عبد الجليل سليمان

أخلاق قوليِّة


عبارة قديمة، لا يحضرني قائلها الآن، فحواها (إن بعض الشعوب والأمم تنفق كل وقتها في الحديث عن الأخلاق، حتى إنها لا تدخر اليسير منه لممارستها فعلياً).

لذلك، فإن الخِطابيين والهُتافِيين من سكانِ هذه البلاد ممن يترشحون لتسنم موقع المسوؤلية، لا يُقدمون للجمهور برامج وخططاً يُتوقع أن تُسهِم في تحسين حياتهم، ويتحاشون الحديث عن أمورٍ مهمة وواقعية مِثل تطوير الخدمات التعليمية والصحية وتحسين مستوى المعيشة والتنمية والرفاهية والتدريب والتطوير وسبل مكافحة الفساد وغرس قيم المواطنة (الصالحة) ونشرها بين الأجيال الناشئة وخلافه.

هؤلاء، يحصرون القيّم والأخلاق في الأمور الشخصيِّة التي لا يتضرر منها أحد غير مجترحها (مرتكبها)، ويتحاشون الحديث عن الأخلاق العامة، مثل الانضباط في العمل، والالتزام الصارم بأدائه بكفاءة ودقة، وتفعيل مبدأ المحاسبة، والإعلان عن الفاسدين والمفسدين والمتسيبين.

دع عنك كل ذلك، بل أنهم لا يمضون قُدماً حتى في تفعيل ونشر ما يعتقدون أنها (الأخلاق) التي من واجبهم حمايتها وصونها والمنافحة عنها، فما يلبثوا ثوانٍ قليلة على إطلاقهم القول حتى يضعون ألسنتهم وراء ظهورهم وكأنهم لم يقولوا شيئاً.

وعلى النحو، كان دأب السواد الأعظم من قادة الرأي في مجتمعنا، ولأنهم يتمتعون بقيمة رمزية وسطوة وكاريزما، فإن مريديهم يمضون في ذات الاتجاه، حتى تم تكريس نوع من السلوك العام، أو الثقافة العامة – إن شئت – شديد الاحتفاء بتقديم من يسمونهم بالمفوهين والخطباء إلى مراكز صنع القرار وتصعيدهم إلى المناصب المهمة والحساسة. حيث يحولونها إلى مجالس للثرثرة واستعراض الألسنة والتنكيت والسخرية والفخر بكريم الأخلاق والقيم والمثل على سبيل التسرية والترفيه فقط، بينما الواقع – خارج هذه الأطر- وشيك الانهيار، ولا سبيل لإسناده حتى لا يستوي على الأرض.

الأخلاق ليست أقوالاً، إذ أنها لا قيمة لها على ( المُستوى النظري)، وإن قيمتها الحقيقية تمكن في تحويلها إلى ممارسة يومية وشعيرة من شعائر حياة الناس، وهذا لن يحدث حتى لو حطت السماء على الأرض، إذ لم نتخل عن التصور الشائع بأن الأخلاق هي (الأمور الشخصية فقط) (Personal matters)، وإذ لم نُشِعْ أن هذا التصور يؤخر ولا يُقدِّم كونه – أولاً: تم تجريبه (على مر الدهور والأجيال)، ولم يُثمر إلاّ هشيماً، وثانياً: لأنه – كمفاهيم- من الخطأ أن نحصر تعريف الأخلاق بنسبيتها في الأمور المُختلف عليها، ونتجاهل (الأخلاق العامة) الخاصة بالعمل والانضباط ومُحاربة الفساد والمحسوبية والعنصرية والتمييز.

للأسف حتى إعلاء تلك الشخصية، في كثير من الأحوال، لا يعدو كونه (دعاية انتخابية)، بل في الحقيقة هو محض (كلام خشم ساي) (Words of mouth).