حوارات ولقاءات

حوار نادر لم ير النور : وردي لحسن الجزولي: أغنية (ياحارسنا ويافارسنا) هي (الفرمالة) التى يدينوني


حوار نادر لم ير النور (3-3)
وردي لحسن الجزولي:
أغنية (ياحارسنا ويافارسنا) هي (الفرمالة) التى يدينوني بها.!

محمد ميرغني شاركني في أداء (ياحارسنا) وطلع منها (زي الشعرة من العجين).!

(نحنحة) رجل يتوضأ الهمتني لحن أغنية (من غير ميعاد).!

أخطط لأن أغني على المسرح وحولي (100) طفل.!
حوار: حسن الجزولي

* غنيت للحكم العسكري الأول…الحكاية دي كانت كيف..؟
كانت كده!..ماهو شوف، الانسان بيتدرج في مفاهيمو، وأي زول بتمر بيهو مرحلة بكون فيها غشيم من ناحية الوعي، أنا لمن غنيت (في سبعتاشر هبً الشعب طرد جلادو) و(مش عارف إيه)، وهي أصلاً كلماتا ذاتا كانت ركيكة، وده بوريك إنو أنا كنت مبتدئ، حتى في مفاهيمي نفسها، والكلام ده أنا كررتو في أكتر من مناسبة، كنت يا دوب واصل من القرية وأنا مش ابن العاصمة بمفاهيم الحداثة، وابن القرية لمن يواجه حدث زي انقلاب عبود سنة 1958، طبيعي  ينفعل بالحاصل، ده كنت أنا، وكنت في فورة موقف معادي للأحزاب، في الفترة ديك، وكان وعيي مغبش وفهمي متدني للأشياء، طبيعي أغني للانقلابيين.!
* يعني برأيك أي مطرب يقدم أغنيات لأي انقلابي يعتبر متدني في مفاهيمه..؟
قطعاً نعم، أنا قلت متدني في وعيه بضرورة ما يفيده ويفيد الناس، وكل تجارب المطربين اللي غنوا للديكتاتوريات كانت فاشلة وما أثمرت ولا بقيت في ذاكرة الناس، لأنو ما قدموهو قطعاً كان مسخ وكان فيهو عدم صدق مع النفس لا أكتر ولا أقل!..وممكن تطرح سؤال لنفسك، البخلي الأغنيات اللي بتمجد للديكتاتوريات تندثر وتمشي، في حين تبقى أناشيد الشعب الوطنية وتردد في كل مناسبة وجيل شنو..؟
* الصدق بالطبع، ويبقى ما ينفع الناس.!
ويذهب الزبد، وده نفس ما أشرت ليهو وقصدتو، نعم، وبتذكر في فترة نظام مايو الأولى  دكتور محي الدين صابر كوزير للتربية والتعليم طلب أن نلتقيه محجوب شريف وأنا بمكتبه بالوزارة، فلمن مشينا نقل قرار تفريغ وزارة التربية لينا كمعلمين علشان ننجز تقديم نشيد يمجد مايو في مناسبة الاحتفال بعيدها الأول، بحيث يكتب محجوب الكلمات وأقوم أنا بتلحينها وآدائها، وأذكر تماماً أن الغضب قد تملكنا ورفضنا هذا الأمر وأوضحنا للوزير أنه لا توجد قوة على الأرض تستطيع أن تجبرنا على الابداع بواسطة قرار من السلطة التنفيذية.
* قلت ليهو الكلام ده بالمباشرة دي..؟
بالمباشرة دي، ايوه.
* ورد فعلو كان شنو..؟
ولا حاجة، ما حصل شيء وما كان ممكن طبعاً يجبرنا على الموضوع ده، والحصل إنو الأحداث نفسها تسارعت، وحدث الصدام الشهير مع مايو فتم تصنيفنا ضمن أعداء (ثورة مايو العظيمة).!
* وطبعاً إنت ومحجوب شريف كان عندكم  لمايو النشيد الأشهر (حارسنا وفارسنا) وكررت نفس ما وقعت فيهو في غناك لانقلاب عبود..؟
