ضياء الدين بلال

العبيد وفقه السترة!


-1-

تابعتُ باهتمام برنامج (حتى تكتمل الصورة)، الذي يقدِّمُه الزميل الطاهر حسن التوم، بقناة النيل الأزرق، وهو يناقش تقرير التحقق من انتشار الصحف، الذي أصدره المجلس القومي للصحافة والمطبوعات للعام 2014م.
استمعتُ لحديث السفير العبيد مروح، الأمين العام للمجلس، وهو يدافع عن صدقيَّة التقرير، ويسعى لدحض كثير من الشبهات التي تحيط به.
أمرٌ مدهش، أن يدّعى العبيد أن نسبة دقة التقرير تصل لـ100%. كنتُ أتمنَّى أن يتواضع قليلاً، ويقوم بتقديم نسبة قابلة للتصديق 70% أو أقل!
-2-
بعيداً عن الظنون السيئة في الزملاء، وبافتراضات عقلية ومنطقية، باستطاعتنا أن نثبت وجود ثغرات عدّة، تسمح بتجميل الأرقام والتلاعب بالنِّسب.
قبل القيام بتلك المُهمَّة، يُمكن الاستشهاد بشاهدَيْن قويَّيْن من التقرير الأخير، يوضِّحان أن عملية التحقق التي يقوم بها المجلس، بها ثغرات تسمح بمرور كثير من الأخطاء والأكاذيب:
أحد الناشرين ذكر أنهم فُوجئوا بخطأ شنيع في التقرير الذي جاءهم من المجلس للفحص والمراجعة، وهو أن رقم التوزيع أكبر من رقم المطبوع!
كيف لصحيفة أو أيِّ سلعة، أن يكون المُباع منها أكثر من المُنتج. هذا خطأ يتجاوز الأرقام والنسبة إلى المنهج وآليات الحصول على المعلومات!
ناشر آخر، ذكر أن التقرير الذي جاءهم للمراجعة، لم يحتوِ على عدد أيام الطباعة في فترة العيد!

إذا كان خطأ لجنة التحقق التي كوَّنها المجلس، يصل إلى حد أن يجعل معادلة مستحيلة، ممكنةً، وهي أن توزع صحيفة أكثر مما تطبعه!
وإذا من الممكن أن تُسقط اللجنة المُكلَّفة بالتحقق سهواً، طباعة عدة أيام من مجموع أيام طباعة صحيفة محددة، فمن أين تأتي الثقة والجرأة للأمين العام للمجلس، ليقول إن دقة التقرير تصل إلى نسبة 100%؟!!!
-3-
تبرير آخر، أدلى به العبيد في الحلقة، كان مُفاجئاً لي، وربما لكثيرين غيري، حينما قال إنهم لم يقوموا بنشر أرقام توزيع أكثر من 24 صحيفة من غير الصحف الخمس الأكثر توزيعاً عملاً بفقه السترة؟!
أمر مُضحك ومُربك معاً.. كيف لتقرير يُراد منه تحقيق العدالة والوضوح، أن يجمع بين الشفافية وفقه السترة؟!
العبيد قال إنهم يراعون أسرار الصنعة والتنافس في السوق، لذلك لم ينشروا أرقام توزيع بقية الصحف!
طيب، إذا كان التقدير كذلك، ألا يحقُّ للصحف الخمس، أن تحتجَّ على المجلس، بأنه قام بنشر معلوماتها للعلن، ولم يراعِ أسرار الصنعة وطبيعة التنافس؟!
دع كلَّ ذلك جانباً.
في السنوات السابقة، ألم يكن المجلس وتحت إدارة العبيد مروح، يقوم بنشر تقرير شامل وتفصيلي سنوي عن توزيع كل الصحف السودانية من الصحيفة الأولى إلى الأخيرة؟ هل كان في ذلك إخلال بسوق التنافس وعدم الالتزام بتطبيق فقه السترة؟!
منطق معوجٌّ ومنهج مختلٌّ يجمع بين متناقضات!
-4-

بإمكان أيِّ ناشر أن يدخل في تحدٍّ مع المجلس ولجنته الموقرة قائلاً:
(أنا أطبع 20 ألف نسخة وأوزع 18 ألفاً، وهذه معلومة كاذبة عليكم اكتشافها)!
لن يستطيعوا لذلك سبيلاً.
السبب بسيط جداً، وهو أن الصحيفة إذا كانت تمتلك مطبعة أو دار توزيع، بإمكانها تجميل أرقامها كما تشاء!
وإذا كانت تمتلك دار توزيع فقط، فبإمكانها أن ترفع نسبتها على النحو الذي ترغب!
وإذا لم تمتلك الاثنين، فبإمكانها أن تتفق مع طرف واحد ذي مصلحة في التعامل معها على الأرقام والنسب التي تريدها!
قالها الزميل الهندي عز الدين:
(البيدو القلم ما بكتب نفسو شقي)!
أما الأمر الأكثر وضوحاً وأعسر على الكشف، فهو أرقام اشتراكات كل صحيفة.
بإمكان أي صحيفة، أن تدّعي ما تشاء في تحديد كمية اشتراكاتها، ولا تستطيع لجنة التحقق أن تكتشف ذلك، لأنها لا تملك آليات للمتابعة والرصد.
أبعد كل ذلك، أليس مُفاجئاً بالنسبة لكم، ادعاء السيد العبيد المروح، أن نسبة دقة تقرير الانتشار تصل لـ100%؟!
-5-
النقطة المركزية التي نصل إليها من كل ذلك، أن على المجلس أن يمتلك آليات ووسائل أكثر مصداقية ودقة، لتحديد نسبة توزيع الصحف قبل اقتحام هذا المجال بفقه معلول وآليات كسيحة، حتى لا يُخلَّ بسوق التنافس، ويكشف أسرار بعض الصحف ويتستّر على أخرى!