لبنى عثمان

قرار حب النفس


رددت لي صديقتي مقولتها في أمنية قرارية وصلت إليها مع إطلالة هذا العام حيث قالت: (هذا العام قررت أن أحب نفسي)

قرار حب النفس يأتي متأخر لدى معظمنا ولدى البعض الآخر لا يأتي أبدا..

فمنا من يتخذه بعد أن تتهالك نفسه وينخر الحزن في حيطانها فيأتي القرار كآخر فرصة للنجاة..

ولأن لأنفسنا علينا حقا وأغلبنا لا يراعي هذا الحق لأننا في غمرة انشغالنا ببناء السعادة لسوانا ننسى أنفسنا وفي قمة انهماكنا في بناء الآخرين نهدم من أنفسنا الكثير.. نقتطع من عمرنا الكثير كي نمنحهم الكثير.. نبقي لأنفسنا الفتات كي نجنبهم جوع الحياة.. ونسكن قبور الحزن لكي نبقيهم في قصور الفرح ونتفانى ونضحي بالكثير من أجل الحفاظ عليهم ونمنحهم الجزء الأكبر من نصيبنا باسم الحب ونهديهم آخر قطرات الفرح في جرة عمرنا ونحن ندرك أنهم لا يستحقون.. لأنهم عند أول إضاءة للفراق يرحلون.. ومعنى هذا أنه لا يجب علينا أن نفقد أهميتنا لأنفسنا وعطاءاتها..

فالحياة لنا كما هي لهم والفرح لنا والكرامة أيضا لنا كما هي لهم..

فلنغادر تلك المحطات ولنربت على ظهورها بأنفسنا.. لنبث الدفء في أرواحنا ونقبل رؤوس قلوبنا وجباهها ولنعتذر لها عن كل عاطفة لم تكن تليق بها ولا بنا.. فمنذ أن فتحت أعيني.. وأنا أثق بلا حدود وأصدق بلا حدود.. وامنح واضحى بلا حدود.. وأحتمل مالا يحتمل بلا حدود.. نوافذي دوما مفتوحة.. تأتي لي برياح الخذلان وغبار الأحزان وبرودة الآلام.. وقد آن الأوان كي أحب نفسي كما أحببتهم وآن الأوان أن أزيل غبارهم عن روحي.. وأن أمسح بصماتهم من قلبي.. وأن أمنحهم أحجامهم الحقيقية فقد بالغت في حجم الأحجام وسكبتها في قوالب لا تتناسب مع حقيقة أحجامهم.. وآن الأوان أن أرتب كل المساحات التى بعثرها الحزن في حياتي..

فلماذا احتفظ بمخزون ذكريات مؤلمة ما أورثتني إلا الوهن؟.. ولماذا لا أمسح خطوات كل من مروا بي وما كانوا يستحقون هذا المرور؟.. فكثيرون يحلو لهم عض اليد الممدودة إليهم بحب وكثيرون يعشقون طعن الظهر الآمن عند أول غفلة له..

لذا فإن قرار حب النفس.. قرار صائب.. أحب نفسي وأتجول بصحبتها.. أتسوق معها.. أختار لها الهدايا.. أحتسي شايي ذا النكهة المحببة معها.. باختصار آن الأوان كي أدلل نفسي وأعشقها..

وأُنصت لها كثيرا وهي تبوح بما في دواخلها..

حيث تعترف قائلة :(ظهورك في حياتي في هذه المرحلة من العمر كان اجابة كبرى لاستفسارات كثيرة) .

(أظنني الان قد اقتربت من الدخول الى كهف حياتك فبعض النور بدا يتسلل إلي.. وأظنني على بعد خطوات قليلة من المحطة الأخيرة فأنا الآن أقف فوق آخر بقعة بيني وبينك.. يحق لي الوقوف عليها وكأني أستيقظ من حلم ليلة طويلة.. حلم امتد بي من أعلى قمة رأسي حتى أسفل مسامات قدمي.. فأحلامنا امتدت بنا كثيرا..

تلفت حولي أتلمس جفاف الأشياء.. حولي لأكتشف أنني لم أكن أحلم في الشتاء ومع البرد والمطر.. فالسماء كانت تمطر حبنا علينا.. والشتاء لم يكن قارسا سوى في الحلم معك.. ففي الحلم عشت معك حكاية شتائية الطقوس.. فقد كان المطر يبللني بحبك وكنت ألجأ الى الاختباء تحت شوقك..

حلمي معك لم ينتظر كثيرا.. غادر الحلم وأنا في كامل عاطفتي وحاجتي لحكايتك.. وكانت حكايتك معي غفوة نائم وحلم شتاء فاخر..

وهذا الشتاء.. يتجول عطرك في ذاكرتي الآن.. الساعة منتصف الليل بتوقيت ذاكرتي وكأن المسافة بيني وبينك قاب قوسين أو أدنى..)

* اعتراف*

أعترف وأنا بكامل قواي الثقافية..

بأنني كنت أسرق اشعاري منك..

وأن حبي لنفسي تعلمته منك.