فدوى موسى

زوجة الريس الجديدة


في قمة انشغاله واندماجه مع مراقبة الطالعة والنازلة لا ينسى ان يسترق النظر ويرهف السمع لدبيب ما يبدو جميلاً أمامه، فهو رغم جديته الزائدة لا يستنكر على نفسه أن تستمتع بالنظر لابداع الخالق.. (الريس) بقسماته الجادة وتفاصيل انفعالاته المتعددة يحث العاملين معه على الاحترام المخلوط بالتؤدد.. أصوات (كركبات) الماكينات واللحام واحتشاد الموقع برائحة الزيوت، تجعل من الورش الموجودة عالماً مختلفاً من عوالم الآخرين.. حركات التروس وصيحات (المكنيكية) توحي بأن العطب سيصان إذا ما سلم اصحاب المركبات أمرها لهم.. والريس وسط كل تلك (دليمة) يتحكر ملكاً يمتاز بطريقته الخاصة في احتساء اكواب الشاي والقهوة، يمارس طقوس الرئاسة ليس في حدود ورشته فحسب، بل يتعداها لكل الورش المجاورة في ارتضاء من أصحابها محبة وتقديراً.. ولأن لسانه يلهج بالشكر كثيراً ما يختلط رد فعل الآخر معه ما بين البسمة وانبعاج (الضحكة الجهورة) ولعدالة نظرته لستات الشاي اللائي يتمحورن حول ورشته في تلقائية لا تخصم من حق الآخرين، فإنه يوزع طلباته لضيوفه ما بينهن (مرة ينده على حواء.. مرة فاطمة.. مرة زهرة..) حتى انهن لا يحتقن أو ينزعجن إذا تأخر في مناداة إحداهن لأنهن يعرفن أنه يحفظ المعادلة تماماً.. ذات الروح التي يتعامل بها الريس معهن يمارس سطوتها مع الوافدين لخدمات الورشة، ولأن النسوة أصبحن قائدات ماهرات للسيارات دخل عنصر (الجندرة) لورشة الريس الذي يعرف تماماً كيف يوزن أمرهن.. لذلك تراه يسترق النظر، ويرهف السمع، فقد أصبح للورشة رواد من وجوه ناعمة وأصوات رقيقة.. والريس فيما يبدو يكتشف هذا العالم بشيء من التمهل والحكمة.. الى أن جاءت (صاحبة الفارهة).. تلك التي تسترعي كل الانتباهات.. الريس بلا تحفز تبنى أمر الفارهة.. في ضمنية لخصوصية صاحبتها.. تلك (البِنيَّة) المعجونة بملامح الأصالة والذوق الهاديء الرصين.. الريس يعلن حضور(زبون مختلف) يشب واقفاً عند وصولها.. يكاد يطلب لها من كل بائعة شاي كوباً.. احتفاءاً وفرحاً.. ويتعدى اصلاح العطب البسيط للعربة الى أعطاب الحزن والفرح والألم، وكل ما هو إنساني.. والريس يعرف من جديد عالم المحبة والغرام والكلام المعسول، ويرد الإحساس بالإحساس.. وتكاد المنطقة الصناعية تفرح ورشها لمقدم تلك (الدافرة) بقوة.. والريس يعود للورا عشرين عاماً..

اخر الكلام.. رغم انفتاحه مع الجميع وقدرته على اختزال المسافات.. إلا أنه أبقى على أمر صاحبة تلك الفارهة سراً في طي الكتمان.. وما عرف أحد انها (زوجة الريس الجديدة) إلا أنتم أيها القراء.

مع محبتي للجميع..