عالمية

حكايات 8 أناشيد وطنيّة حول العالم: ألمانيا تُغني لـ«النساء والنبيذ» وجنوب أفريقيا بـ«خمس لغات»


كزراعةٍ مثمرةٍ للشعور الوطني في القلوب، يشّب الصغار في مختلف دول العالم على عزف وغناء الأناشيد الوطنيّة في طوابير الصباح، والمحافل الرسمية، لتعتاد قلوبهم على التوحُد مع دقات إيقاعه بمرور الزمن..

وبالرغم من الرسمية التي تلُف الأناشيد الوطنية، ودخولها في حزمةٍ مع علم الدولة ومُمثليها تُغلفها قدسية كل ماهو وطنيّ سياديّ علويّ لا يصح المساس به، إلا أن قصصًا شديدة الإنسانيّة، ومتعلقة بمواقف ذاتيةٍ جدًا قد تكون خلف هذه الأناشيد.

«المصري لايت» تستعرض أشهر وأغرب الحواديت خلف الأناشيد الوطنية في التقرير التالي.

1- النشيد الأمريكي «في مديح الراية»

في إطار حرب الوجود التي خاضتها الولايات المُتحدة الأمريكية بداية من صعودها في المجتمع الدولي، نشبت حرب 1812 بين بريطانيا العُظمى، والولايات المُتحدة التي أغضبها تجنيد البحارة الأمريكان في البحرية الأمريكية، وكأن الكون لا يقبل الدولة العُظمى الناشئة، ومن بين أحداث هذه الحرب التي طالت ما يزيد عن العامين والنصف، قصف حصن «ماك هنري» بمدينة «بالتيمور» بواسطة البحرية الملكية البريطانية 25 ساعة متواصلة.

قبل القصف بحواليّ أسبوع، كان المحامي الأمريكي الشاب «فرانسيس سكوت كي» في مهمة استعطاف جانب القوات الإنجليزية التي كانت قد ألقت القبض على صديقٍ له لتحريره، وبالرغم من أن مهمة الإقناع قد نجحت، إلا أن المعلومات التي تنامت إلى سمع الصديقين عن الهجوم المزمع حالت دون إطلاق سراحهما قبل إتمام العملية، ليشهدا القصق من جانب القوات الملكية الإنجليزية، على إخوانهما الأمريكان في «ماك هنري» الحصين.

وبحلول ليلة 13 سبتمبر، أصبح من العسير على المُحامي الشاب على تبيُن أمر القصف، وتداعياته على الحصن، حتى غلب قلبه اليقين أنما النصر للإنجليز من طول مُدة القصف، حتى طلع الصباح، ورأى العلم الأمريكي ما يزال مُرفرفًا على الحصن الأمريكي، ليعلم أن النصر كان للقوات الأمريكية، ويُلهمه الموقف قصيدة «الدفاع عن قلعة ماك هنري»، التي اقتبست منه كلمات النشيد الوطني للولايات المتحدة الأمريكية «الراية المرصعة بالنجوم».

تقول القصيدة التي رافقت نغم أغنية بريطانية مشهورة كان صيتها قد ذاع في الولايات المُتحدة، وأصبحت نشيدًا للولايات المتحدة الأمريكية عام 1913:

«هل تستطيع أن ترى مع الفجر المُبكر

ما ذكرناه بفخر آخر مرة لمع فيها الشفق

الراية ذات التقليمات الواسعة والنجوم الساطعة، بالرغم من الموقعة الشديدة التي رفرف فيها من فوق الأسوار ببسالة

بالرغم من وهج الصواريخ الأحمر، وانفجار القنابل في الهواء

لايزال علمنا موجودًا، وهذا الراية المرصّعة بالنجوم لازالت ترفرف».

2- النشيد الألماني «نشيد الفقرة المحذوفة»

في عام 1841، كان الرأي العام الألماني يتجه نحو توحيد الدويلات الألمانية، وكتب الشاعر «هنريخ هوفمان» قصيدةً من فقراتٍ ثلاث في هذا المعنى بعنوان «ألمانيا فوق الجميع»، في دعوة للدويلات الصغيرة أن تضع وحدة ألمانيا الكُبرى كأولوية أولى مقابل استقلالها، غير أن النزعة المتمردة في شعر النشيد الذي صاحبته موسيقى النمساوي «جوزيف هايدن» وقتها قد فرضت على الشاعر فقدان وظيفته، والهروب والاختباء حتى قيام الثورة الألمانية عام 1848.

