حوارات ولقاءات

الصادق الرزيقي رئيس اتحاد الصحافيين : السياسة هي قدر مشئوم للذين يمارسون مهنة الصحافة ونحن قد غرقنا في قاع السياسة


السياسة هي قدر مشئوم للذين يمارسون مهنة الصحافة ونحن قد غرقنا في قاع السياسة
صغيرا كنت أحلم بأن أكون ضابطاً في المباحث.. وأنا مرجع لبوليود السينما.
أحببت من أول نظرة.. وتزوجت من هذه الفتاة..
صراع الملكين للانتباهة ضخم أكثر من اللازم لكنه لم يؤثر في مجرى الصحيفة وهذا ما فعلته.
نحن في الاتحاد لا نحابي أحداً. ولا مانع من تكوينات المجتمع المدني الصحفية
الشيوعي السوداني يختلف عن الشيوعي في أي دولة أخرى، ونقد كتب مؤلف الرق في السودان لخدمة الفكرة الشيوعية

يقولون إنه أديب ضل طريقه إلى الصحافة. هو كما يقول عن نفسه خليط من أمكنة وأزمنة مختلفة. يحمل في جوفه ثقافات عدة. هو سياسي وأديب ومثقف وصحافي وشاعر. إنه الصادق الرزيقي نقيب الصحافيين السودانيين ورئيس تحرير صحيفة الانتباهة. الذي ذهبنا إليه يوم أمس بمكتبه باتحاد الصحافيين.. وجدنا المكتب يضج بالصحافيين على غير العادة. لم نرَ مثل هذا المنظر سابقا. كان الصحافيون ينتشرون في كل أنحاء الاتحاد وأرجائه. كانت هناك حياة في الاتحاد لم نرها من قبل. استقبلنا الرزيقي بكل أريحية. وتحدث معنا بصدر وقلب مفتوح. تحدثنا في كل شئ تقريباً وخرجنا منه بهذا الحوار الشيق:
من هو الصادق الرزيقي؟
أنا خليط من أمكنة ومن أزمنة مختلفة، أنا الصادق إبراهيم أحمد إبراهيم، من أهالي الرزيقات الضعين، ولدتُ بالنيل الأبيض بالجزيرة أبا، ومعروف ما هي الجزيرة أبا في التكوين التاريخي، والاجتماعي والسياسي والديني، لكنني نشأت وترعرعت في مدينة زالنجي وهي حاضرة من حواضر قبيلة الفور، والدي كان معلما أزهريا من خريجي الأزهر الشريف، وكان من الذين فتحوا المعهد العلمي لمدينة زالنجي التي كانت عامرة بالحركة والنشاط التجاري وكانت بؤرة استقطبت عددا كبيرا جدا من التجار ومن الموظفين ومن كل مناطق السودان المختلفة ولعل أشهر رموزها آل حجار والنفيدي وأبرسي وعدد من التجار القادمين من شمال وشرق السودان، وكان هناك الزعيم سيسي أتيم والد التيجاني سيسي، وعندما وصلت إلى الصف الرابع الابتدائي انتقلت إلى نيالا، وعشت بقية حياتي في منزل الأسرة بنيالا، وبالرغم من أن الموطن الأصلي الضعين لكن حياتي كانت في نيالا.