طبعاً دي (الفرمالة) اللي بدينونا بيها، بعدين ما طرحه نظام مايو من شعارات كان يختلف عن نظام عبود، أيوه معاك إنو تكشفت أبعاد شعاراتو الجوفاء بعد فترة بسيطة من انقلاب مايو، لكن على العموم برضو ابتهاجنا الفني بيهو مدان، محجوب انتقد أكثر من مرة وعلناً تقديم النشيد وقال عنو (مايو لا حارسنا ولا فارسنا ولا هو الخلاص)، وأنا برضو اعتذرت عنو في مناسبات متعددة.
*الفنان محمد ميرغني برضو شارك معاك في الأداء لحارسنا وفارسنا..؟
الغريبة إنو بالرغم من اشتراك محمد ميرغني معاي في أداء النشيد، إلا إنو راس السوط واصلني أنا براي، خلافاً لصاحبي محمد ميرغني اللي طلع منها زي الشعرة من العجينة.!
*بالمناسبة المعلومة دي في ناس كتيرين ما عارفنها، مش عارفين إنو الفنان محمد ميرغني تحديداً هو من شارك معاك في أداء نشيد (حارسنا وفارسنا)..؟
أيوه… لأنو الآداء فعلاً كان فيهو تطابق في درجة ومستويات التنفيذ، فتجانست فنياً أصواتنا ومحمد ميرغني من الفنانين المقتدرين في نوع آداء زي ده.
* طيب خلينا نتناول الحان أناشيدك، هل كلها قمت بتلحينها إلى جانب الأداء..؟
تقدر تقول أغلبها، خاصة اللي اتقدمت في السنوات من فترة نهاية الستينات أو بداية السبعينات وإنت نازل.
*بمعنى أصبحت عندك خبرات وتجارب ومقدرات في التلحين..؟
ما في شك، وده البخلي كتير من القصائد ما بتاخد معاي فترة طويلة.
* هل عندك قصائد قعدت فيها كتير بحثاً عن لحن مناسب ليها..؟
والله أحياناً بتقعد القصيدة لحدي شيء ما يحرك فيني اللحن جواي.
* كيف يعني..؟
ما أنا قبيل أشرت ليك لتجربتي في تلحين نشيد أصبح الصبح، وبرضو بتذكر نص محجوب شريف الجديد وقتها (حنبنيهو)، وأنا بمصر، ظللت أقرأ النص دون الدخول في مرحلة التخطيط لبناء اللحن، لحدي ما انفجر في داخلي ما حرك ملامح اللحن، والمحرك هو عند سماعي لنبأ إعدام النميري للشهيد محمود محمد طه، وفي مساء نفس اليوم الحزين ده، كان لحن نشيد (حنبنيهو) جاهز.
* أيوا…وبتذكر أنا اللي أحضرت ليك نص (حنبنيهو) من محجوب عند قدومي للقاهرة لو بتتذكر..؟
أيوا ، وأفتكر جبت معاهو برضو نص آخر لمحجوب نفسو!.
* ده كان (يا شعباً تساما) فعلاً ديل النصين النقلتهم ليك في مصر..؟
الغريبة اللحن بتاع نشيد (يا شعباً تساما) ما أخد معاي أكتر من يومين!..وأفتكر المحرك الأساسي كان ما بدأنا نسمعه ونحنا في مصر من تحليلات عن إرهاصات بقدوم هبة جماهيرية ضد النميري ونظامه قريباً، وده فعلاً الحصل بعد فترة وجيزة.
* المهم نفهم من حديثك، إنك بتكون في انتظار حدث ما،  بكون هو  بمثابة  المحرك الأساسي لمفاتيح النوتة الموسيقية عند محمد وردي أن جاز التعبير..؟
نعم تمام.
* حدثتنا مرة عن كيفية تلحينك لقصيدة التيجاني سعيد (من غير ميعاد) وكانت فيها طرافة..؟
نعم، زي ما قلت ليك الأحداث بتتفاوت من موقف لآخر، التقطت مدخل أغنية (مين غير ميعاد) بتاعت التيجاني، خلال عودة لي  مع فرقتي من رحلة فنية  في الستينات وكانت في سنار على ما أذكر، توقف البص في طريقه للخرطوم في إحدى الاستراحات، وأذكر بينما كنت جالساً على مقعد وكباية الشاي أمامي، مر شيخ كبير وهو يحمل إبريقاً للوضوء وجلس خلفي مباشرة في فسحة المكان ليتوضأ، وأثناء وضوئه تنحنح زي مرتين تلاتة، وعندما استرقيت السمع لصوت النحنحة واللي كانت تتم بصوت جهوري، التقطت أذني الموسيقية وفوراً المداخل الأولى للتخطيط اللحني لأغنية من غير ميعاد.!
