جعفر عباس

أحب «البارد» والريموت المعجزة


ذكرت مرارا في كتاباتي قائلا إنني اعتبر الثلاجة ومكيف الهواء، أهم اختراعين عرفتهما البشرية، فلا شيء عندي يعدل الهواء والماء الباردين، فلأنني أنتمي الى بلد فيه ثلاثة فصول: صيف حاف جاف، وصيف حار جدا، وصيف بروفة جهنم، فبديهي أن أكون عاشقا لكل ما هو بارد (ولكنني لا أطيق الإنسان البارد)، وورثت حب الماء البارد عن أبي، الذي لم يكن يقبل من أحد حتى حبة فستق واحدة ما لم تكن مصحوبة بكوب ماء بارد.
ويدهشني ان كثيرين يعتبرون تقديري العالي للثلاجة ومكيف الهواء، دليل عدم مواكبة للمخترعات الحديثة، وعندما أقوم بتوجيه نفس السؤال الى آخرين يقولون إن أهم اختراع في تقديرهم هو الكمبيوتر او الانترنت او الهواتف او الطائرة او التلفزيون.. وللناس في ما يعشقون مذاهب، ولكنني أرى ان معظم الاختراعات ما عدا الثلاجة ومكيف الهواء، لها وبها سلبيات، وفوق هذا فان استخداماتها محدودة الأجل، فالكمبيوتر يعينك على أداء مهام معينة في وقت قياسي، ولكنك لا تحتاج اليه معظم الوقت، واستخدام الكمبيوتر لا يجعلك تحس بالراحة الجسدية كما هو الحال عند التعامل مع مكيف الهواء ومحتويات الثلاجة.
ورغم أنه لا يكاد يمر يوم لا استخدم فيه الانترنت، فإنني أدرك أنه حرمني بدرجة او بأخرى من متعة القراءة.. ففي عصر ما قبل الانترنت كان هناك على الدوام كتاب مفتوح على صفحة معينة في مكان قريب من سريري، أما اليوم فإن قراءة كتاب من 120 صفحة قد يستغرق مني شهرا. والهواتف بأنواعها والتلفزيون لديها فوائد جمة، ولكنهما قتلا التواصل الاجتماعي. أحيانا يجلس عشرون شخصا في نفس المكان من دون ان يتبادلوا كلمة واحدة، لأن أعينهم ترصد ما على الشاشة، أما الهواتف فقد صارت أدوات لـ«كلفتة» العلاقات، فبدلا من أزورك لأطمئن على أحوالك فإنني أرفع السماعة وأوجه إليك أسئلة قصيرة سائلا الله ان لا تطيل في الأجوبة لأن «العداد شغال»، واختتم المحادثة: نشوفك على خير.. بس حبيت أطّمِّن عليك! ثم جاء الواتساب وقضى على الكلام المنطوق. أما المكيف فهو ينعشك على مدار الساعة ولا يتدخل في وتيرة حياتك، بل يجعل مزاجك رائقا.. ولا يعرف قيمة الثلاجة إلا من عاشوا في العصر الذي سبق العصر الجليدي، وكان عليهم ان يأكلوا في العشاء ما تبقى من طعام الغداء، او يأكلوا في الفطور ما تبقى من طعام العشاء الذي ظل قابعا في ركن ما، من غرفة تسمى مجازا «مطبخ»، ومن عرف رائحة الطعام السكند هاند لا يتردد في طبع قبلة على باب الثلاجة كلما مر بها.. أذكر كيف كنا نتسابق مرحلة الصبا في رمضان لحجز مكان للاستلقاء قرب المَزْيَرة.. وكان في كل بيت في السودان مكان مسقوف كثير الفتحات توضع فيه أزيار الماء على قوائم حديدية، وكانت تلك المزيرة بمثابة وحدة التكييف المركزي!
ولكنني غيَّرت رأيي حول أهم المخترعات بعد ان سمعت بجهاز «تي في بي غون» TV B gone.. ومعناه حرفيا «روح في داهية يا تلفزيون».. هو عبارة عن ريموت كونترول يجعلك تغلق وتفتح التلفزيون… ولكن هناك فرق، فالريموت كونترول الذي عندك حاليا لا يتحكم إلا في جهاز التلفزيون الخاص بك، والأجهزة المنتجة من نفس الشركة، ولكن الجهاز الجديد يجعلك تغلق اي تلفزيون سواء عند الجيران او في المقاهي.. ولا تزيد قيمته على 15 دولارا.. سأشتري منه مائة قطعة وأشكل عصابة تطوف بالأحياء، خاصة في رمضان بعد الإفطار مباشرة لـ»تطخ» كافة أجهزة التلفزيون في المواعيد التي يتم فيها بث ملوثات الذوق.. فإذا توقف جهاز تلفزيونك عن العمل فجأة فاهتف: يا ناس يا بجم ابو الجعافر هجم.

jafabbas19@gmail.com