دائماً في مقالك (ومنا النشيد) كل جمعة لا حظنا أنك تتحدث عن نيالا كثيرا، لماذا سحرتك نيالا؟
كما قال محمد المكي إبراهيم(يختبئ البستان في وردة)، كنت اعتقد أن العالم كله يختبئ في مدينة نيالا، في السبعينيات تفتحت مداركي بنيالا، وقد أكملت دراستي المتوسطة والثانوية في نيالا، وهي المدينة الثانية في السودان بعد الخرطوم من ناحية السكان والعمران ووجود الناس والحركة الاجتماعية والثقافية، نيالا مدينة جمعت كل المنابت والمشارب المختلفة في السودان صهرت تيارات وأطياف مختلفة من السودانيين قبلية واجتماعية وثقافية وسياسية، وأنماط مختلفة من البشر وهجرات من غرب أفريقيا ومن شرقها ومن أواسطها. ولذلك انتجت نيالا مجتمعا مختلفا، هذا المجتمع كان مختلفا، كنا نرى البضائع القادمة من غرب أفريقيا الوسطى ومن الكاميرون وكذلك الوافدين من أفريقيا الوسطى وجنوب السودان، ولا تعتمد كثيرا على السلع والبضائع القادمة من الخرطوم، الميزات المدنية والحضرية بنيالا كانت مشرعة على آفاق واسعة جدا، وكانت هناك واحدة من أكبر السينمات في السودان، ولديها مسرح ضخم جدا، وتوجد بها حركة رياضية واسعة، هذا هو المجتمع في نيالا، ولذلك المركوزات في الذاكرة من الصور المجمدة في الخاطر جعلت من ذاكرتي مشحونة بالمشاهد وبالصور، وبالمرائي المختلفة، وهذه ذاكرة جيدة جدا لكاتب يريد أن يكتب سيرة ذاتية للمجتمع أو مدينة.
كنت تتحدث عن ذلك القطار الذي يأتي من الخرطوم وأنتم صغارا. وقلت في إحدى كتاباتك إن بعض الأصدقاء كانوا يذهبون إلى القطار ليأتوا إلى الخرطوم. هل كنت تتوقع أن تعمل صحفيا وتستقر هنا في ذلك الزمن؟
لم يكن في البال ملامح واضحة للمستقبل بالرغم أننا بدأنا النشاط الصحفي في المتوسطة حيث كنا نحرر صحيفة حائطية، واحتراف الصحافة لم يكن واردا في ذلك الوقت، لكنني كنت بتأثير الروايات البوليسية (ارسيل لوبين، أجاثا كريستي، كتب المغامرات والألغاز ومجلات سمير وميكي، نيالا كانت بها أكبر حركة ثقافية في مدن السودان، ولكنني كنت ارغب أن أكون ضابطا في المباحث وقد أغرتني بذلك كما ذكرت قراءاتي في هذا المجال، في السبعينيات تلك الفترة النضرة.
أنت تتفق مع كثيرين على أن فترة السبعينيات وقبلها الستينيات كانت فترة ذهبية وأنت تقول نضرة.. بالرغم أن البوني يختلف تماما عنكم إذ يقول إنها ليست ذهبية ولا حاجة.. كيف تنظر إلى هذا القول؟
لا لا.. دائماً يجب أن تنظر إلى نوع الانتقالات التي حدثت في المجتمع، كثافة المنتوج الإبداعي السوداني في والستينيات لم تتوفر مطلقا في العقود التي تلت ذلك، عمالقة السودانيين وكبار المبدعين، أنا اعتقد أن المواعين الإبداعية والثقافية نهلت الوجود في ذلك الوقت، وأضرب مثالا. السينما مثلا، كانت من أكبر مصادر الاستلهامات.
هل كنت تحب السينما؟
طبعا عندما كنت في المتوسط دخلت السينما 365 يوما متواصلا، بعض الأفلام شاهدتها أكثر من سبعة مرات كان لدى غراما كبيرا بالسينما، لأنها تضيف إلى الخيال الموجود.
هل أضافت إليك شيئا في عالم الصحافة؟
بلا شك.. أنا اعتقد أن لدى خيال سينمائي، أنا كنت أحب الأفلام التاريخية خاصة الأفلام التي تحكي عن اليونان وهرقل، إضافة إلى حبي للأفلام الهندية، أنا اعتبر نفسي مرجعا لـ(بوليوود)، لأن لدى اهتمام واسع بها كذلك السينما الغربية، لدى بها اهتمام، فالسينما إضافة إلى الإذاعات أنا اعترف أنني نهلت منهما كثيرا.