في عام 1922، بدأ الألمان في استخدام نشيد هوفمان كنشيد وطنيّ بفقراته الثلاث، غير أن الحزب النازي لمّا تولى الحكم عام 1933 حذف الفقرة الثانية والثالثة من النشيد، وأصبحت الفقرة الأولى وحدها هي النشيد، والتي تصف حدود ألمانيا من نهر «الماس» إلى نهر «نيمن»، ليتم إلغاؤه تمامًا بعد هزيمة ألمانيا في الحرب.

وفي عام 1952، لجأ الألمان مرة أخرى لنشيد «ألمانيا فوق الجميع»، هذه المرّة لفقرته الثالثة على وجه الخصوص، في حين حُظرت الفقرتين الأولى والثانية من النشيد لاتصالهما بشكلٍ ما من النزعة الألمانية الآرية.

الفقرة الأولى:

«ألمانيا فوق كل شئ في العالم، عندما نقف سويًا بأخوة، من نهر الماس، لنيمن، من إتش، إلى بيلت، تبقى ألمانيا فوق كل شئ في العالم».

الفقرة الثانية:

« نساء ألمانيا، ولاء ألمانيا، نبيذ ألمانيا، أغاني ألمانيا، كل هؤلاء بالذات لابد أن يبقى ذكرهم في العالم محتفظين بنغمتهم القديمة؛ ليلهمونا فعل كل الأشياء النبيلة دومًا».

الفقرة الثالثة:

«وحدة، عدالة، وحرية الوطن الألماني، لأجل ذلك علينا النضال بأخوّة، بقلب ويد. وحدة وعدالة وحرية هم ضمان الرخاء، أزهر بنور الرخاء، أزهر أيها الوطن الألماني».

3- النشيد الصيني «مسيرة المتطوعين كُتب لفيلم»

كأغنية مصاحبة بالأساس لرواية يكتُبها الكاتب الصيني تيان تين، و فيلم هو «أطفال الأوقات الصعبة»، عن شاب يقرر الهرب من أحداث «شنغهاي» كأحد فصول الحرب الصينية – اليابانية، إلى مدينة بعيدةٍ عن الحرب، غير أن الظروف تضطره إلى الانضمام للحرب، بعدما يتم اختطاف صديق له، كتب تيان تين قصيدة من فقرتين بعنوان «الحائط العظيم» عام 1934، و يُعزف بمصاحبة لحن للروسيّ «ني إر»، قبل أن يتم القبض على تيان تين، وتشيع الأساطير حول في أرجاء الصين الشعبية حول ظروف كتابة القصيدة، إذ كتبت على ورق المناديل، أو الورق المبطن لعلب السجائر، بالرغم من أنه بالفعل كتب قبل الدخول للسجن.

يقول النشيد الوطني الصيني:

«انهضوا، يا كُل الرافضين أن يصبحوا عبيد، فليصبح جسدنا ودمنا هو سور الصين الجديد،

عندما تواجه الأمة الصينية أعظم أخطارها، لا بُد ان ينفق الجميع صيحاتهم،

انهضوا؛ فقلوبنا المليون تنبض كقلب واحد،

تحدّى نار العدو، تقدّم…».

4- نشيد جنوب أفريقيا «نشيد اللغات الخمسة»

كمزيج بين ترنيمة كنسيّة قديمة كتبها مُعلم جنوب أفريقيّ عام 1897، تحوّلت كأيقونة للجهاد ضد حكومة الفصل العنصري فيما بعد، وبين أغنية «نداء جنوب أفريقيا»، ليتم غناءهما سويًا عام 1994 في تنصيب نيلسون مانديلا، ويتم مزجهما عام 1997 بشكل رسمي كنشيد وطني لجنوب أفريقيا.

ويُغنّى النشيد الوطنى الجنوب أفريقي بخمس لُغات هي الأكثر شيوعًا بين الإحدى عشر لُغة الشائعة في جنوب أفريقيا، كل فقرة بلُغة، كرمز للوحدة، هي: الخوسية، والزولوية، والسوثو، والأفريقانية، والإنجليزية.

يقول النشيد:

«فليبارك الربُ جنوب أفريقيا،

وليجعل بوقها مجلجلاً،

اسمع يا رب لصلواتنا،

بارك يا رب العائلة الجنوب أفريقية،

بارك أمتنا، أوقف معاناتنا

احمِ أمتنا

من عمق الجنة، من قلب المحيط،

من فوق الجبال الشاهقة

سترُد الصخور الشامخة:

لابد للنداء أن يصبح واحدًا،

وألا نقف إلا متوحدين..»

