رأي ومقالات

محمد التيجاني عمر قش: حوادث وانتخابات في آنٍ واحِدٍ


 

تابعت مع مجموعة من الإعلاميين عبر وسائط التواصل الاجتماعي، بأسف شديد، ما تناقلته وسائل الإعلام عن حوادث السير في السودان وما نتج عنها من وفيات خلال الأيام القليلة الماضية، محاولين معرفة الأسباب التي تؤدي إلى تلك الحوادث البشعة التي ظلت تحصد أرواح الأبرياء دون أن يلوح في الأفق حل نهائي لها، فهنالك من يلوم وزارة الطرق والجسور على رداءة تصميم الطرق، وعدم صيانتها دورياً بالرغم من أن الجبايات ورسوم العبور التي تجمع من مستخدمي الطرق تكفي لصيانتها وزيادة إذا لم تستخدم لأغراض أخرى، لأنّ الوزارة هي الجهة المسؤولة عن مطابقة تصاميم الطرق للمواصفات والمعايير العالمية المعمول بها في هذا المجال الحيوي الذي يرتبط مباشرة بحياة الناس وأرواحهم وممتلكاتهم ومصالحهم، خاصة في ما يتعلق بالطرق القومية، مثل طريق التحدي وطريق مدني الخرطوم والأبيض الخرطوم وغيرها. وبعض الناس يتحدث عن السرعة الجنونية دون تقدير للمسؤولية تجاه الركاب خاصة من قبل سائقي الحافلات التي تقل الركاب بين المدن، فأكثر الحوادث في واقع الأمر تكون هذه الفئة من المركبات طرفاً فيها وبالتالي يرتفع عدد الوفيات. وبعض المتداخلين يعزو الأمر لغياب الرقابة من شرطة المرور السريع التي لا تخصص وقتاً معيناً لعبور الشاحنات، خاصة تلك التي تجر مقطورات دون أدنى مراعاة لشروط السلامة المرورية من إضاءة خلفية وطول المركبة واضعين في الاعتبار ما تعانيه الطرق في السودان من مشكلات تكاد تجعلها غير صالحة للاستخدام بالمرة. ولكن الحوادث لم تقتصر على النقل البري فحسب بل تجاوزته أخيراً إلى النقل الجوي الذي على ما يبدو يستخدم طائرات منتهية الصلاحية تتبع لشركات خاصة تنشط في بعض المواسم والمناسبات القومية ويستخدمها كبار الشخصيات، وقد كان لتلك الطائرات نصيب مقدر من أرواح الناس في هذا البلد! فهل نسينا من فقدنا في أحراش الجنوب ومستنقعاته، وفي جنوب كردفان، من إخوة لنا كنا ندخرهم ليوم كريهة وطعان خلس، لا بل إن بعضهم كان من كبار رجالات الدولة ومن علمائها الأفذاذ، ولكنهم فقدوا أرواحهم نتيجة استخدام مثل هذه الطائرات التي لا ندري مَنْ جاء بها ومِن أين جاءت؟ وهي هل خاضعة لإجراءات تسجيل الطائرات كما تقرها هيئات الطيران المعترف بها دولياً أم جلبت بطريقة عشوائية؟ كما هو الحال في كثير من أمور وإجراءات هذا البلد الذي يسمح بدخول أشياء تضر بحياة المواطن وتشمل حتى النفايات الإلكترونية والأسمدة منتهية الصلاحية وأشياء أخرى لا نستطيع ذكرها! هذا الوضع يتطلب مناقشة مستفيضة من جهات الاختصاص على كافة المستويات التنفيذية والأجهزة الفنية والهيئات التشريعية والرقابية. فهنالك مسؤولية سيادية ــ إن جاز التعبير ــ تقع على عاتق قيادة الدولة التي من مسؤوليتها المباشرة الحفاظ على أرواح مواطنيها، فالحوادث تقتل من الأهالي أكثر من قتلى الحروب! ولو أن رئاسة الجمهورية أنفقت ثلث ما يصرف في الحملة الانتخابية في صيانة الطرق القومية لأنقذت أرواح مئات أو ربما آلاف الموطنين الذين يموتون سنوياً بسبب حوادث المرور «عفواً فات عليَّ أن الحملات الانتخابية إنما تمول من مالية الأحزاب وليس الخزينة العامة، ولذلك لا علاقة لأموالها بالمرافق العامة». نحن عموماً في السودان، حكومة وشعباً، بحاجة لترتيب الأولويات، ويلزمنا أن نتذكر أن من أحيا نفساً واحدة فكأنما أحيا الناس جميعاً. وهل نسينا مقولة الفاروق رضي الله عنه: «لو عثرت بغلة في العراق لسألني الله تعالى عنها: لِمَ لم تمهد لها الطريق يا عمر؟» ولعمري فإن هذا الإحساس بالمسؤولية تجاه رعاياه هو ما جعل أمير المؤمنين عمر بن الخطاب أحد أعظم حكام العالم عبر التاريخ في وقت كان فيه المسلمون أعظم أمم الأرض قاطبة. وبالطبع لا نتوقع أن يستقيل وزير أو أي مسؤول كبير لوفاة «حفنة» من الناس بسبب رداءة الطرق، فهذا سلوك حضاري متقدم جداً، بينما نتساءل عن دور البرلمان الذي يمثل الجهاز الرقابي والتشريعي لماذا لا يستدعي القائمين على أمر هذه الطرق التي باتت تمثل السبب الأول للوفيات في البلاد، ويوجه لهم مساءلة أو حتى صوت لوم بسيط دون الدعوة لسحب الثقة منهم، فهو الذي جاء به الشعب ليتحدث باسمه فلماذا يصمت يا ترى؟
ومن جانب آخر، ينبغي على الصحافة وأجهزة الإعلام أن تتخذ من الحوادث موضوعاً للرأي عام خصوصاً خلال هذه الأيام التي تستعر فيها حمى الانتخابات لعل أحد المرشحين في الدوائر الاتحادية «يدق صدره» ويجعل من صيانة الطرق وتحسينها برنامجاً انتخابياً، وبالتالي يضمن الفوز بالتزكية وبدون مكبرات صوت وصرف بذخي ليس لله فيه نصيب. والله إنه ليعز علينا أن نفقد أي شخص من أبناء هذا البلد جراء حوادث المرور والطائرات المتهالكة التي لا يُسمح باستخدامها حتى في البلدان التي صنعتها، ويتوقع أن توفر لها قطع الغيار ولو من «الخ