بالرغم من حبك للسينما إلا أنك لم تتوجه لكتابة سيناريوهات أو حتى تتعمق في مجالها العملي؟
في فترة الصبا الغض انشغلت بضرب آخر من ضروب الإبداع، كنت أكتب الشعر وكانت لدى انشغالات بقضايا الأدب واللغة، والخطابة والدورات المدرسية، ولذلك لم اهتم كثيرا بكتابة القصة أو الكتابة النصية. وكنت اهتم بالكتابة المنظومة، إلى فترة قريبة جدا عندما تركت الشعر وتوجهت نحو الكتابة ذات الطبيعة الأدبية.

ومنا النشيد، مقالك يوم الجمعة، فيه طابع الحداثة، أنت أقرب إلى أدونيس الذي ولد في التسعينيات؟
شعر الحداثة لم يولد في التسعينيات بل هو شعر قديم في أوائل الخمسينيات، ونضجت تماما، حتى أدونيس وصلاح عبدالصبور والبياتي والفيتوري وعبدالمعطي حجازي ومحمود درويش وغيرهم هذه هي فترة الخمسينيات والستينيات والسبعينيات وامتدت إلى الثمانينيات وبدأت هذه المدرسة تضمحل في التسعينيات، هنالك قبة منسوجة من هذا النمط في تلك الفترة، كنت اهتم حينها بالسياب في تلك الفترة خاصة وإنه تميز بإشراقات في المعاني واللغة ثم تطورت في مرحلة أخرى بعد أن تجاوزت النزاريات بسرعة (نزار قباني) لأن مواضيع الشعر عندي اختلفت، وملت إلى الشعر السياسي لفترة، مظفر النواب ومحمود درويش وسميح القاسم وسيف الرحبي.
ماذا تقول في من يقول إنك أديب ضل طريقه إلى السياسة أو إلى الصحافة؟
السياسة هي قدر مشؤوم للذين يمارسون مهنة الصحافة، ولا يمكن أن تفصل هذه المهنة من السياسة، وأنا اردد دائما قول الفيلسوف المغربي الكبير، عبدالله العروي (عندما تنحط السياسة تجر معها الجميع إلى الحضيض فلا يصبح الفن فنا ولا الرياضة رياضة ولا الصحافة صحافة)، والسياسة بثقلها الكبير تجر الجميع إلى القاع، نحن قد غرقنا في قاع السياسية.
أما قبل، ومنا النشيد، عنوانان لمقالين في الانتباهة لم يثبت أنك انحدرت في مهاترات مع زملائك الصحافيين إلا نادرا جدا، كيف تنظر إلى مهاترات الصحافيين؟
يا أخي إن الذي يهتم بمواعين الأدب ولديه ذخيرة كبيرة، يعيش خارج الزمن، نحن نعيش آخر الزمن الذي فيه الناس، تعيش خارج الزمن بمعنى أنك لا تشارك الناس في كثير من المعطيات الموجودة، ولذلك أنت تأبى على نفسك أن تنزل إلى السفوح التي يتصارع فيها الناس بقضايا ليست ذات أهمية كبيرة، لأن من يهتم بالإبداع يكون لديه مشاريع مختلفة، أنا اقصد المشروع المعرفي والمشروع الثقافي والمشروع الإنساني الذي هو أكبر من الخلاف، الخلافات والمعارك هي مسائل طارئة، ومسائل في نطاق وحيز زمني غير ذلك الذي اعيشه، لذلك ليس هناك جدوى من المهاترات والتنابز والشتائم ولا المواجهات لأن الحياة طيف سريع لا ينبغي أن نضيعه ولمعة البرق الهائل التي تعطيها لك الحياة في قضايا انصرافية، ما يحدث الآن من مهاترات صحفية ليست في قضايا عميقة ولا تضيف للشاتم والمشتوم شيئا ولذلك أنا أربأ بنفسي من أكون في هذا الموقع.
