الطاهر ساتي

أما النصري، ف ( لا )


:: بتلك الديار الطيب أهلها، طوال أيام مهرجان جبل البركل، باب النصري من الأبواب التي لم توصد أبداً.. وكان، ولايزال منزل النصري مزاراً – كجبل البركل – للعابرين بمروي..ولهذا، يهرب النصري من الخرطوم – وبريقها ونعيمها – بعد الحفل مباشرة، ليهنأ بالسعادة هناك في صالون الضيوف و(الحوش الوسيع)..وهناك، في دوحة النصري الوارفة بظلال الكرم وحفاوة الإستقبال، على مدار اليوم، تجد شباباً من كل ألوان الطيف السياسي، وكأنهم من أفراد أسرة النصري يطلبون بحب وأريحية..شاي، قهوة، بلح، قراصة، ثم ينتقون من غناء سيَد البيت ما يوحَد وجدانهم الممزق بفؤوس السياسة وأحزابها..!!

:: ويوم الخميس بمروي، عندما شارك بالغناء في الحملة الإنتخابية لمرشح المؤتمر الوطني الفريق صلاح عبد الله بالدائرة (5)، لم يغن محمد النصري لصلاح قوش ( يا فارسنا يا حارسنا)، ولم يغن له ( إنت يا قوش الخلاص، يا جداراً من رصاص)، أوكما فعل البعض – قبل أربعة عقود فقط لاغير- ثم تابوا وتاب الشعب عنهم..ولكن النصري، في تلك المناسبة السياسية، غنى لجماهيره العريضة – بجانب حزمة من الغناء العاطفي – قصيدة ( سوقني معاك يا حمام)..وهي إحدى روائع الراحل المقيم محمد الحسن سالم حميد، وهي من أروع الأناشيد الوطنية الداعية- بكل وضوح وعمق- إلى الحرية و السلام والديمقراطية..!!

:: نعم، (سوقني معاك يا حمام) هي الأغنية الوطنية – والسياسية – الوحيدة التي غناها محمد النصري في حفل تدشين حملة قوش الإنتخابية بدائرة مروي، وما تلتها من روائع كانت للحبيب والنيل والنخيل..ومع ذلك، أي رغم أن حدود غناء النصري – ليلتئذ – لم تتجاوز ما هو متواثق عليه في الوجدان الشعبي من حب وجمال ووطن مرتجى بالسلام والوئام والديمقراطية، خرج البعض – كالعهد بهم دائماً في إغتيال الناجحين والرعي الجائر في حقول المتفوقين- ساخطاً و مهاجماً ومحرضاً الجماهير عليه بمقاطعة حفلاته، وكأنه خالف المبادئ و القيم..وهؤلاء لايعلمون أن النصري من نوع الفنان الذي (يعرف)، و يعرف إنه (يعرف)، أي ليس بجاهل ليعلموه أو يذكروه (متى وأين وكيف يغني؟).

:: ولو نظرنا إلى الأمر بالمنظار السياسي، لقد إختار النصري المنبر المناسب ليقول عبره بكل شجاعة : ( تعالوا نلقّم سقف المتاهة نجم هدّاي في الضلام، ونطعِّم حرف النزاهة لإيئلافك يا حمام، ديموقراطية وأمان، سوا سوا عالين مقام، مواريثنا المن زمان، محصَّنة في أروع نظام)، وهكذا كان حلم حميد..وحميد أيضاً – كما حال النصري حالياً – كان يطل من كل النوافذ والمنافذ والمنابر الحومية و المعارضة ليرسل رسالته..وما ضره أن ينشد في تلفاز الحكومة وإذاعة الحكومة ومسرح شركة زين طالما هو (حميد ذاته)، أي لم يخطئ الهدف متأثراً بالزمان والمكان..وهكذا آي مبدع يعرف (قيمة إبداعه)..!!

:: فالمهم للمبدع – أي مبدع – أن تصل رسالته للمتلقي، وليس مهماً المنبر أو النافذة المرسل عبرها، و أشيروا إلينا بمبدع لم يطل من خلف منبر حزبي أو حكومي لنهاجم النصري..علما بأن المبدع النصري – عبر المنبر الإنتخابي للفريق صلاح عبد الله – لم يرسل للملتقي ما يُعيب (شعراً ولحناً)، بل أرسل أهداف ذات الأشعار التي يرسلها شهرياً وأسبوعياً من المسارح والقاعات والإذاعات والفضائيات الحكومية وغيرها..وعليه، من كانت معركته السياسية مع صلاح فذاك صلاح وتلك سوح السياسة، أما تحويل دفة المعركة إلى حيث النصري فهذا ما لايجوز فيه غير المثل القائل ( الغلبو قوش يسدو في النصري) ..!!