جرائم وحوادث

الكحوليات المحلية في جوبا جنوب السودان… رزق نساء وزاد مقاتلين وملاذ محبطين


من أوكش فرانسيس ـ يتزايد الإقبال علي شرب الكحوليات في جنوب السودان، لا سيما، بين طبقة محدودي الدخل والعاطلين، ورغم المشاكل الصحية، والمجتمعية المرتبطة بالظاهرة، تمثل الخمور محلية الصنع مصدر رزق لكثير من النساء حيث يتم صناعتها بالمنازل، ولكنها في الوقت نفسه كانت أحد أسباب اندلاع العنف، وربما استمرار الصراع الذي اجتاح البلاد منذ أكثر من عام.

الشعور بالملل والكسل دفع دينيس أونين (34 عاما)، إلى تناول الكحوليات، حيث قال في حديث لوكالة الأناضول من داخل أحد الحانات في العاصمة جوبا: “بحثت عن عمل، ولم أتمكن من الحصول على أي فرصة”.

وأضاف “أونين” الذي كان ثملًا بالفعل رغم أن الساعة كانت العاشرة صباحا بالتوقيت المحلي (8 تغ): “البقاء في داخل المنزل ممل للغاية، ولذلك جئت إلى الحانة هنا”.

وتباع زجاجة سعة 500 مللي من مشروب “سيكو”، الذي يصنع محليا من التمور والخميرة، بخمسة جنيهات سودانية جنوبية (حوالى دولار)، في حين تباع زجاجة سعة نصف لتر من “كويتي”، وهي بيرة منزلية تصنع من دقيق الذرة، بجنيه سوادني واحد (0.2 دولار أمريكي).

وفي الوقت نفسه، غزت أنواع الكحوليات الرخيصة الواردة من الدول المجاورة السوق المحلية في جنوب السودان أيضا، حيث تباع الكحوليات في العاصمة جوبا، ومعظم أجزاء البلاد، بحرية في السوق، ولا توجد ساعات محددة للشرب، فتفتح الحانات ومحلات بيع الخمور أبوابها منذ حوالي الساعة السابعة صباحا (5 تغ).

وتابع “أونين”: “الويسكي الذي يأتي من إريتريا سعره مناسب وجذاب للعملاء”.

ومضى قائلا: “نسمي هذا ركن العاطلين، وهو نقطة تجمعنا، لأننا لا نملك هواتف (خلوية)، وعندما نكون هنا، نلتقي الكثير من الأشخاص الذين نتبادل الأفكار معهم”.

وعلى غرار “أونين”، يسرف كثير من الأشخاص في الشراب نتيجة لعوامل كثيرة منها البطالة والملل والكسل.

ورغم أن عادة الإسراف في الشرب، عرفت طريقها بين مختلف الطبقات الاجتماعية، لكنها باتت أكثر انتشارا بين محدودي الدخل من أفراد المجتمع.

وكان للصراع الدائر في البلاد، الذي بدأ في أواخر عام 2013، أيضا أثره على الناس، حيث خسر الكثيرون منهم العديد من فرص العمل والأحباء والشركات، وغيرها.

وتقدر الأمم المتحدة أن عشرات الآلاف، قتلوا في النزاع الذي أدى إلى نزوح أيضا نحو مليوني شخص في حين ترك 2.5 مليون يتضورون جوعًا.

وفي هذا السياق، أعرب الطبيب “أبولو سورو أوليفا دوكو”، وهو نفسه مدمن سابق، عن أمله في أن يقدر على مد يد العون للآخرين.

وقال في حديث لوكالة الأناضول: “كنت محطما، بلا عمل أو أموال، ولا أحد يمكنه أن يمد لي يد العون على الرغم من أني حاصل على شهادة علمية”.

وأضاف: “مدمن الكحوليات، شخصية متشككة للغاية، يعتقد أن الجميع ضده، وعندما يحتاج إلى تلبية تلك الرغبة، يمكنه بيع قميصه وغيره من المتعلقات”.

وأشار إلى أنه أقلع عن الشراب عام 2013، إثر تلقيه العلاج لمدة ثلاثة أشهر في مركز علاجي (مصحة) في كمبالا، عاصمة أوغندا المجاورة.

ولفت “دوكو” إلى أن “هذه مشكلة ضخمة، والمجتمع يقع على عاتقه دور كبير يلعبه في دعم المدمنين على الكحول”، ولكن على حد تعبيره “المشكلة أيضا أنه لا أحد يريد التحدث عن تلك الأزمة، أو التصدي لها وجها لوجه”.

وأعرب عن أمله في مساعدة إخوانه المواطنين، الذين لا يستطيعون تحمل تكاليف العلاج بالخارج، قائلا: “حلمي هو أن يكون هناك مركز لإعادة التأهيل في جنوب السودان، فالكحول مشكلة غير معلنة وكبيرة للغاية”.