الخلاف الشهير الذي كان بين بابكر عبدالسلام والطيب مصطفى.. في مجلس إدارة الانتباهة لاحظنا أنك لم تنحاز في كتباتك لواحد منهما ما السبب؟
الخلاف ضخم أكثر من اللازم للأسف الشديد، هو خلاف حول الأسهم، ومن يملكها، لا علاقة له بالمجرى العام للصحيفة، الانتباهة تقوم بعمل صحفي وتقدم البيانات والمعلومات للمجتمع، وهي وسيلة من وسائل الإعلام، وأنا كرئيس تحرير حاولت أن أبعد الصحيفة عن هذا الصراع، تركنا المجرى العام للصحيفة يمضي هادئا وعميقا ومؤثرا والخلاف الجانبي الذي يدور على الضفتين لا يتأثر، كالنهر.. فمياهه جارية ولكن الناس يصطرعون في الشاطئ، فليصطرع الناس حول قضايا الملكيات والأسهم ويتركوا المجرى، هذا هو المنهج وقد كان ناجحا جدا، ولولا أن الانتباهة (عظمها قوي) لانهارت، عندما يختلف الناس بهذا الحجم وأسماء كبيرة ومؤثرة في المجتمع بتجربتها وخبرتها، أن إبعادنا للصحيفة من الصراعات هو الذي جعلنا نتقدم ولا نتأثر بهذا الصراع ،
هناك كيانات صحافية، شبكة الصحافيين، ومنظمة مكي المغربي إلا يمكن أن تعود هذه الكيانات إلى حضن اتحاد الصحافيين السودانيين ؟
الممثل الشرعي والوحيد للمجتمع الصحفي هو اتحاد الصحافيين، لسبب بسيط أن ممارسة العمل الصحافي يجب أن تتم وفق القانون وتعريفاته بالشروط الموجودة والتي يقوم عليها الاتحاد، وأن يكون حاصلا على شهادة القيد الصحفي التي تجوز له العمل الصحفي وأن تكون عضوا في الاتحاد، التكوينات الأخرى هي تكوينات مجتمع مدني وهذا جيد، ويمكن لهذه المنظمات أن تعمل ولكن يجب أن لا تتعارض كليا في إدارة المجتمع الصحفي مع الاتحاد، الاتحاد لديه مهم محددة وهو اتحاد مهني يدافع عن حقوق الصحافيين، ويسعى إلى ترقية مهنة الصحافة وإلى تدريب وتأهيل الصحافيين والوقوف معهم في كل احتياجاتهم، والدفاع عن التشريعات والقوانين والمشاركة فيها تنظيم العمل الصحفي، لكن هناك مجالات أخرى تنشأ فيها منظمات أخرى كتلك التي ذكرتها، وهذا متاح لهم، أنا لست منزعجا لهذه التنظيمات ولا ينبغي لنا أن ننزعج، لأن الناس من حقهم أن ينشطوا في منظمات المجتمع المدني ومن الأوجب أن نحرض الصحافيين أن يكونوا فاعلين في المجتمع المدني ولكن الاتحاد العام هي المظلة الأكبر والأشمل.
منذ القيادة السابقة للاتحاد وحتى الآن هناك من يقول إن اختيار الصحافيين للدورات التدريبية الخارجية والداخلية تتم على طريقة(خيار وفقوس) كيف ترد على هذا الحديث وما هي معايير اختيار الصحافيين؟
نحن الآن حددنا معايير حيث تتم مخاطبة المؤسسات الصحفية وهي من ترشح وليس من حق الاتحاد أن يختار.
هناك دعوة قديمة متجددة إلى دمج الصحف، كف تنظر إلى هذا الرأي؟
كثير من الناس ينظرون إلى تجربة الصحف العريقة في الغرب، ونشأ رأي أن الصحافة السودانية ضعيفة في إمكانياتها وقدراتها ومجالات مختلفة واقتصاديات الصحف منهارة ولذلك ماذا لو تكاملت هذه الإمكانات وجمعت مع بعض تصدر صحيفة قوية لكن هناك معضلة أن الصحافة الآن حرة وهي قطاع خاص، ليس مملوكا للدولة ولذلك من الصعوبة جدا في وجود القوانين المنظمة للصحافة أن يذهب الناس إلى ذلك ولا يمكن أن تجبر أحدا على ذلك إلا إذا كانت رغبة متبادلة من الجميع، كما حدث في الشراكة بين جريدة الصحافي الدولي والحرية والصحافة سابقا، لكن المستقبل الآن في ظل المهددات التي تواجه الآن الصحافة الورقية، لابد أن يكون هناك تفكير جديد في كيفية تجميع الإمكانات، فبدلا من أن انشئ مشروعا ضئيلا فلماذا لا ادخل في مشروع أكبر قادر على الحياة والبقاء.
