن ويكون معه السبت أخضر والقادم أكثر إخضراراً أم أن الأمور ستمضي في طريق عدم الاتفاق القديم.؟

اليوم التالي