وعلى الرغم من أنه يعرف مباشرة كيف يؤثر الكحول على حياة الناس، يعتقد الطبيب أن الحل لا يمكن في وضع لوائح تقنن شراء الكحول.

مفضلا بدلا من ذلك الاجتماعات والمشورة وتبادل الخبرات، أشار إلى أنه “مع فرض التشريعات تصبح الكحوليات أكثر جاذبية للمدمنين”.

ومضى موضحا: “من خلال المبادرات الصحية العقلية والصفاء النفسي، يمكننا تحقيق الكثير من التواصل الذي سيؤتي ثماره على المدى الطويل”.

غير أن هذا لا ينفي أن جزء من مشكلة معالجة الاستهلاك المتزايد للمشروبات الكحولية، هو أنها أصبحت في واقع الأمر مصدر رزق لكثير من السكان المحليين.

وفي هذا السياق، قالت “أغنيس ناباراتا” وهي إحدى مصنعي البيرة: ” كل من عندي من الأطفال يذهبون إلى المدرسة”.

وأوضحت في حديث لوكالة الأناضول، أنها أم لأربعة أطفال خارج إطار الزواج، وليس لديها رجل يساعدها في تحمل مسؤولية تربيتهم.

وأشارت “ناباراتا”، إلى أنها تصنع البيرة منذ أكثر من 15 عاما لتغطية نفقاتهم، مضيفة دون إبداء اعتذار: “أنا بحاجة لإطعامهم ورعايتهم بكل الأشكال”.

وتحاول العديد من ولايات جنوب السودان فرض حظر على تصنيع البيرة المنزلية، وبيع واستهلاك المشروبات الكحولية.

من جانبه، قال “ديو وال تاكبيني”، وزير الإعلام في ولاية البحيرات (وسط)، إن التجريم الذي تم إعلانه العام الماضي لتخمير الكحوليات واستهلاكها ما زال قائما.

وأضاف في تصريح لوكالة الأناضول عبر الهاتف من “رمبيك”، عاصمة الولاية: “عقدنا مؤتمرا حول حل النزاعات وتبين أن أحد الأسباب الجذرية للصراعات هو الكحول”.

وتابع المسؤول: “بالطبع بعض الناس كانوا يموتون، ولكن هذه حالات منفردة، ولكن المشكلة الكبيرة، هي أنه كان السبب الرئيسي للعنف في الولاية”.

وأوضح أنه “مع توافر الأسلحة النارية في أيدي المدنيين، فإنهم سيبدؤون استخدامها لإثارة حالة من انعدام الأمن بعد أن يثملوا”.

واختتم حديثه معربا عن أسفه: “الحظر ما يزال قائما، ولكن هناك أشخاص ما زالوا يشربون بشكل غير قانوني”.

يذكر أنه بداية العام الماضي، شهدت مناطق متفرقة في العاصمة جوبا سلسلة عمليات إطلاق النار وقتل عشوائي لجنود ومدنيين من جانب أشخاص يرتدون زي الجيش، تبين أنهم جنود في حالة سكر، بحسب مسؤولين أمنيين.

وآنذاك، قال المتحدث باسم شرطة جوبا، العقيد جيمس مانداي إينوكا لوكالة الأناضول: “وفقا للتقارير، هؤلاء الذين يقومون بمثل هذه الأعمال الإجرامية عناصر غير منضبطة من القوات النظامية (لم يحدد ما إذا كانوا من الجيش أم الشرطة)، يتجولون بأسلحتهم وهم في حالة سكر، ويبدؤون في إطلاق النار، وفي بعض الأحيان، تفتعل هذه العناصر الأمنية الشجار فيما بينها، أو مع السكان ويسحبون أسلحتهم”.

وبدوره، قال العميد ملك إيوين، مدير الاستعلامات في “الجيش الشعبي لتحرير السودان”، (النظامي) إن “عمليات إطلاق النار الليلية يرتكبها بلطجية وجنود سكارى يجوبون شوارع جوبا”.

والجمعة الماضي، تأجلت المفاوضات الجارية منذ أكثر من عام، بين أطراف الصراع في جنوب السودان، التي ترعاها الهيئة الحكومية لتنمية دول شرق أفريقيا (إيغاد)، إلى أجل غير مسمى، جراء عدم الوصول إلى اتفاق بعد انتهاء المهلة المضافة من قبل “إيغاد”.

ومنذ منتصف ديسمبر/ كانون الأول 2013، تشهد دولة جنوب السودان، التي انفصلت عن السودان عبر استفتاء عام 2011، مواجهات دموية بين القوات الحكومية ومسلحين مناوئين لها تابعين لريك مشار النائب السابق للرئيس سلفاكير ميارديت، بعد اتهام الرئيس لمشار بمحاولة تنفيذ انقلاب عسكري، وهو ما ينفيه الأخير.

القدس العربي