متى دخلت الحركة الإسلامية ومن الذي ادخلك فيها؟
في الأعوام 1980، 81 كنا في الصف الثاني المتوسط ومن دعاني إلى الحركة الإسلامية هو الأخ الشهيد الإذاعي الكبير عبدالحي الربيع الذي استشهد في طائرة العيد ولم أكن في تلك الفترة في مرحلة النضوج الفكري، لكن بطبيعة المجتمع والتنشئة فقد نشأت في بيت كان به أبي وهو رجل أزهري. لذلك كان من الطبيعي أن يكون خطاب الحركة الإسلامية جاذبا ومتوافقا مع المزاج العام لدى.
في عائلتك الآن توجد أختكم الكريمة وهي مؤتمر شعبي وليد وومحمود وهو مؤتمر شعبي وأنت مؤتمر وطني. كيف ذابت هذه التوجهات في ظل الأسرة؟
قبل أن يتصنف وطني وشعبي كانوا كلهم شيئا واحدا، وهذه من طارئات السياسة وكما ذكرت لك أنه عندما تنحط السياسة تجذب الجميع إلى القاع، المطامع السياسية هي التي خلقت هذا التصنيف، لكن بالتأكيد في العلاقات الأخوية لا يوجد مثل هذه الخلافات.
هل تناقشون قضايا السياسة على مستوى الأسرة؟
طبعا.. نتناقش في قضايا السياسة وفي كل المحاور ،أختي الكبرى في البرلمان عن المؤتمر الشعبي ونحن نتناقش دائما في مختلف المحاور السياسي
ذهبت إلى القضارف وكنت متحدثا في ندوة للحركة الإسلامية. الفتاة التي قدمت الندوة وأنت تراها لأول مرة.. بعد فترة تزوجتها.. حدثنا عن قصة الزواج هذه؟
كان معسكرا لطالبات المرحلة الثانوية، وكنت ضيفا على الأخ عبدالإله أبو سن والأخ هشام التهامي، والأخ طارق بابكر والأخ الهادي عمر أحمد، وهم كانوا مسئولين من الطلاب في تلك الفترة الباكرة من النصف الأول من التسعينيات واستضفت في ندوة مغلقة وصحيح أن التي قدمتني للندوة هي التي تزوجتها بعد ذلك.. قررت الزواج بها من تلك اللحظة.. هم يسمون هذا الأمر الحُب من أول نظرة.
سافرت كثيرا ما هي الدول والمدن التي حركت أشجانا في الرزيقي؟
الناس يشبهون المدن والنساء بأنهم مثل الفاكهة، لكل واحدة طعم ولون ومذاق مختلف، لا يمكن أن تستعيض بنوع واحد من الفاكهة ولكن كل مدينة لها وقع خاص في النفس، احببت عددا من المدن. مثلا احب بيروت المدينة جدا، فبيروت مثلت لي لحظات باقية من الذاكرة، السياسية العربية، ومن زياراتي المتعددة لها اكتشفت ذلك الطعم الذي وجدته في كتب الشعراء والروايات وكتابات سهيل إدريس وفي المجلات القديمة والقواميس التي خدمها مسيحيو لبنان فالمسيحيون هناك خدموا اللغة العربية، اعجبت جدا بالعاصمة الروسية موسكو، وهي بالنسبة لي كانت تمثل ملامح مختلفة من روسيا القيصرية القديمة ومسرح البالية والأوبرا، موسكو مدينة للثقافة وبها الكثير من الحركات الفنية والمسرحية والرياضية، لم تعجبني المدن الغربية كثيرا، فأنت تحس أنها مدن روتينية لم تعجبني سوى مدينة (دويسبورغ ) بألمانيا وهي عاصمة شمال نهر الراين، أما في أفريقيا فأنا أحب العاصمة (كيقالي) وهي من انظف المدن في العالم وهي تقوم على تلال مختلفة.