5- النشيد الإيطالي «خواطر مُراهق ثوري»

بخطٍ مُرتبك، لشاب إيطاليّ يستعد للخروج في تظاهُرة كُبرى مناهضة المستعمر عام 1847، هو «جوفريدو ماميلي» الذي تحفظ كُراسة مذكراته للآن في متحفٍ إيطالي، وقد خلدت اليوم بمحاولاتها المتعددة لبدء القصيدة، وخطها المُرتعش، لتكتب منها أخيرًا نسخة أكثر تنقيحًا وأسلم من الأخطاء الإملائية تُرسَل للمُلحن «ميشيل نوفارو»، وللمطبعة لطباعة مئات المنشورات لتوزّع في التظاهُرة.

ومن تاريخ تظاهرة 10 ديسمبر 1847 تلك، والنشيد الجديد انتشر كالنار في هشيم إيطاليا الثائرة، ويتم استخدامه من بعد الحرب العالمية الثانية بشكل شعبي كنشيد وطني، لا يتم تبنيه بشكل رسي قبل عام 2012.

يقول النشيد:

« أخوة إيطاليا، إيطاليا استيقظت، وربطت رأسها بخوذة سيبيو،

فليذلل الرب النصر لإيطاليا، فالرب قد جعله عبدًا لروما (…)

كنا لقرون مظلومون، وكان الناس يسخرون منا، لأننا لم نكن شخصًا واحدًا،

دعونا نتحد تحت علم واحد، إذا كان قدرنا أن نتحد، فقد آن الوقت لذلك…».

6- نشيد أستراليا «مسابقة لم ينجح أحد»

في عام 1973، تقدّم 1200 متسابق بنماذج لقصائد تصلُح كنشيد وطنيّ لأستراليا، غير أن لا واحد من الألف ومائتين اعتُبِر لائقً، ليتم استفتاء الشعب أخيرًا على اختيار واحد من أربعة، ليُصبح «تقدّمي يا أستراليا» هو النشيد الوطني بحلول عام 1977، من شعر المُعلم الأستراليّ«بيتر دودز» عام 1878 الذي هاجر إلى أستراليا عندما كانت ماتزال مستعمرة بريطانية.

يقول النشيد:
« لنبتهج جميعًا كأستراليين؛ لأننا فتيان وأحرار وعندنا تربة ذهبيّة نكّد من أجلها،

لأن بيوتنا محاطة بالبحر، وأرضنا تزخر بهدايا الطبيعة الغنية بجمالها،

تقدّمي يا أستراليا الجميلة في صفحة التاريخ..».

7- نشيد كوبا «من على صهوة جواد»

ضمن نضالات الكوبيين على مدى عشرة أعوام لنيل الاستقلال من الإسبان، كانت معركة « بايامو» عام 1868 من المرّات المُبكّرة التي انتصر فيها الكوبيون على الإسبان، ليُهمهم المُحاربون لحنًا مستوحىً من النصر، ويجرون به على الزعيم المتمرّد «بيروتشو فيجاردو» وهو ما يزال على صهوة جواده، ليكتُب ملحميّة «لا باياميزا» التي أصبحت فيما بعد نشيد كوبا الوطنيّ.

تقول «لا باياميزا»:

«أسرع إلى المعركة، رجال بايامو، الذين تطلّع إليهم الوطن بكُل فخر فلم يخافوا الموت؛ لأن الموت لأجل الوطن هو العيش..».

8– نشيد الجزائر «النشيد المُهدى»

من جانب شاعر الثورة الجزائرية ضد الاستعمار الفرنسي، مُفدّى زكريا، جاء النشيد الوطنيّ الجزائري، بناءً على طلبٍ من الزعيم اللبنانيّ الثائر عبّان رمضان منظّم الكفاح الجزائري المسلّح ضد فرنسا، ليُلحنه أولاً موسيقار تونسي هو علي السرياتي، على وجهٍ لم يرضَ عنه تمامًا عبّان رمضان.

أخذ مفدّى شعر النشيد معه، وذهب به إلى مصر، حيث التقى بالموسيقار محمد فوزي، الذي أهدى لـ«قسمًا» النشيد الوطني الجزائري لحنًا من جنس قوته عام 1956.

يقول نشيد «قسمًا»:
«قسمًا بالنازلات الماحقات، والدماء الزكيات الطاهرات
والبنود اللامعات الخافقات، في الجبال الشامخات الشاهقات
نحن ثُرنا فحياةٌ أو ممات، وعقدنا العزم أن تحيا الجزائر

فاشهدوا.. اشهدوا.. اشهدوا..».

المصري اليوم