عثمان ميرغني

حلجت!!


يستخدم السودانيون تعبير (حلجت) لوصف الحالة التي تدور فيها (الصامولة) أو أي آلة دون أن يكون لدورانها أي فعل.. فهل هذا ما وصلت إليه الحالة السودانية الآن؟.. حلجت!!
حدق معي جيداً في رقعة الشطرنج السياسي السوداني.. الحكومة على يمينك.. ليس في جعبتها غير الانتخابات لإعادة تدوير (Recycling) نفسها لخمس سنوات أخرى.. دون أن تشرح للناس ماهو الجديد الذي (بأية حال عدت يا عيد.. بما مضى أم بأمر فيك جديد)..
وعلى يسارك المعارضة بمختلف ألوانها.. من فرط إمعانها في حالة (حلجت) أدمنت توقيع الاتفاقات والإعلانات والنداءات والورش دون أن تضيف كلمة واحدة جديدة.. من وثيقة الفجر الجديد إلى إعلان باريس ثم نداء السودان إلى ورشة (برلين) يخلق من الشبه أربعين.. أوجه تشابه تجعل من المخرجات مجرد عملية تكرار (ورقي) بعيداً عن الفعل الحقيقي..
وبين هذه وتلك.. بين الحكومة والمعارضة شعب كبير نبيل ينتظر وما بدلوا تبديلاً.. شعب مظلوم منذ ولدته أمه في واحد واحد 1956.
بالله أسألكم.. في سوداننا هذا الذي يكابد حالة (حلجت) مريرة ومؤلمة.. كم عدد الذين يحملون درجة الأستاذية (بروفيسور).. وكم عدد الذين يحملون شهادة الدكتوراه في مختلف التخصصات.. وكم هم حملة المؤهلات الأكاديمية في مختلف المستويات والضروب.. وكم عدد المستنيرين من شعبنا دون حاجة لشهادات.. كل هذا المحصول العقلي السوداني الرفيع أين هو من الأزمة التي تعصف بالبلاد؟.. لماذا الساحة وخشبة المسرح لا يظهر فيها تأثيرهم وإسهامهم..
نحن في حاجة ماسة لعقولنا لإخراجنا من حالة (حلجت) التي تكبل حاضرنا وتفتك بمستقبلنا قبل أن تشرق شمسه..
الأزمة السودانية – في تقديري- شبر ماء ما أسهل الخروج منه.. لكن الساسة أدمنوا السباحة في أشبار الماء.. والله العظيم.. لو فُتحت الأبواب.. وتُرك الخبز لخبازه لما احتاج السودان إلا لبضعة يوم ليتنفس الصعداء ويخرج من غيابات الجُب الذي هو فيه..
أي نظرة حصيفة عميقة لبواطن الأزمة السودانية تكشف حقيقة الوهم الكبير الذي يتلبسها..
نحن شعب محروم.. محروم من نعيم بلده (كالعير في البيداء يقتلها الظمأ والماء فوق ظهورها محمول).
الحل والعقد بيد حكومة تعقد العقدة بيدها ثم يعجزها فكها ولو بأسنانها.. ومعارضة لا تعرف كيف تعارض.. وساسة لا يرون في الزمن الذي يضيع من بين أيدينا إلا عقارب ساعة متعطلة.
أفجع ما في مشكلتنا السودانية أنه ليس هناك من الأصل مشكلة.. هي باللغة الدراجية العامية (شكلة) قوية، وليس (مشكلة) قومية.
(شكلة) بين الساسة ويحاولون إقناعنا بأنها (مشكلة)..