كنت تكتب الشعر ما هو المقطع الذي تمنيت أن تكتبه من الشعر، مقطع تردده دائما في دواخلك؟
أردد الكثير من أبيات الشعر وكما ذكرت أنا أحب الفيتوري جدا وأردد قصيدته الشهيرة يأتي العاشقون إلى بغداد ومنها:
لم يتركوا لك ما تقول، والشعر صوتك، حين يغدو الصمت مائدة وتنسكب المجاعة في العقول، ليعرفوك وأنت توغل عاريا في الكون إلا من بنفسجة الذبول لم يبصروا عينيك كيف تقلبان تراب أزمنة الخمول.. إلى آخر القصيدة..
كيف وجدت الفيتوري في زيارتك؟
التقيت بالفيتوري عدة مرات ولكن في هذه الزيارة قابلته بعد أن ذهب البريق وضعف الجسد ويجلس على الكرسي لا يتحدث.
ألا تعتقد أنه من الأولى لهذه الحكومة أن تأتي الفيتوري إلى وطنه ليعيش هنا؟
نعم هذا هو المأمول لكن الفيتوري الآن لا يستطيع أن يتحرك أو يسافر لأنه اقعده المرض.
ما الذي يطربك في حقائبنا الفنية؟
أنا لست كثير الانجذاب لغناء الحقيبة، لكنني استمع لوردي وعثمان حسين أما ما بعد السبعينيات فلا يطربني.
وفي المدائح؟
تشدني مدائح أولاد حاج الماحي.
هناك من يقول : مجئ الإنقاذ تحول الكثير من الفنانين إلى مداح وأصبح مدح النبي نوعا من أنواع الرزق؟
الناس على دين ملوكهم وكيف ما كان السلطان واهتماماته تذهب الحياة وأنماط ممارسة الحياة إلى حيث يريد.
الرزيقي . ما الذي يزعجك في هذه الحياة ؟
أشياء كثيرة تزعجني في الحياة، منها اللا مبالاة وعدم الجدية، والكذب والحسد، وللأسف تظهر في داخل الأصوات التي يجب أن تتحلى بالقيم الفاضلة في الحياة فالذين يشتغلون في عالم الإبداع والصحافة والإعلام والسياسة هذه الفئات يجب أن تتحلى بالصدق والسماحة والعفو الآن تجدهم انصاف مثقفين ومتعلمين.
شخصيات سياسية تعجبك يا أستاذ الصادق في كلا من الآتي المؤتمر الوطني؟
أنا احمل تركيبة تنزع إلى المسائل الفكرية وقبل المفاصلة كنت معجب بأحمد عثمان مكي، وغازي صلاح الدين وأمين حسن عمر. أنا اقرب إلى أهل النظر وليس الفعل أنا تعجبني الفكرة السياسية.
الحزب الشيوعي السوداني؟
أنا جلست إلى محمد إبراهيم نقد وكنت اعتقد أنه سوداني الفكرة وكنت انظر إليه أنه اقرب إلى الشخصية السودانية من سكرتير الحزب الشيوعي السوداني.
لماذا يقول الناس إن نقد اقرب إلى الإسلاميين؟
لأن الفطرة السليمة والفكرة والثقافة المركزية تستطيع أن تصوغ وأن تهضم كل الأفكار الوافدة لذلك تجد الشيوعي السوداني يختلف عن الشيوعي في المواقع الأخرى. هناك قبس جوهرة داخلية تجعل من السوداني سوداني.
هل تتفق مع نقد فيما كتبه بكتابه عن الرق في السودان؟
طبعا لا اتفق معه لأن ذاك الكتاب انطلق من فرضيات أيدولوجية فكرية محددة وكان يؤمن بها رجل، لم يكتب الكتاب وهو في حالة سودانية سليمة، في حالة فكرية سياسية حاولت أن تتطوع قضية الرق لصالح الفكرة المركزية للحزب الشيوعي السوداني.

التيار