* وما أعتقد الانسان العادي ممكن يلتقط مدخل لحني بالطريقة دي..؟
يلتقطو كيف وهو أصلاً غير موسيقي أو متخصص فيها..؟.. وأهو ده نموذج في التلحين!.
* يا محمد لمن تكون قاعد براك كده، ياتا من الحان  الأناشيد اللي اتناولناها دي قاعده تطربك وتخليك تدندن باللحن براك..؟
– أجاب بعد أن أطرق مفكراً – أقول حاجة ممكن تدهش.؟
* شنو..؟
هل تعرف إنو حقيقة يعجبني نشيد قدمو الفنان عثمان مصطفى لمايو..؟
* معقولة دي؟…وبعد كلامنا ده كلو عن غناء الديكتاتوريات؟ ياتو نشيد ده..؟
أيوه، نشيد إسمو (أنا مايو)،  والنشيد ده إعجابي بيهو مش من ناحية الكلمات أو مضامين الشعر، أبداً بالطبع، بل أعجبني جداً أداء عثمان مصطفى الفني ليهو، وعثمان أنا أصلاً بفتكر إنو من الأصوات النادرة جداً، وبعتبرو صوت أوبرالي عظيم.
* إنت أهديتو أغنية (والله مشتاقين)..؟
أهو ده واحد من أسباب حبي لصوت عثمان، وما كان غريب إنو ينتبه لصوتو مطرب وموسيقار زي محمد الأمين، فيشركه في ملحمة أكتوبر.
* بمناسبة الملحمة ، ما هو رأيك فيها..؟
تجربة عظيمة ما في شك، وفيها جهد موسيقي عالي  وطبيعي أن تأتي من ملحن وموسيقار عظيم زي محمد الأمين.
* تاني شنو من الأناشيد اللي لفتت  نظرك لمطربين آخرين..؟
كتير، عثمان حسين اجتهد برضو في (أرضنا الطيبة) لحناً وأداءً، كابلي في نشيد (هبت الخرطوم) وكتير آخر بس ما بتحضرني الذاكرة للتعداد.
* و(صه يا كنار) والعطبراوي في (لن نحيد)..؟
ديل برضو ممتازات، ما قلت ليك أنحنا القدمناهو من أغاني ثورية ممكن يفجر انتفاضات للشعوب التانية.
* هل ممكن نحلم بأن يلتقي كبار المطربين في عمل ملحمي في قامة الملحمة أو أكتوبر الأخضر..؟
وليه لا، وبفتكر بالامكانيات والخبرات اللي أصبحت  متوفرة لدى الموسيقيين السودانيين ممكن أن تتوفر إمكانية لعمل خلاق زي ده.
* ليه الأناشيد دائماً بتتناول الوطن وتحوم حول الشعب فقط أين أغنية المرأة..؟..أين أغنية الطفل..؟
– أجاب بعد أن أطرق قليلاً – يا حسن أنا أغنياتي العاطفية القدمتها عمري ده كلو بتتناول منو غير المرأة..؟.. بعدين زي أغنية (السنبلاية) بتاعت محجوب شريف، دي أغنية ضخمة، أنا بفتكر فيها تقدير عالي للمرأة من ناحية ما تناولته من مضامين راقية في علاقة الرجل بالمرأة، الزوج بالزوجة، ومحجوب شريف بوعيه أبدع فيها من ناحية الكلمات في معاني الاحترام للزوجة وتقديرها.
* وبالنسبة لأغنية الطفل..؟
أنا مش لاقي النص المناسب، وتحادثت مع عدد من الشعراء بس البقدموهو  مش هو اللي بلبي ما أرغب فيهو أنا حقيقة، وأنا مهموم بالطفل لأنو أنا أصلاً معلم تلاميذ ومن خلال مهنتي يتحرك فيني الاحساس بأهمية أغنية الطفل، وبخطط مستقبلاً لأغنية يؤديها معاي على المسرح أكتر من مائة طفل وطفلة، وقطعاً حا أقدم نص بالمعنى ده قريباً.
* وده وعد لأطفال السودان..؟
ليه لا، ممكن تعتبرو وعد لأطفال السودان.
* شكراً ليك محمد.
مرحب حسن، شرفتنا.

 

السوداني